رحل الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة عن الحياة، بعد أقل من عامين على مغادرته السلطة إثر حراك شعبي انطلق في فبراير (شباط) 2019، ويتساءل المتابعون عن آثار فترة حكم الرجل على البلاد والعباد، وهل بوفاته طوت الجزائر مرحلة من التاريخ؟
سيحفظ التاريخ للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، نجاحه في وضع حد لـ"حرب أهلية" دامية، كما سدد كل ديون بلاده الخارجية، بعد وصوله إلى الرئاسة في 1999، الأمر الذي لا يزال الشعب الجزائري يتداوله، لكن تشبّثه بالسلطة بإرادته أو مرغماً أو استغلالاً، وما تبعه من مظاهر الفساد وسوء التسيير أدى إلى بدء العد التنازلي باتجاه "الطرد" من القصر الرئاسي بشكل معاكس ليوم قبوله شعبياً لحكم البلاد، حيث خرج الشعب إلى الشارع مطالباً بمغادرته، في مشهد يعكس حجم الضغط الشعبي الذي تسببت فيه نوايا الاستمرار في الحكم.
ومنذ استقالته، عاش بوتفليقة بعيداً عن الأنظار، لكن لم تنته الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى العكس ظهرت مشكلات لم يشهدها الجزائريون خلال فترة حكمه، مقابل تخلص البلاد من وجوه "فاسدة" كانت تعتبر من شخصيات الدولة، فهل هي لعنة بوتفليقة أم أن 20 عاماً من حكمه لا يمكن تجاوزها في عامين أو 5 أعوام؟
طي صفحة 20 عاماً من الحكم
في السياق، يقول الدبلوماسي الجزائري المقيم بجنيف، محمد خدير، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنه "من الصعب طي صفحة رئيس حكم لمدة 20 عاماً في عامين أو ثلاثة أو خمسة أعوام، وإن كانت العهدة الأخيرة ليست له وإنما شقيقه السعيد هو من تولاها من وراء ستار، وعليه فآثار حكمه ستبقى"، مضيفاً بخصوص الملفات، أنه من المنتظر أن يرمي المتهمون بالمسؤولية على الرئيس الراحل، كما لا يمكن الحديث عن التحايل في ملفات الفساد والأمر متروك للقضاء، لكن الأكيد أنه "سنسجل تغيراً في تصريحات المتهمين، لأنه قبل ذلك كان هناك نوع من الحصانة غير معلنة للرئيس بعدم ذكر اسمه في المحاكمات".
ويواصل خدير، أن اليوم سيجد الجميع في رحيل الرئيس حلاً، و"أظن أن شقيقه السعيد سيلجأ إلى التصرف نفسه"، مشدداً أنه "لا يمكن إنكار انجازات الرئيس بوتفليقة خلال العهدتين الأولى والثانية، غير أن العهدة الثالثة التي تعتبر غير دستورية ثم الرابعة التي عرفت تفشياً واسعاً للفساد والنهب والتلاعب بأموال الشعب، قضتا على الالتفاف حول المرحلتين الأولى والثانية".
الحراك أسقط رأس النظام
من جانبه، يرى الناشط السياسي، يزيد بن عائشة، أن "الحراك الشعبي أسقط رأس النظام ولكن بقي النظام السياسي ولم يتغير، بل نرى فيه تجديداً لتكريس حق القوة وليس قوة الحق، ولا يزال الشعب بعيداً عن صناعة القرار والتغيير"، مبرزاً بخصوص ما تعلق بالملفات، أن ما يحكمها هو قوة العصب في النظام السياسي، "فقد تنتقل البراءة إلى المؤبد والمؤبد إلى براءة من دون حكم وهذا ما شاهدناه وفهمنا مغزاه"، وأضاف "نحن لا نملك المعطيات التي تؤهلنا للحكم على هذه الملفات، لكن تنتابنا تساؤلات حول مصيرها لغياب الشفافية في مثل هذه القضايا الحساسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل بن عائشة، "اسم الرئيس الراحل ذكر في مختلف القضايا وهو حي ولم يتم استدعاؤه فكيف يتم اتهامه وهو ميت وقد صدرت الأحكام بحق المتهمين، لا أظن أن يكون هذا الخيار وارداً"، مشدداً أن العهدتين الأولى والثانية للرئيس بوتفليقة، تحققت فيهما المكاسب الأمنية والاقتصادية وكسب بذلك تزكية عريضة في 2004، ولكن بعد تعديله الدستور وفتح العهدات ثم دخول القوى غير الدستورية بعد مرضه في 2013 على الخط، سار بالجزائر نحو الهاوية.
ألقاب
وبعد حصوله على لقب أصغر وزير في العالم عقب استقلال الجزائر وفي عهد الرئيس الراحل أحمد بن بلة، بتوليه حقيبة الشباب والرياضة، ثم أصغر وزير خارجية في العالم في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، اختتم بوتفليقه مشواره السياسي بلقب أطول رؤساء الجزائر حكماً، وهو الذي رفض أن يكون "ثلاثة أرباع الرئيس" كما صرح بذلك عند قدومه.
عهد كامل
ويقول الحقوقي، حسان براهمي، "نرى جلياً بعد مرور أكثر من عامين عن نهاية حكمه، أن عهدات الرئيس الراحل لم تكن مجرد عهدات رئاسية بل كانت عهداً كاملاً استمر 20 عاماً ولن يزول إلا بعد 20 عاماً أخرى، ما دامت أغلب الوجوه المسيّرة للشأن العام حالياً هي شخصيات ظهرت في عهده"، مضيفاً أن "الشيء الوحيد المؤكد حالياً أن حراك 22 فبراير أسقط بوتفليقة لكنه لم يسقط البوتفليقية التي يبدو أن الطريق ما زال طويلاً للتخلص منها"، وختم أن "الوصول بالجزائر إلى عهد الجمهورية الجديدة يبقى حلماً يجب أن ننتظر سنوات طويلة حتى نراه تحقق".
بالمقابل، يشير الحقوقي، سليمان شرقي إلى أنه من الصعب التنصل من تركة الراحل بوتفليقة ونظامه بمجرد وفاته، غير أن محاولات ذلك ظاهرة للعيان بمناسبة استكمال المسار الدستوري المتبنى من قبل النظام بعد استقالته منذ أكثر من عامين عن طريق تنصيب المجالس البلدية والولائية التي ستفضي في نهاية العام الحالي إلى التجديد النصفي لمجلس الأمة، وهي آخر مرحلة في المسار الانتخابي، وقال إنه ستشرع الحكومة في التسوية الودية لقضايا رجالاته المتابعين بقضايا الفساد في إطار ما أقره مخطط عمل الحكومة.