شهدت الأسواق العالمية، الاثنين، مبيعات بعدما تخوف المستثمرون من أن يكون لانهيار شركة عقارية صينية رئيسة أثر معدٍ، وأن يقوض الاستقرار المالي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتمر "إفرغراند"، وهي شركة كبيرة للتطوير العقاري في الصين ترتبت عليها ديون ضخمة على نحو استثنائي، بمعاناة مالية، بعدما طبقت الحكومة إجراءات لتهدئة السوق العقارية الساخنة. وتزايدت المخاوف على استدامة الشركة قليلاً بعدما أفادت شركة التصنيفات الائتمانية "أس أند بي غلوبال رايتينغز" في تقرير هذا الأسبوع بأن شركة التطوير العقاري تقترب من التخلف عن تسديد ديونها في وقت قريب هو الخميس. ويخشى المستثمرون من أن يكون وضع "إفرغراند" مؤشراً إلى مشاكل أوسع في السوق العقارية الصينية، التي تبدي مؤشرات إلى كونها فقاعة، والفقاعة مصطلح اقتصادي يعني ارتفاع أسعار الأصول بحدة وصولاً إلى مستوى يبدو غير مستدام. وحين تنفجر هذه الفقاعات، يكون لها أثر يُسمى في الأغلب انهياراً، أي تراجع حاد ومفاجئ في أسعار الأصول.
وهذا مصدر قلق كبير للمستثمرين المنكشفين على الأصول الصينية، لكنه كذلك أيضاً للاقتصاد العالمي، في ضوء الحجم النسبي الذي تتميز به الصين. فمن المرجح أن تسهم البلاد بخُمس النمو العالمي بين عامي 2021 و2026، وفق توقعات نشرها في أبريل (نيسان) من هذا العام صندوق النقد الدولي الذي يُعَد الملاذ الأخير للاقتراض.
وتثير مشاكل الشركات العقارية ذعراً على نحو خاص، لأن قطاع العقارات يشكل جزءاً مهماً من الناتج الاقتصادي الصيني. فقد بلغ الاستثمار في العقارات 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني عام 2018، وفق مكتب التحليلات الاقتصادية التابع لوزارة التجارة الأميركية. وفي الولايات المتحدة، لا يتجاوز الاستثمار في القطاع العقاري تاريخياً سوى نحو خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وعام 2020، احتسب الخبيران الاقتصاديان كين روغوف ويوانتشين يانغ أن تراجعاً بنسبة 20 في المئة في نشاط سوق الإسكان قد يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بما بين خمسة وعشرة في المئة.
ويرفض بعض الاقتصاديين ومحللي الأسواق بقوة الفكرة القائلة بأن ما يحصل هو عودة إلى الأزمة المالية لعام 2007، لكن ذلك لا يعني أن ما يجري لا يؤشر إلى قرب وقوع مشاكل جدية. ومن شأن معاناة سوق البناء والعقارات الساخنة في الصين تعثراً أو حتى انهياراً أن تبطئ أكثر النمو الاقتصادي الذي لم يشهد بالفعل إعادة الانتعاش السريعة التي توقعها البعض بعد الجائحة.
ولم تتضح بعد الخطوات التي ستتخذها الحكومة الصينية، لكن مصرفها المركزي يتدخل بالفعل لتعزيز السيولة، وضمان استمرار التدفق النقدي في النظام المالي – في مؤشر إلى أن المصرف ربما يحاول تهدئة أعصاب المستثمرين والمصرفيين.
ولو توقفت "إفرغراند" بالفعل عن تسديد ديونها، ستشمل الصعوبات في البداية الشركات المالية الكبرى والمصارف التي تمتلك أصولاً ترتبط بالشركة، وفق حديث أدلى به إلى "اندبندنت" تومي وو، كبير الخبراء في الشؤون الاقتصادية الخاصة بمنطقة آسيا والمحيط الهادي لدى "أوكسفورد إيكونوميكس".
وقال وو "ثمة أطراف معنية بوضع (إفرغراند). فهناك مالكو منازل اشتروا بيوتاً من (إفرغراند)، وهناك مستثمرون بالتجزئة اشتروا منتجات من (إفرغراند)؛ وتشمل الأطراف المعنية الأخرى المصارف وحملة السندات والموردين".
وأضاف وو أن الأولوية الأولى، في ما يخص حكومة بكين، هي التخفيف من أثر الانهيار المحتمل لـ"إفرغراند" في مالكي المنازل. لكن بالنسبة إلى سائر العالم، يدور السؤال الذي يقلق وو واقتصاديين آخرين حول تمكن التدخل الحكومي من وقف "بيع بأسعار بخسة" قد يحصل على نطاق واسع في السوق العقارية الصينية.
تعتقد "ستاندرد أند بورز" بأن الحكومة الصينية لن تتدخل إلا إذا برزت مؤشرات إلى عدوى أوسع نطاقاً "تجعل مطورين عقاريين بارزين كثراً يفشلون وتفرض مخاطر نظامية على الاقتصاد"، وليس إذا اقتصر الأثر على "إفرغراند" وحدها.
وقال وو "نعتقد بأن الحكومة ستهندس إعادة هيكلة مدارة، حتى ولو لم تنقذ (إفرغراند) والمستثمرين".
ولا يقترب بعض الاقتصاديين كثيراً من تسمية ما يحصل "لحظة ليمان" الصينية، علماً بأن "ليمان براذرز" هو المصرف الأميركي الذي أنذر انهياره باضطرابات أوسع خلال الأزمة المالية. فتسمية كهذه "غير دقيقة"، وفق سيمون ماك آدم، الخبير البارز في الاقتصاد العالمي لدى "كابيتال إيكونوميكس". وفي حين يعيد أي وضع يشتمل على ديون وعقارات ذكريات مقلقة لدى المستثمرين، هذه المشكلة هي من نوع آخر في سوق من نوع آخر.
قالت فريا بيميش، الخبيرة البارزة في الاقتصاد الآسيوي لدى "بانثيون للاقتصادات الكلية"، لـ"اندبندنت" "الحالة المشابهة الأقرب هي كوريا [الجنوبية] عام 2003، وليس (ليمان). ويتضح الفارق النهائي من منظور عالمي: ليست الصين في قلب النظام المالي العالمي، في حين أن الولايات المتحدة كانت ولا تزال كذلك وإلى حد كبير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي كوريا الجنوبية، قفز الإقراض ببطاقات الائتمان في أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهو حول السلوك المالي للأسر من الادخار المصمم إلى الإنفاق ومراكمة الدين. وسجلت المشتريات ببطاقات الائتمان كنسبة من الاستهلاك قفزة ضخمة من 15.5 في المئة إلى 24.5 في المئة بين عامي 1999 و2002.
والتشبيه مهم لأن الصين تواجه شبكة معقدة من الرفع المالي (شراء الأصول بأموال مقترضة) نشأت بفعل ازدهار القطاع العقاري، وفق السيدة بيميش. وسيتطلب تكشف هذا الوضع وقتاً بل وقد يستحيل قياسه بمرور الزمن.
ووفق بعض الاقتصاديين، بمن فيهم الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بن برنانكي، من شأن الادخارات المفرطة -وهي مشكلة في كوريا الجنوبية خلال التسعينيات ومسألة موثقة جيداً في الصين التي تملك واحداً من أعلى معدلات الادخار نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم خلال السنوات الأخيرة- أن يساعد في تعزيز الفقاعات. ويعتقد برنانكي بأن تكون تخمة الادخارات العالمية بين عامي 1996 و2006 ساعدت في تعزيز الأزمة المالية لعام 2007.
وتعتقد بيميش بأن أثراً مماثلاً ربما حصل في الصين في السنوات الأخيرة، حيث اصطدم جدار من الشركات العطشى إلى المال بجدار آخر من المال المتراكم من ادخارات الأسر. والنتيجة: فقاعة في قطاع العقارات والبناء.
وقالت بيميش "بهذا المعنى يكون العامل وراء هذه المشاكل التي تعانيها (إفرغراند) هو نفسه كما في لحظة (ليمان)، لكن الصين والولايات المتحدة تؤديان دورين مختلفين جداً في النظام المالي العالمي ولذلك لن تكون النتيجة مشابهة".
"وبالنسبة إلى الاقتصاد الحقيقي، يتمثل التهديد في تسارع المبيعات بأسعار بخسة، وهي لا تستهدف (إفرغراند) فحسب بل شركات تطوير عقاري أخرى أيضاً. فهذه الشركات (دائمة الخضرة) منذ فترة طويلة. وهذه ظاهرة متوطنة في قطاع العقارات". وتُستخدَم عبارة "دائمة الخضرة" في القطاع المالي لتصف في الأغلب الشركات التي تتجنب التوقف عن تسديد الديون من خلال الحصول على دين إضافي.
وأضافت بيميش "يشي هذا كله بوجود بونزي سكيم (برنامج احتيالي). والمقلق هو ألا تتمكن السلطات الصينية من القيام بما يكفي في المقام الأول لوقف هذا الأمر، لأنها لا تستطيع قياس المشكلة كمياً والسبب هو أن الشبكة معقدة جداً". هذا الغياب للإحصاءات الواضحة التي تحدد تماماً الجهات المنكشفة مالياً والشركات المنكشفة عليها هذه الجهات يمثل تذكيراً إضافياً بالحيرة التي سادت بعد انهيار "ليمان".
وقالت بيميش إن بكين لو تدخلت بسرعة، كما تتوقع هي وغيرها، في محاولة للتخفيف من أي تدهور أوسع في قطاع العقارات أو إبطائه، يمكنها التقليل من الأثر الأوسع في الثقة في الأسواق المالية، ووقف المبيعات الواسعة النطاق بأسعار بخسة في سوق العقارات، والآثار "البغيضة" في الأوضاع المالية للأسر.
ليس وضع "إفرغراند" في نهاية المطاف مؤشراً إلى انهيار مالي، سواء في الصين أو في النظام المالي الأوسع، لكن ثمة آثار مباشرة ينبغي النظر فيها.
قال وو "في ما يخص العدوى، أعتقد بأن المسألة مسألة صينية أساساً". وأضاف أن أسعار السلع الخاصة بمنتجات مثل الصلب وخام الحديد والفحم، ستتأثر على الأرجح بتباطؤ في قطاع البناء الصيني، حتى ولو خففت من ذلك نوعاً ما تدخلات من قبل الحكومة، مع تعزيز لبناء البنية التحتية.
وقد تعاني تباطؤاً اقتصادياً أوسع في الأشهر المقبلة مصارف مثل "أتش أس بي سي" و"ستاندرد تشارترد"، تكسب مالاً مهماً من تمويل التجارة في مجال الواردات والصادرات الصينية أو أصول صينية أخرى.
وعلى الرغم من أن "إفرغراند" ليست في قلب الأسواق المالية العالمية، على خلاف ما كان عليه "ليمان"، فإن سقوطها المحتمل يمثل عرضاً مثيراً لقلق أوسع نطاقاً. وحتى في حال تجنب وقوع أزمة -من خلال إعادة هيكلة بقيادة الدولة لـ"إفرغراند"- فإن قطاع البناء الصيني في تراجع، وفق ماك آدم، ما سيبطئ نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني إلى اثنين في المئة بحلول عام 2023، في رأيه. وسيكون انهيار "إفرغراند"، كانهيار "ليمان"، عرضاً من أعراض تخمة في الادخارات وفقاعة لاحقة.
وبكلمات بسيطة، قال وو "يجعل الأمر التوقعات تبدو الآن أكثر قتامة بقليل".
© The Independent