بدأ المشهد السياسي الليبي ينزلق إلى مرحلة الانقسام من جديد، متأثراً بتبعات قرار البرلمان في طبرق، سحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي اختار التصعيد داعياً إلى التظاهر ضد قرار مجلس النواب.
وألقى الدبيبة خطاباً على جموع المؤيدين له في ميدان الشهداء، وسط العاصمة طرابلس، سرد فيه أسباب اعتراضه على قرار سحب الثقة، معدداً ما اعتبره "إنجازات" ومنتقداً البرلمان والجيش في الشرق الليبي.
ولا يُعدّ الخلاف والتصعيد المستمر بين البرلمان والحكومة، النزاع الوحيد الذي يقلق الليبيين حالياً، قبل 90 يوماً من موعد الانتخابات العامة، بل يعتبر إضافةً جديدة إلى سلسلة الخلافات الأخيرة بين معسكري الشرق والغرب، الذي بدأ بتنازع مجلسَي النواب والدولة على امتلاك الشرعية والحق في إصدار القوانين الدستورية الحاكمة للعملية الانتخابية ومضامينها.
طرابلس تساند الدبيبة
لم تقتصر الشعارات في ميدان الشهداء على معارضة قرار حجب الثقة عن الحكومة، بل شملت شعارات أخرى تتعلق بالخلافات السياسية والقانونية التي اندلعت بين مجلس النواب وخصومه في العاصمة، مثل مجلس الدولة، إذ رُفعت لافتات تعترض على القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية التي أصدرها البرلمان أخيراً، وتطالب بالاستفتاء على الدستور قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع.
وفي كلمة له أمام حشد المتظاهرين في طرابلس، قال الدبيبة إن "الحكومة لم تسرق الأموال، بل صرفتها على أبناء هذا الوطن، ولن نترك أبناء شعبنا في هذا الوضع المأساوي".
واعتبر أن "خروج سكان طرابلس إلى ميدان الشهداء هو أقوى رسالة بأن ليبيا واحدة موحدة، وأنهم رافضون للانقسام".
وبيّن الدبيبة خطط حكومته في المرحلة المقبلة، بقوله "سنبني جيشاً قوياً موحداً ولاؤه لله والوطن، بعيداً من القبلية والجهوية، وستُمنح القروض السكنية وقروض التنمية لأبناء هذا الوطن قريباً، إلى جانب مساعينا في تفتيت المركزية من خلال إعطاء صلاحيات واسعة لكل البلديات، وحماية الشعب بتوفير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا".
وأشار إلى أن "الحكومة اختيرت بتوافق كبير، ونالت الثقة من خلال توحيد مجلس النواب بعد انقسام طويل، ولا يمكن أن نسمح بالعودة إلى الانقسام مرة أخرى، وشعارنا دائماً: لا للحروب ونعم للسلام والتنمية".
صالح يدافع عن البرلمان
ما إن أنهى الدبيبة خطابه، حتى سارع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح للظهور في حوار تلفزيوني، جدد فيه دفاعه عن الحيثيات الموضوعية والقانونية لسحب الثقة من الحكومة.
وقال إن "القرار جاء بهدف منع الحكومة من توقيع عقود طويلة الأجل مع الخارج"، مبيّناً أن "أعضاء المجلس أعربوا عن انزعاجهم من إبرام الحكومة عقوداً بالمليارات مع الخارج، ما يرتب على الدولة التزامات وديون".
وأشار إلى أنه "لا توجد أي قيود على عمل الحكومة في الداخل، وتستطيع ممارسة عملها للوصول إلى الانتخابات في ديسمبر (كانون الأول) المقبل".
وعلق رئيس مجلس النواب على التظاهرات المعارضة لقرار حجب الثقة عن الحكومة، قائلاً "التظاهر حق دستوري ومشروع للجميع، ومن حق الليبيين أن يتظاهروا في أي مكان بالبلاد، وثقتي كبيرة في ذكاء الليبيين، وأعلم أنهم لن يتخلوا عن تنظيم الانتخابات في موعدها".
لا حل مع مجلس الدولة
وتطرق صالح إلى خلافات البرلمان مع مجلس الدولة في طرابلس، كاشفاً "عدم وصول اللجان المتحاورة من الطرفين إلى أي حلول بخصوص القاعدة الدستورية والقانونية".
وأشار إلى أن "البرلمان اتفق مع مجلس الدولة على المناصب السيادية، وأرسل له الملفات ذات الشأن، إلا أن مجلس الدولة لم يتجاوب مع مراسلات النواب".
وأعلن صالح أن "مجلس النواب شكّل لجنة قانونية لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية، ويسعى في جلسته المقبلة أو التي تليها، إلى إصدار قانون انتخاب البرلمان".
وخلص إلى أن "حل الأزمة الليبية يكمن في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأن من يعتقد أن لديه شعبية فليقدم نفسه لصندوق الاقتراع".
الرئاسي يدعو إلى تغليب المصلحة العامة
في المقابل، دعا المجلس الرئاسي إلى التهدئة بين مجلس النواب والحكومة، مناشداً جميع الأطراف تغليب المصلحة العامة. كما حض السلطة التشريعية "على تحمل مسؤولياتها الوطنية والقانونية، في إنجاز التشريعات المطلوبة لإتمام العملية الانتخابية".
وأفاد نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي في بيان بأن "أولويات المرحلة تتمثل في سلامة سير العملية السياسية، وفق خريطة الطريق المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي"، مشيراً إلى أن "الليبيين يرفضون المزيد من العمل الارتجالي والفوضى السياسية وإطالة المراحل الانتقالية التي لن تخدم مصلحة البلاد".
ضبط المشهد السياسي
وفي تعليق له على الأزمة بين مجلس النواب والحكومة، حذّر الباحث السياسي والعضو السابق في ملتقى الحوار في "اتفاق الصخيرات" فضيل الأمين من نتائج الانفلات الحالي في المشهد الليبي، وما اعتبره رغبة بـ"الانقلاب على البرلمان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال، "أخشى أن سيناريو 2014، عندما قام ما يُسمّى بتحالف فجر ليبيا بانقلاب استباقي على نتائج الانتخابات، يعود من جديد بشكل أكثر تنميقاً".
وشدد على أن "مجلس النواب يجب أن ينتهي، وكذلك مجلس الدولة وكل الأشكال الانتقالية"، مؤكداً على "ضرورة إعادة ضبط المشهد السياسي قبل فوات الأوان".
في المقابل، اعتبر الصحافي عمر فضل الله أن "الحشد الكبير الذي خرج في طرابلس هو أكبر دليل على أن البرلمان منتهٍ شعبياً".
وقال إن "هذا البرلمان مدته القانونية كانت 18 شهراً، لكنه جثم على صدور الليبيين أكثر من سبعة أعوام".
معركة بلا منتصر
من جانبها، ترى الناشطة السياسية عائشة بن عصمان أن "المعركة الحالية بين البرلمان والحكومة لن تفضي إلى انتصار أحدهما على الآخر، وستدفع البلاد إلى أزمة جديدة لا أكثر".
وقالت "لا تظاهرات الدبيبة وحلفاؤه تستطيع إسقاط عقيلة والبرلمان في برقة، ولا عقيلة وحلفاؤه يستطيعون إسقاط حكومة في طرابلس، لأن كل طرف لا يتعدى سلطانه حدود إقليمه".
وشددت على أن "المؤسسة العسكرية والأمنية التي تستطيع وضع حد لهذه المهزلة والفوضى، ضعيفة ومنقسمة، وإذا بقيت كذلك، فلن يتغير المشهد حتى لو أُجريت الانتخابات، لأن الصراع الحقيقي سيبدأ بعد الانتخابات وإعلان اسم الفائز فيها".