أصدرت السلطات السعودية قانوناً يعد الأول من نوعه لمكافحة "التسول الرقمي" عبر منصات التواصل الاجتماعي، وعرفته في قرارها الوزاري بأنه "من يستجدي مال غيره دون مقابل عبر منصات التواصل أو في الواقع"، وتوعدت المخالفين بالسجن ستة أشهر أو غرامة تصل إلى 50 ألف ريال (أكثر من 13 ألف دولار أميركي).
ووفقاً للقرار الذي يبدأ تطبيقه بعد 3 أشهر، فإن عقوبة الجماعات المنظمة السجن سنة، وغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال (أكثر من 26 ألف دولار أميركي).
وبالنسبة إلى المتسولين غير السعوديين، فنصت المادة الخامسة على أن "الإبعاد عن البلاد سيكون مصير كل من امتهن التسول، أو حرض عليه من غير السعوديين، عدا زوجة السعودي، أو زوج السعودية، كما يمنع الشخص من دخول البلاد باستثناء أداء شعيرتي الحج أو العمرة".
وأوضحت المادة الأولى للقانون في فقرتها الخامسة، مفهوم التسول، كما نشرته جريدة "أم القرى" الرسمية، بأنه "مَن يستجدي للحصول على مال غيره دون مقابل أو بمقابل غير مقصود بذاته نقداً أو عيناً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الأماكن العامة أو المحال الخاصة، أو في وسائل التقنية والتواصل الحديثة، أو بأي وسيلة كانت".
كما أجيزت، بحسب النظام الجديد، "مضاعفة العقوبة في حالة العودة"، وذلك بما لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى المقرر لها، كما تصادر بحكم قضائي جميع الأموال النقدية والعينية التي حصل عليها المتسول من تسوله، أو التي من شأنها أن تستعمل فيه، فإن تعذر ضبط أي من تلك الأموال، حكمت المحكمة المختصة بغرامة تعادل قيمتها مع مراعاة حقوق "حسني النية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا شكل التسول كما ورد في المادة السابعة من القرار رقم 100، جريمة بموجب أنظمة أخرى، فتطبق العقوبة الأشد، على أن تتولى النيابة العامة التحقيق في المخالفات، وإقامة الدعوى أمام الجهة المختصة.
10 مواد للحد من الظاهرة
واشتعلت المنصات الاجتماعية بموجة كبرى من المتسولين، الذين لا يمكن التكهن بجنس وصدقية الحالة على نحو دقيق، وهو ما دعا الحكومة إلى إصدار قانون مكون من 10 مواد يجرم ممتهني التسول بكل أشكاله.
كما يدعو النظام إلى "دراسة الحالة الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية للمتسولين السعوديين"، إضافة إلى تقديم الخدمات إليهم بحسب احتياج كل حالة، وذلك وفقاً للأنظمة والقرارات ذات الصلة، وإرشادهم للاستفادة من الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية والأهلية والخيرية، ومتابعتهم من خلال الرعاية اللاحقة.
وتعتزم السلطات إصدار أمر حديث أيضاً خاص "بإنشاء قاعدة بيانات للمتسولين بالاشتراك مع وزارة الداخلية، وتسجيل كل حالة تسول يجري القبض عليها، وكذلك كل حالة تقدم لها الوزارة الخدمات المنصوص عليها في هذه المادة، وذلك لإثبات حالة امتهان التسول".
تطور يتوافق مع طبيعة العلاقات
من جانبه يرى المستشار القانوني السعودي عادل بن عبد المحسن البراهيم، أن القانون الحديث "تطور منطقي يتوافق مع طبيعة العلاقات الاجتماعية في الوقت الحاضر، الذي أصبح فيه الواقع الافتراضي الإلكتروني متصدراً للمشهد".
وقال البراهيم، "كان لا بد من إصدار قانون ينظم عملية تبادل الأموال بين الأفراد بشكل قانوني صحيح مبني على السبب والغاية والهدف المشروع من الركائز الأساسية لتحقيق المصلحة العامة".
ويفسر القانوني السعودي أن المقصود بعبارة، "غير مقصود بذاته نقداً أو عيناً"، بأن "أساس العلاقة التجارية الطبيعية هو (المعاوضة)، أي أن المال مقابل عوض مشروع، سواء كان منتجاً أو خدمة، لكن النظام الحديث ذكر أن المقابل (غير المقصود بذاته) يقصد به العوض غير الصحيح حتى وإن كان ظاهره منتجاً أو خدمة مشروعة أو قانونية".
ويضيف، "على سبيل المثال، تصور إعلاناً لجلب الأموال مقابل وعد أو هدية أو جائزة، لكن عند التدقيق في العلاقة المالية تجدها مجرد غطاء لعملية تجميع أموال لغرض التسول. فهنا وضع المنظم مادة قانونية تعنى بضبط هذه الحالة وإحالتها للتحقيق".
ماذا عن نظام فرجت وفواتير الكهرباء؟
وبحسب رؤية المستشار القانوني، فإن نظام "فرجت" المعروف في البلاد بأنه تطبيق مبتكر للإسهام في سداد مديونيات الذين يرزحون خلف القضبان، فإنه "لا يعد مخالفاً"، لأن المنظم وافق على إصداره لـ "غرض المصلحة العامة".
ويوضح البراهيم، "العكس بالنسبة إلى استجداءات سداد فواتير الكهرباء كما يحدث عبر منصات التواصل، فهي ليست لغرض النشر إطلاقاً وهي مخالفة، كما أوضح النظام الوسائل القانونية لمساعدة مثل هؤلاء، مثل الجمعيات الخيرية والجهات الرسمية الأخرى".
وحيال الفواتير أيضاً يقول البراهيم، "المنظم راعى هذه الحالة في الفقرة الثالثة من المادة الرابعة، حين دعا إلى إرشاد المتسولين السعوديين للاستفادة من الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية والأهلية والخيرية، ومتابعتهم من خلال الرعاية اللاحقة".
التسول الرقمي يغيب هوية الشخص
من جهتها، تعتبر دلال الحربي، التي تشغل منصب أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد في جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية، أن التسول الإلكتروني "واحد من أشكال التسول الحديثة التي تمكن المتسول أينما كان من التحايل، مستغلاً وجوده عبر الفضاء الإلكتروني، وهو أمر خطر جداً، بخاصة حين تغيب هوية المرء. فقد يكون إرهابياً. وهنا تكمن الخطورة من ناحية تهديد البلاد وأمنها".
ومن الأمور المشجعة على التسول الإلكتروني، تقول الحربي، "غالباً ما يحصل المتسول على دخل أعلى بكثير، مما لو اتخذ عملاً عضلياً أو عقلياً".
والتسول، كما تقول الحربي في ندوة أكاديمية خصصت لمناقشة هذه الظاهرة في البلاد، "يعد مشجعاً على الكسل وعلى انتشار الأمراض النفسية والانحراف الأخلاقي والأمني وترويج المخدرات تحت ستار التسول".