يعتقد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن قوى السوق ستعمل على حل أزمة الغاز. فهل هو على حق؟ من الواضح أن الأمر ليس كذلك، مع الإشارة إلى أن ذلك النفي ليس مرده أن ذلك الكلام صادر عن شخصه مباشرة [إشارة إلى قلة الموثوقية في جونسون].
استطراداً، لا وجود لسوق حرة في الطاقة. بشكل واضح، الموجود هو حد أقصى للتعريفات المحلية في أسعار الطاقة. وذلك يعني، أنه عندما ترتفع التكاليف بشكل كبير وغير متوقع كحالها الآن، لا يمكن للشركات تحميل المستهلكين عبء ارتفاع الأسعار. وإذ لا تجني الشركات أرباحاً فإنها تعلن إفلاسها. من المفترض أن تنقض الشركات الأخرى كالجراد على كل أولئك الزبائن المُربِحين الذين يسعون بيأس إلى الحصول على الغاز لتدفئة منازلهم وطهي طعامهم. وفي المقابل، لا يمكن انتهاك الحد الأقصى للتعريفات بالطبع، ويجب على مزودي الطاقة الجدد احترام الالتزامات القديمة بالتعرفة الثابتة، الأمر الذي لا يعد جذاباً بالنسبة للشركات. وبالتالي، يمنع وجود سقف للأسعار السوق الحرة من العمل.
وينطبق الوصف نفسه على السياسات المتنوعة في الطاقة الخضراء، بل غيرها أيضاً، التي قطعت إمدادات الفحم افتراضياً، وقللت من قدرة القطاع النووي وعززت مصادر الطاقة المتجددة (ونحن نعلم أن الرياح وأشعة الشمس لا تتوفران دائماً حين الحاجة إليهما). لا أقول إن هذه حجة لإلغاء سياساتنا المتعلقة بأزمة المناخ، والسماح للأسعار بالارتفاع والتلوث بالازدياد، بل إنها مجرد إشارة إلى أن الأسواق، حتى لو تمكنت من إنقاذنا من أزمات كهذه، فإنها لن تفعل ذلك.
يشكل ذلك الجانب الإيجابي الوحيد في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي. إذ يذكرنا بمدى خطورة اعتمادنا على ذلك المورد المحدود. إنه لمحة عن مستقبل لا نريد التفكير فيه سيأتي حين ينفد الغاز. قبل الوصول إلى تلك المرحلة بوقت طويل، سيكون هناك مزيد من النقص، إلى جانب الجدل الدائر حول ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي سنحتاج إلى البدء في إجراء التغييرات الآن. نعم، كان يجب أن نبدأ في التحول من سخانات الماء التي تعمل بالغاز، خصوصاً المستخدمة لأغراض التدفئة المنزلية، نحو تقنيات المولدات الكهربائية الهوائية وتلك التي تعتمد على الحرارة الأرضية. كلاهما مكلف للغاية وليس بنفس فعالية الغاز، لكن ذلك أيضاً يشكل السبب الرئيس الذي يجعلنا نستثمر في ذلك القطاع ونجد طرقاً في خفض التكلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد سلكنا المسلك نفسه مع السيارات الكهربائية، وما زلنا، وقد بات لها أداء أفضل وتكلفة أرخص نسبياً مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. يتوجب تجربة الأمر عينه مع أنظمة التدفئة المنزلية الجديدة. إذ يحتاج تشغيلها إلى كمية قليلة من الكهرباء لكنها تستمد معظم الطاقة التي تحتاجها من البيئة. مع قدرة الكهرباء المتجددة والنووية على توفير بعض الاحتياجات (الطهو مثلاً)، فإن الانتقال الاستراتيجي نحو توليد الطاقة محلياً في المنازل وأماكن العمل عبر المولدات الحرارية الهوائية والأرضية، من شأنه أن يحدث تغييراً في الأمن الوطني للطاقة والتكاليف المترتبة على العائلات على حد سواء.
لا ينبغي أن تكون فواتير التدفئة مصدر قلق لأي أحد بعد الآن، شريطة أن يغطي برنامج انتقال وطني [في الطاقة] تكاليف المضخات، وفق ما فعلنا تماماً قبل نصف قرن حينما انتقلنا من "الغاز المركزي" إلى تمديد الغاز الطبيعي وتوفيره في كل منزل ومكان عمل في البلد. إذا لم تفعل قوى السوق ذلك، أو لم يكن في مقدورها فعله، فسيتعين على الدولة تحمل التكلفة وإيجاد طريقة في استعادة التكاليف من المستهلكين بطرق منصفة ويمكن التحكم بها.
وفي زمن سابق، جرى تنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة على غرار تركيب خطوط الكهرباء والهاتف، وإنشاء شبكة كهرباء وطنية، وشق الشوارع والطرقات السريعة، وتمديد خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، ومد كابلات الإنترنت السريع. وحاضراً، يمكننا فعل ذلك مرة أخرى في تركيب المضخات الحرارية. وبالنسبة إلى الأمة، فإنها [المضخات] ستغطي تكاليفَ إنشائها على المدى الطويل. أو يمكننا الاستسلام والارتجاف.
© The Independent