حسم القائد العام للجيش الليبي في بنغازي المشير خليفة حفتر أمره، وأغلق باب التكهنات الدائم حول نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بتعليق مهماته، والتخلي عن منصبه مؤقتاً لرئيس الأركان العامة، عبد الرزاق الناظوري، مدة ثلاثة أشهر، أي حتى ظهور اسم الفائز في انتخابات الرئاسة المرتقبة.
وإذا كان ترشح حفتر للمنافسة على الفوز بمنصب رئيس الدولة الليبية أنهى الجدل حول رغبته في الترشح من عدمها، إلا أن ترشحه هو بالذات سيفتح أبواباً أخرى للخلاف حول القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات، اللذين سمحا بترشح العسكريين للانتخابات الرئاسية، وهو ما لم يقبله خصومه في الغرب الليبي، رفضاً لترشحه للمنصب، وليس بسبب القانون الانتخابي أو القاعدة الدستورية في حد ذاتهما.
انتخابات الرئاسة
ويسري قرار تكليف الناظوري بمهام منصب القائد العام، الذي أصدره حفتر، في 23 سبتمبر (أيلول) الحالي، حتى 24 ديسمبر المقبل، وهو اليوم الذي ينتهي فيه التصويت لانتخاب رئيس جديد للدولة الليبية.
ويعني القرار بوضوح أن حفتر عازم على الترشح لمنصب الرئاسة، استجابة للشروط الواردة في قانون الانتخابات الرئاسية، الذي اعتمده مجلس النواب الليبي، قبل أيام قليلة، وتنص المادة "12" منه، على أنه "يحق لكل مواطن، سواء أكان مدنياً أو عسكرياً، الترشح لمنصب الرئاسة على أن يكون متوقفاً عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم ينتخب، فإنه يعود إلى سابق عمله، وتصرف له مستحقاته كاملة".
صدام
وتعتبر هذه المادة تحديداً من بين كل مواد قانون الانتخابات الرئاسية، محوراً رئيساً للخلاف الحاد بين مجلس النواب في طبرق، ومجلس الدولة في طرابلس، الذي يقوده خالد المشري، أحد أبرز خصوم المشير حفتر والمعارضين لتوليه أي منصب سياسي أو عسكري في الدولة.
ومع إعلان حفتر ترشحه للرئاسة، بات شبه مؤكد، تشدد مجلس الدولة وحلفائه من تيار الإسلام السياسي ومدينتي طرابلس ومصراتة، في مواقفهم الرافضة القانون، والمطالبة أيضاً بمنع ترشح العسكريين للمنصب، إلا إذا كانوا قد استقالوا من مهامهم قبل فترة لا تقل عن عامين ولا تزيد على خمسة أعوام، ومنع ترشح من سبق له منهم حمل جنسية دولة أخرى، وهو ما ينطبق على قائد الجيش، لحمله، سنوات، الجنسية الأميركية، أثناء فترة معارضته نظام الرئيس الراحل معمر القذافي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حظوظ الفوز
ويحظى حفتر بقاعدة كبيرة من المؤيدين في شرق ليبيا، وبعض مناطق الغرب ذات الكثافة السكانية الكبيرة، مثل ترهونة، على الرغم من تراجع شعبيته منذ تعثر العملية العسكرية التي قادها لدخول طرابلس، فإنه تمكن، أخيراً، من عقد تحالفات لافتة حتى مع بعض الأطراف السياسية والعسكرية في مدينة مصراتة، ما يجعله صاحب حظوظ كبيرة للفوز بمنصب الرئاسة، إذا تمت في موعدها، وهو ما يدركه خصومه في الغرب الليبي ويتخوفون منه.
وكان رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، قال صراحة، "لا يمكن السماح لحفتر بتولي منصب رئيس الدولة الليبية، حتى لو اضطررنا إلى مواجهة هذا الأمر بالسلاح من جديد".
ويرى الصحافي محمد الكواش أن "ترشح حفتر لمنصب رئيس الدولة كان متوقعاً، ولذلك دأب خصومه في طرابلس، بخاصة مجلس الدولة وجماعة الإخوان المسلمين، على التمسك بإصدار قوانين انتخابية مفصلة لعرقلة تقدمه للمنافسة في الانتخابات". وأضاف، "المعضلة الحقيقية أمام هذه الأطراف الموافقة الدولية على قانون الانتخابات الذي أصدره البرلمان، وفتح الباب لترشح حفتر، وأعتقد، على الرغم من ذلك، أنهم لن يتوقفوا عن مواجهة ترشحه للانتخابات الرئاسية بطرق أخرى، إذا خسروا المواجهة القانونية، مثل منع حملاته الانتخابية في الغرب الليبي، أو حتى اللجوء لخيار الحرب من جديد، وهو ما هدد به صراحة رئيس مجلس الدولة خالد المشري، وبعض القادة العسكريين، غرب ليبيا، مثل صلاح بادي".
أبرز المنافسين
ومع استعداد حفتر لخوض السباق الانتخابي للظفر بمنصب الرئيس الجديد لليبيا، بدأ الحديث عن حظوظ المتنافسين للفوز بالمنصب أيضاً، من بين الذين تقدموا له، أو ممن يتوقع إعلان ترشحهم في الفترة المقبلة، وهناك شبه إجماع في ليبيا أن الحظوظ الكبيرة لتولي الرئاسة، تكاد تنحصر في ثلاث شخصيات لا رابع لها، بحسب المعطيات الحالية في الساحة الليبية، والشخصيات الثلاث المرشحة لتكون فرسان الرهان الانتخابي، قائد الجيش خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي نجل الرئيس السابق، وعبد الحميد الدبيبة، الذي تعززت حظوظه، أخيراً، بعد نجاحه في حشد تأييد شعبي لافت، بعد أشهر قليلة من توليه منصبه الحالي رئيساً للحكومة.
شخصيتان من المرشحين للفوز في الانتخابات الرئاسية يتوقع أن يواجها خصوماً متشابهين يعارضون منحهما الفرصة للمنافسة في الانتخابات المقبلة، هما حفتر وسيف الإسلام القذافي، اللذان بدأت الاعتراضات على ترشحهما لانتخابات الرئاسة حتى قبل أن يعلنا عن الأمر بشكل رسمي، هذه المعارضة يتوقع أن تشتد في مصراتة وطرابلس، من قبل تيارات سياسية مثل تيار الإسلام السياسي، وقادة الكتائب العسكرية في المدينتين.
ويعتمد الرجلان على قاعدة شعبية واسعة، تتركز بالنسبة إلى قائد الجيش شرق ليبيا، ولنجل القذافي غرب البلاد وجنوبها، وتحديداً في مدن تسكنها أكبر القبائل الليبية تعداداً، مثل ورشفانة وبني وليد، وقاعدة لا بأس بها من المؤيدين في طرابلس نفسها.
ورأى الباحث والأكاديمي، مرعي الهرام، أن "حظوظ حفتر لتجاوز محاولات منع ترشحه أكبر من حظوظ سيف الإسلام القذافي، استناداً إلى قانون الانتخابات الذي أصدره البرلمان، ولقي قبولاً دولياً واسعاً، ما يسمح لحفتر بالترشح، بينما تعيق بعض بنوده ترشح سيف الإسلام، بخاصة التي تنص على منع ترشح من حوكم أمام القضاء في أي قضايا سياسية أو جنائية، حتى لو تمت تبرئته". وأشار الهرام إلى أن "هناك نقطة أخرى قد تزيح سيف الإسلام من سباق الرئاسة، وهي وجود ملف قانوني يخصّه لم يغلق في محكمة الجنايات الدولية، ورغبة من قوى دولية كبرى لمنع ترشحه لمنصب رئيس ليبيا الجديد، كونه يتعارض مع مصالح هذه القوى في ليبيا، بسبب دورها الحاسم في إسقاط نظام أبيه، قبل عقد مضى".
تعزز حظوظ الدبيبة
في السياق، نجح رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية الحالي، عبد الحميد الدبيبة، في استثمار الفرصة الذهبية التي منحه إياها توليه رئاسة الحكومة، بحشد تأييد شعبي واسع، بعد نجاحه في تحسين مستوى الخدمات، وخصوصاً إنعاش الوضع الاقتصادي للمواطنين، عبر زيادة مرتبات بعض القطاعات وصرف منح وعلاوات مثل منحة الزوجة والأبناء، ومنحة دعم الشباب المقبلين على الزواج.
وأظهر التأييد الشعبي الواسع الذي ساند الدبيبة في معركته الحالية مع البرلمان أنه بات رقماً صعباً في المعادلة الانتخابية المقبلة، ما دفع وزير الإعلام الليبي السابق، محمود شمام، إلى أن يقول، "لو أجريت الانتخابات غداً، فإن فوز الدبيبة بها مضمون".
عقد مؤتمر دولي في أكتوبر
قال محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي، يوم الخميس، إنه سيعقد مؤتمراً دولياً في أكتوبر (تشرين الأول) لحشد الدعم لاستقرار البلاد، محذراً من أنها تواجه "تحديات حقيقية" يمكن أن تقوض الانتخابات.
وقال المنفي في كلمة أمام الاجتماع السنوي للأمم المتحدة لزعماء العالم في نيويورك إن المؤتمر يهدف إلى ضمان دعم دولي "بصورة موحدة ومتسقة" واستعادة الشعور بالقيادة والملكية الليبية على مستقبل البلاد.
وقال "نواجه تحديات حقيقية وتطورات متسارعة تدفعنا من موقع المسؤولية في التفكير في خيارات أكثر واقعية وعملية، تجنبنا مخاطر الانسداد في العملية السياسية الذي قد يقوض الاستحقاق الانتخابي، الذي نتطلع إليه، ويعود بنا إلى المربع الأول".
وجرى الترويج للانتخابات العامة التي من المقرر أن تجرى في 24 ديسمبر كوسيلة للخروج من الأزمة المستمرة منذ عقد في البلاد، لكن طغت عليها نقاشات مريرة حول الشرعية قد تؤدي إلى انهيار عملية سلام مستمرة منذ أشهر.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للصحافيين في نيويورك، يوم الاثنين، إن فرنسا وألمانيا وإيطاليا ستشارك في استضافة مؤتمر دولي حول ليبيا في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) لضمان الحفاظ على الجدول الزمني للانتخابات.
وفوض منتدى الحوار السياسي الليبي، وهو مجلس اختارته الأمم المتحدة ووضع خارطة طريق للسلام في ليبيا، إجراء انتخابات 24 ديسمبر من خلال تشكيل حكومة وحدة وإجراء تصويت على مستوى البلاد.
ولحين إجراء الانتخابات، اختار المنتدى مجلساً رئاسياً يضم ثلاثة أفراد برئاسة المنفي وعين عبد الحميد الدبيبة رئيساً للوزراء في الحكومة المؤقتة.