هل يجب على الحكومة أن تطلب من الجيش المساعدة في تسليم الوقود؟ حسناً، إذا لم تفعل أتخيل أن بضعة شجارات إضافية على الديزل ستحصل عند المضخات. والأهم أن الحكومة ستواجه رد فعل عنيف سياسياً، وربما حتى بعضاً من إعادة التفكير في بريكست. فعاجلاً أو آجلاً، سيفرغ خزان الوقود في مركبة إسعاف أو إطفاء، وستكون العواقب وخيمة. ماذا سيحصل لو برزت مشكلات في تسليمات الوقود إلى المنازل الريفية؟ والمطارات؟ والنقل المشترك؟ والتسليمات إلى محال السوبرماركت؟ بحق السماء، قد تنفد الحماسة لدى (رئيس الوزراء البريطاني) بوريس جونسون، ولن تنتهي تداعيات ذلك كله.
قد تهدأ الأمور خلال بضعة أيام، لكننا لا نستطيع حقاً أن ننتظر بضعة أيام كي يصل، مثلاً، البناؤون إلى مواقع البناء، أو المدرسون إلى المدارس، أو الممرضون الذين يقدمون خدمات منزلية إلى مرضاهم. إذ تعمل البلاد على إيقاع النقل، لحظة بلحظة. وتدعو الحاجة الآن إلى سائقين.
استطراداً، تتمثل المشكلة مع الجيش في أن عدد أفراده قد لا يكون كافياً، ويجب نشرهم، بطريقة ما، في المواقع الصحيحة وفي الأوقات الصحيحة، مع ملاحظة أن قيادة صهريج بنزين تتطلب تدريباً خاصاً. ولأن كل شيء تقريباً يعتمد على النقل البري، تزحف تداعيات النواقص إلى كل زاوية من زوايا الحياة. وتتلخص وظيفة الحكومة في التعامل مع تلك الأنواع من المشكلات، وليس مجرد إلقاء اللوم على الآخرين. وإذا لم تستطع إصلاح الأمور، فما من مبرر كبير لبقائها.
سيكون تشغيل الجنود الأدنى رتبة في قيادة الصهاريج أسرع بكثير من محاولة إعادة سائقي الصهاريج المتقاعدين إلى العمل. ففي نهاية المطاف، ثمة سبب لتقاعد هؤلاء، وبعض الذين توقفوا عن العمل في وقت كان لا يزال في مقدور المرء الحصول على هدايا في مقابل تسوقه من متجر معين، قد لا يتمكنون من القيام بواجبهم الوطني التطوعي حتى لو رغبوا في ذلك. ويبدو أن الملازم إيان دنكن سميث (السياسي المحافظ المخضرم) لا يزال يحتفظ برخصته في قيادة المركبات الثقيلة للبضائع التي حصل عليها أيام خدمته في الجيش، لذلك سيكون في موقع متقدم في قيادة فريق المتطوعين. وسيكون أمراً ممتعاً رؤيته يتولى مسؤولية شحنة من المواد ذات القابلية الشديدة للاشتعال.
وعلى نحو مماثل، سيستغرق إقناع العاملين من الاتحاد الأوروبي بالعودة إلى بريطانيا لأشهر قليلة، وقتاً أطول حتى [من تدريب الجنود أو استدعاء السائقين المتقاعدين]. إذ سيظل عليهم الحصول على تأشيرة والعثور على أماكن يقيمون فيها. ففي نهاية المطاف، لم تعد لدينا حرية الحركة. وسيستغرق تنسيب السائقين وتدريبهم أشهراً وسيكون مكلفاً. وقد يستمر نشر الجيش فترة أطول مما قد يأمل فيه أحد. في المقابل، إن الجنود معتادون على ذلك.
على من يقع اللوم؟ ممارسو الشراء المذعور؟ لا. لا شيء من هذا القبيل. ما يحصل يشكل نسخة كلاسيكية من نظرية الألعاب (تحليل يستخدم معادلات الرياضيات في مقاربة تضارب المصالح). ويعني ذلك أنه لا يوجد شيء يتسم بالذعر أو يخلو من العقلانية، إذا عرف المرء أن الآخرين جميعاً يسارعون في الخروج من منازلهم لشراء شيء، ثم فعل الشيء نفسه في أسرع وقت ممكن. يتمثل الأمر غير المنطقي في عدم الإتيان بأي خطوة. وأنا أفخر تماماً بأنني قصدت أقرب محطة للبنزين فور بدء الإشاعات بالانتشار. ويتجسد الأمر الوحيد الذي أندم عليه في أنني مارست بعضاً من ضبط النفس، ولم أملأ خزان سيارتي تماماً. والآن، أريد مزيداً من الوقود.
ماذا عن وسائل الإعلام؟ قطعاً لا. حين تنفد المخزونات في محطات البنزين تنتشر الأخبار بسرعة، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي من المرجح أن تتعامل مع الأمر في شكل أسوأ [بالمقارنة مع وسائل الإعلام]. إن ما يجري حقيقة، والناس في حاجة إلى أن تعرف. وعلى وسائل الإعلام نقل الحقيقة حول ما يجري. لا يقع الذنب على وسائل الإعلام في شأن وجود نقص في سائقي الصهاريج والمركبات الثقيلة للبضائع. ولو رفضت وسائل الإعلام أن تورد تقارير عن ذلك، سيظل النقص في السائقين موجوداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ماذا عن "كوفيد"؟ هذا منطقي أكثر لأن الاختبارات المخصصة لسائقي المركبات الثقيلة للبضائع أُلغيت بسببه، وشهدت تدريباتهم كثيراً من التعطل. ماذا عن بريكست؟ هذا منطقي أيضاً. الشيء الإيجابي الذي قد يرد بشأن حرية تنقل العمالة يأتي من أنها تأخذ النواقص في الاعتبار. إذ يمكن معالجة الفوائض في العمالة في مهن مختلفة في بلدان مختلفة بسلاسة نسبية، من خلال قوى السوق في منطقة واسعة. والآن لدينا نظام في إصدار التأشيرات مستند إلى احتساب النقاط، يتسم بأنه عشوائي ومرهق ويتغاضى عن كون المملكة المتحدة اقتصاداً ديناميكياً كبيراً. ولا تستطيع البيروقراطية أن تلبي متطلباته المتغيرة على صعيد العمالة.
إذاً، في الأساس، من الواضح أن المشكلة تتأتى من نقص في العمالة في مهن معينة. ولا نستطيع حلها من خلال ادعاء وسائل الإعلام بأنها غير موجودة. ونستطيع التعامل مع النواقص في تلك المجالات كلها التي تشمل الضيافة والرعاية الاجتماعية والنقل البري، من خلال السماح بمستويات الأجور بالارتفاع في تلك المجالات، في المقابل، قد يتسبب ذلك بنواقص جديدة في مجالات أخرى، وقد لا يتسبب بعودة العدد الكبير المتوقع من الناس إلى سوق العمل. بالتالي، يكون الإمداد الخاص بالداخلين الجدد إلى سوق العمل صغير جداً، في غياب الهجرة. وهكذا، سيكون الاقتصاد أصغر بالمقارنة مع خلاف ذلك [أي حالة وجود إمدادات كافية]، وسيزيد ما تدفعه الشركات إلى العمالة في مقابل كل وحدة منتجة، وستتراجع الأرباح.
من الجيد جداً الاحتفال بزيادات في الأجور لمن يستحقونها، لكنها لا تصنع اقتصاداً له تكاليف مناسبة. ففي نهاية المطاف ستعني الأجور الأعلى أسعاراً أعلى واستثماراً أقل، بالتالي إنتاجية أقل ورواتب حقيقة أقل في الأجل المتوسط. وفي الأجل البعيد ستعني مزيداً من الأتمتة [بمعنى الاعتماد على النُظُم الرقمية والروبوت] بدلاً من مزيد من الوظائف. وقد تطلق دوامة تضخمية في مجال العلاقة بين الأجور والأسعار، وتجبر "بنك إنجلترا" على رفع معدلات الفائدة وأقساط الرهون العقارية.
سيكون على أشخاص ما في مكان ما أن يدفعوا ثمن الزيادات في الأجور. إنه ثمن بريكست والنفور البريطاني من الهجرة الاقتصادية الواردة. وقد نكون أسعد وفق تلك الشروط، لكننا سنكون أفقر معها.
إذاً، يتبدى الحل الآخر لمشكلة النقص في العاملين في زيادة الإمداد من العاملين. في المقابل، لا تُحَل المشكلة بإصدار خمسة آلاف تأشيرة في مواجهة نقص في الأجل البعيد يساوي مئة ألف سائق. بالأحرى، يتمثّل الحل في تسهيل قواعد الهجرة، ليس من الاتحاد الأوروبي وحده، والاستفادة من الأشخاص التواقين إلى المجيء إلى بريطانيا والعيش فيها. إنه أمر واضح اقتصادياً لكنه بغيض سياسياً. ثمة من يرى أن في مقدورنا الحصول على سائقين من أوكرانيا أو جنوب أفريقيا، إلى جانب بولندا أو رومانيا، وأستطيع تصديق ذلك. لكن، هل هذا ما رغب فيه البريطانيون حين صوتوا لمصلحة بريكست؟
© The Independent