تتعهد سيدة أعمال أفغانية توظف مئات النساء في حقول الزعفران بالدفاع عن حقوق العاملات لديها، و"عدم التزام الصمت" في ظل حكم "طالبان".
وتستبعد الحركة المتشددة بشكل متزايد النساء من الحياة العامة منذ أن استولت على السلطة في منتصف أغسطس (آب)، ما دفع عديداً من صاحبات المشاريع إلى الفرار من البلاد أو التواري عن الأنظار.
ويخشى كثيرون من معاودة الحركة اتباع نهج حكمها السابق من عام 1996 حتى 2001 عندما كانت تحظر على النساء ارتياد المدارس أو العمل، ولم يسمح لهن بمغادرة منازلهن إلا بصحبة أحد أقاربهن الذكور.
"لن نمكث في المنازل"
وتقول شفيقة عطائي، التي أسست شركتها للزعفران في مدينة هرات (غرب) عام 2007، "سنرفع أصواتنا حتى تصل إلى مسامعهم". وتضيف، "لن نمكث في المنازل مهما حدث. بذلنا جهوداً كبيرة".
وتقوم "شركة زعفران بشتون زرغون للنساء" التي أسستها عطائي بإنتاج وتعليب وتصدير نوع التوابل الأغلى ثمناً في العالم، مستخدمة يداً عاملة تكاد تقتصر بالكامل على النساء.
وتقطف أكثر من ألف امرأة الزعفران ذا اللون الزاهي في أراضي الشركة الممتدة على 25 هكتاراً في منطقة بشتون زرغون في ولاية هرات المحاذية لإيران.
وهناك 55 هكتاراً آخر مملوكة لجهات مستقلة، وتديرها جمعية أسستها عطائي للنساء العاملات في قطف الزعفران، والممَثلة من قبل قادة نقابات.
وأشارت عطائي إلى أن توظيف النساء يتيح لهن إعالة عائلاتهن وإرسال أطفالهن إلى المدارس وشراء الملابس، وغيرها من الأساسيات.
وقالت سيدة الأعمال البالغة 40 عاماً، "عملت جاهدةً لتأسيس شركتي. لا نريد أن نجلس بصمت ويتم تجاهلنا. حتى وإن تجاهلونا، لن نصمت".
وشجعت الحكومة السابقة المدعومة من الغرب، والتي أطاحتها حركة "طالبان"، على زراعة الزعفران المستخدم في مختلف الأطباق من "البرياني"، وصولاً إلى "البايلا"، في مسعى لإبعاد المزارعين عن زراعة الخشخاش التي تشكل قطاعاً ضخماً في أفغانستان.
لكن، لا تزال أفغانستان أكبر بلد منتج للأفيون والهيروين، إذ توفر ما بين 80 و90 في المئة من الإنتاج العالمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال فترة حكمها السابقة، قامت "طالبان" التي استخدمت بيع الأفيون لتمويل تمردها، بتدمير الجزء الأكبر من هذه المزروعات، مؤكدة سعيها لاستئصالها، على الرغم من أن معارضيها أشاروا إلى أن الهدف الحقيقي كان رفع أسعار مخزوناتها الضخمة منها.
وازدهرت زراعة الخشخاش مجدداً في السنوات الأخيرة مع ازدياد الفقر وعدم الاستقرار. وتفيد الأمم المتحدة بأن مساحات إنتاجها في أفغانستان باتت حالياً أكبر بنحو أربع مرات مما كانت عليه في 2002.
أغلى نوع توابل في العالم
وتنتج ولاية هرات الجزء الأكبر من الزعفران الأفغاني. ويعد الزعفران أغلى نوع توابل في العالم، إذ يصل سعره إلى أكثر من 5000 دولار للكيلوغرام. وتنتج شركة عطائي ما بين 200 و500 كيلوغرام في السنة.
واستخدمت مدقة الزهرة حول العالم على مدى قرون في الطهي والعطور والأدوية والشاي وحتى كمنشط جنسي. ونظراً لارتفاع سعرها، أطلق عليها "الذهب الأحمر" في أوساط الأشخاص الذين يعتمدون على زراعتها.
وتنمو زهور الزعفران البنفسجية تحت الشمس الحارقة، وتحصد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) على أيدي عمال معظمهم نساء في العقد الخامس أو السادس من العمر يبدأن القطاف فجراً قبل أن تذبل النبتة مع مرور اليوم.
وينزع العمال بعد ذلك الأوراق البنفسجية الرقيقة والمياسم الحمراء الفاقعة والأسدية الصفراء الباهتة، في عملية منهكة تتطلب الكثير من التركيز والمهارة.
ولا تشعر عطائي بالقلق على مستقبل تجارتها فحسب، بل كذلك على النساء في أنحاء أفغانستان اللاتي يعشن حالة غموض حيال الوظائف والتعليم وتمثيلهن في الحكومة.
وقالت، "بما أن حكومة الإمارة الإسلامية تتولى السلطة الآن، نشعر بقلق بالغ من احتمال منعنا من العمل".
وأضافت، "لم يعطوا الفتيات الإذن للعودة إلى المدارس والجامعات، ولم يمنحوا أي امرأة منصباً في الحكومة، أشعر بالقلق مما قد يحدث".
وأردفت، "لا أفكر بنفسي فقط، أفكر بكل أولئك الأشخاص الذين تساعدهم هذه الشركة في كسب عيشهم"، مشيرة إلى أن بعض موظفاتها يتولين وحدهن مهمة إعالة أسرهن.
وقالت، "أشعر بالقلق من ذهاب 20 عاماً من عمل هؤلاء النساء الشاق هدراً".
سيدات أعمال
وفي السنوات الـ20 بين إطاحة قوات بقيادة واشنطن حكم "طالبان" عام 2001 وعودة الإسلاميين إلى السلطة، باتت العديد من النساء سيدات أعمال، وبخاصة في مدن مثل هرات.
وشهدت المدينة التي لطالما كانت مركزاً تجارياً قرب حدود إيران وتركمانستان فرار عديد من سيدات الأعمال في الشهور الأخيرة.
وأفاد رئيس غرفة التجارة في المدينة يونس قاضي زادة وكالة الصحافة الفرنسية بأنه يأمل في أن تقوم "طالبان" بإعلان رسمي توضح من خلاله أنه "يمكن للنساء العودة ومزاولة نشاطاتهن التجارية في ظل هذه الحكومة أيضاً".
لكن، حتى الآن، يبدو مصير شركات كتلك التي تديرها عطائي، معلقاً. وأفاد قاضي زادة، "نأمل في أن نطلق أعمال النساء التجارية مجدداً في بلدنا".
بدورها، أكدت عطائي أنها ستبقى في الوقت الراهن في بلدها لأنها متشبثة "بشيء من الأمل" بأن تتمكن شركتها من الصمود.
وقبل الانسحاب الأميركي تم إجلاء 124 ألف شخص تقريباً من مطار كابول.
وأكدت عطائي، "كان بإمكاني المغادرة أيضاً. لكنني لم أغادر، لأن كل هذا العمل الشاق والجهد الذي بذلناه يجب ألا يذهب سدى".
وأضافت، "لا أعتقد أنهم سيمنعون عملنا"، في إشارة إلى "طالبان". وقالت، "نحن شركة تدار بالكامل من قبل النساء، وتوظف نساءً، لا يوجد رجل يملك ما يكفي من الشجاعة لوقف ذلك. لا يمكن تهميش امرأة حرثت حقولها طوال اليوم".