Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فوضى التسعير تربك موازنات الأسر في مصر

محاولات لهندسة النفقات أملاً في استيعاب انفلات الأسعار وسط دعوات إلى ضبط الأسواق

ارتفع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مصر إلى 26.5 في المئة خلال أكتوبر الماضي (اندبندنت عربية)

ملخص

تبدو عملية توفيق موازنات إنفاق الأسر في مصر أعقد من أي وقت مضى في عملية صعبة يمضي أصحابها على خيط رفيع في مسعى إلى الحفاظ على توازن إيراداتهم مع مستوى النفقات

الدهشة والغضب يكسوان وجه الموظف الأربعيني فيما يعض شفتيه بما لا يسره من السعر المدون على أرفف منتجات الألبان في إحدى السلاسل التجارية الكبرى وسط القاهرة في سوق تحيا أزمة اضطراب تسعير مستمر بدعاوى ومبررات متفرقة.

مضى خالد يقلب ببصره منتجات بديلة أرخص في مهمة شراء بعضها من لوازم إعداد وجبة الإفطار لطفليه اللذين يدرسان في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، غير أن الملاحظ كما يبدو تقلب سريع في أسعار تلك المنتجات كل بضعة أيام فحسب، مما أربك موازنة إنفاقه التي تتفرع كل شهر في مسعى إلى الوفاء بالتزامات ثقيلة وأفواه شاغرة.

"كل يوم المنتجات بسعر مختلف"

بضجر واضح يقول خالد فهمي، وهو موظف في إحدى شركات القطاع الخاص في مصر لـ"اندبندنت عربية"، "كل يوم المنتجات بسعر مختلف. شيء غير معقول وفوضى تسعيرية تستدعي وقفة جادة وضرب على أيدي التجار كي يكفوا. حتى متى ستتواصل تلك المظاهر؟".

 

يتكسب خالد 15 ألف جنيه (303 دولارات) شهرياً، وأمام زوجة وطفلين وطلبات لا تنتهي سرعان ما تدهمه أزمة الحاجة بعد 20 يوماً في الأكثر من تلقي الراتب، وهو أمر يتغلب عليه تارة بالاستدانة، وأخرى بالتخفف من بعض الالتزامات، كأن يقلص نفقات المأكل يوم أو يومين أسبوعياً، لكن أمام تقلبات الأسعار وتحركها الدائم في بلاده تبقى عملية هندسة الإنفاق أصعب من ذي قبل.

رفع أسعار الوقود في مصر

وفي الشهر الماضي رفعت الحكومة المصرية أسعار المنتجات البترولية بنسب تصل إلى 17.5 في المئة، وهي الزيادة التي تأتي بعد ثلاثة أشهر فقط من زيادة مماثلة، فيما زادت تعريفة المواصلات والنقل تأثراً بذلك، وانسحب الارتفاع أيضاً إلى منتجات وسلع أخرى من بينها الخبز السياحي الذي ارتفع بنسب راوحت ما بين 10 و15 في المئة، بحسب تقديرات شعبة المخابز بالغرف التجارية المصرية.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن ارتفع إلى 26.5 في المئة في أكتوبر الماضي من 26.4 في المئة في سبتمبر (أيلول) السابق عليه، فيما صعد التضخم على أساس شهري بنحو 1.1 في المئة في أكتوبر الماضي، وهو المعدل نفسه المسجل في سبتمبر السابق له.

أسعار تصعد لا تهدأ

تتشارك أم أحمد، وهي ربة منزل وأم لثلاث من الأبناء، ثقل عبء هندسة نفقات أسرتها كل شهر ككثير من الأسر متوسطة الدخل في مصر، فيما الزوج مقعد لأسباب تتعلق بالمرض، وتشكو أن الأسعار في بلادها تأخذ منحى صعودياً فقط من دون أن تلتقط الأنفاس، "أتفاجأ في اليوم أكثر من مرة، ما بين أسعار مرتفعة لمنتجات اشتريتها بسعر أقل قبل أيام، وما بين نفقات تزداد كلما طلب أبنائي أموالاً لشراء بعض حاجاتهم".

وتضيف المرأة الأربعينية في حديثها إلينا، "مصروف الشهر لا يكفي، ويوماً تلو الآخر نضغط الإنفاق ونؤجل الحاجات ونقتصد كي تمضي الأيام لعلنا نجد انفراجة. يتعين على الحكومة البحث عن حل ووقف نزف الأسعار وضبط الأسواق والتسعيرة، فلا يمكن أن تمضي الحال بهذه الصورة طويلاً".

التعويم الخامس للجنيه المصري

تعيش مصر أزمة اقتصادية طاحنة منذ سنوات على خلفية الأزمات العالمية والإقليمية، وتبنت إصلاحات بموجب اتفاق مع صندوق النقد الدولي عومت بمقتضاها الجنيه المصري خمس مرات بدأت في 2016 ليرتفع من مستوى ثمانية جنيهات للدولار إلى 15.7 جنيه، مما استمر حتى الـ21 من مارس (آذار) 2022 مع التعويم الثاني، إذ انخفض الجنيه إلى 19.70 جنيه، ومن ثم في الـ27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2022 انخفض لمستويات 27.70 جنيه فيما حل التعويم الرابع في الرابع من يناير (كانون الثاني) 2023 لينخفض الجنيه في مقابل الدولار إلى 30.90 جنيه ومع التعويم الخامس في مارس 2024 تراجع الجنيه إلى مستويات 50 جنيهاً للدولار الواحد.

 

"الأسواق في حاجة إلى تسعير عادل من دون مبالغة"، بهذه الكلمات يقر رئيس جمعية عين لحماية التاجر والمستهلك حازم المنوفي بوجود أزمة تسعير في بلاده، ويدعو في سبيل لجم الأسعار إلى "تسعير يراعي الكلفة الفعلية لمدخلات الإنتاج ومستلزماته، ومن دون أن يغفل تحقيق ربح عادل للتاجر في الوقت ذاته".

رفض نظرية العرض والطلب

يقول المنوفي الذي يشغل أيضاً عضوية شعبة المواد الغذائية بالغرف التجارية في مصر إن الأسواق بصورة عامة وأسواق السلع والمنتجات الغذائية على نحو خاص منها في حاجة إلى قرارات جريئة لإعادة التسعير، مشيراً إلى تمرير عديد من المنتجات والسلع بأسعار مبالغ بها، وعدم التقيد بنظرية العرض والطلب في وقت الأزمات. ويضيف أن التسعير غير العادل للمنتجات والسلع ظاهرة سلبية تلحق أضراراً بالاقتصاد وتعزز الاعتماد على الواردات كحل لمواجهة تضخم السلع المحلية، مقترحاً إلزام منتجي السلع الغذائية بكتابة السعر النهائي للمستهلك بصورة واضحة على العبوات، مما يعزز استقرار السوق.

تدوين السعر على العبوات

يرى رئيس جمعية عين لحماية التاجر والمستهلك أن الالتزام بتدوين السعر على العبوات يضمن عدم التلاعب ويؤمِّن استقرار السلع من دون إحداث خلل في سلاسل الإمداد يقود نحو زيادة الطلب بصورة كبيرة على السلع الأساسية عن المعروض من هذه السلع واستغلال البعض هذه الأزمة بتخزين السلع واحتكارها لرفع أسعارها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأقر رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي بمجلس الوزراء قبل أيام بوجود غلاء في أسعار السلع ببلاده، وقال إن الحكومة تشعر بوطأة التضخم، وإن هدف الدولة خلال الفترة المقبلة هو خفض معدلات الزيادة في الأسعار وتحقيق الاستقرار ووفرة السلع والمنتجات، متعهداً بعدم الإقدام على اتخاذ قرارات تضيف أعباءً مالية على المصريين في الفترة المقبلة.

مراجعة اتفاق صندوق النقد الدولي

وفي الشهر الماضي قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن الحكومة قد تضطر إلى مراجعة اتفاقها مع صندوق النقد الدولي إذا أدى إلى ضغوط "لا يحتملها الرأي العام" بسبب التحديات الناجمة عن الأوضاع الإقليمية الراهنة، مضيفاً "إذا كان هذا التحدي سيجعلني أضغط على الرأي العام بصورة لا يتحملها الناس، فلا بد من مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي".

وكان من المقرر أن يجري صندوق النقد الدولي في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي مراجعة جديدة لاتفاق القرض المبرم مع مصر في أبريل (نيسان) الماضي، لكن الصندوق أرجأ المراجعة إلى موعد لم يتحدد بعد، وتأجل بالتالي حصول القاهرة على شريحة جديدة من القرض قيمتها 1.2 مليار دولار.

اليوم تبدو عملية هندسة موازنات إنفاق الأسر في مصر أعقد من أي وقت مضى في عملية صعبة يمضي أصحابها على خيط رفيع في مسعى إلى الحفاظ على توازن إيراداتهم مع مستوى النفقات، لكن يأتي التضخم وممارسات التسعير المضطرب ليربكا تلك الهندسة وليجعلاها صعبة المنال.

اقرأ المزيد