وسط منطقة صحراوية قاحلة قرب الحدود مع الأردن، يجد آخر النازحين السوريين في مخيم الركبان أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر: الرحيل إلى مناطق سيطرة النظام والمخاطرة بالتعرض للاعتقال وربما الاختفاء القسري، أو "الموت البطيء" وسط ظروف معيشية قاهرة.
على مر السنوات الماضية، خرج عشرات الآلاف من المخيم هرباً من الوضع المعيشي الصعب، وتوجه غالبيتهم إلى مناطق سيطرة قوات النظام. وقع المنشقون أو المقاتلون المعارضون السابقون منهم اتفاقات تسوية يفترض أنها تحميهم من الملاحقة الأمنية.
وبعدما غادر بضع مئات عام 2019 عبر الأمم المتحدة، بدأت الأخيرة في سبتمبر (أيلول) دعم خطة لمغادرة الراغبين، ما أثار انتقاد منظمات حقوقية عدة أبرزها منظمة العفو الدولية، معتبرة أن من شأن ذلك أن يعرض المغادرين "لانتهاكات" في مناطق سيطرة النظام.
المساعدات مفقودة
ويقول عسكري منشق عن النظام فضل عدم الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية، "نحن عالقون بين نارين، إذا دخلنا سوريا (مناطق سيطرة النظام) سنكون هالكين، وإذا بقينا في المخيم سنعيش كمن يموت ببطء".
ويوضح، "المخيم معدوم الخدمات... نعيش في صحراء قد نموت فيها من الجوع أو المرض"، فيما لم تدخل الأمم المتحدة أي مساعدات إنسانية إلى الركبان منذ عام 2019، وما من منظمات أخرى عاملة فيه. وتحتاج الأمم المتحدة لموافقة النظام السوري لإدخال المساعدات.
ويؤوي المخيم الذي تأسس عام 2014 ويقع في منطقة حدودية فاصلة بين سوريا والأردن، نحو عشرة آلاف نازح حالياً، من نحو 40 ألفاً كانوا يقطنوه قبل سنوات، وقد وفدوا إليه تباعاً هاربين من المعارك على جبهات عدة في طريقهم إلى الأردن. لكنهم وجدوا أنفسهم عالقين قرب الحدود.
ويقع المخيم ضمن منطقة أمنية بقطر 55 كيلومتراً أقامها التحالف الدولي بقيادة واشنطن وأنشأ فيها قاعدة التنف العسكرية. وينتشر في المنطقة مسلحون معارضون تدعمهم واشنطن.
محاصرون في الصحراء
وبدأت أوضاع العالقين في المخيم بالتدهور خصوصاً منذ إعلان الأردن منتصف 2016 حدوده مع سوريا والعراق منطقة عسكرية مغلقة. وزاد الوضع سوءاً مع تفشي وباء كوفيد-19 وإغلاق الأردن حدوده تماماً.
ويقول رئيس المجلس المحلي للمخيم محمد درباس الخالدي، لوكالة الصحافة الفرنسية، "منذ عام 2016 ونحن محاصرون في الصحراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقتصر الخدمات الطبية على مستوصف وممرضين يقدمون إسعافات أولية بغياب أطباء أو جراحين، على حد قوله. أما "خيم التعليم فمهترئة والغرف المبنية من تراب بحاجة إلى ترميم".
ويعتمد سكان المخيم بشكل أساسي على طرق التهريب لإحضار بضائع تُباع بأسعار مرتفعة تفوق قدرة معظمهم. واضطر كثر إلى بيع ممتلكاتهم من سيارات أو مزارع أو عقارات لتأمين الأموال، وفق الخالدي، بينما يعتمد بعضهم على أموال يرسلها أقاربهم بين الحين والآخر.
وبعدما غادر الآلاف على مر السنوات هرباً من الظروف المعيشية الصعبة، فتحت دمشق في فبراير (شباط) 2019، باب العودة أمام الراغبين. وتم تنظيم عمليات نقلهم إلى مراكز إيواء.
وأحصت الأمم المتحدة منذ مارس (آذار) 2019 مغادرة 20106 أشخاص "طوعاً" إلى مراكز إيواء في حمص (وسط)، ووفرت مع الهلال الأحمر السوري الدعم لنقل 329 شخصاً منهم، فيما غادر الباقون بطرقهم الخاصة.
وأدخلت الأمم المتحدة في 11 سبتمر قافلة مؤلفة من خمس شاحنات "لدعم العائلات التي تسجلت طوعاً لمغادرة الركبان"، لكن بضعة أشخاص تصدوا للقافلة ومنعوها من إتمام مهمتها.
لا ضمانات
وتوضح المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الخاص بسوريا، دانييل مويلان، "تركز الأمم المتحدة على إيجاد حلول مستدامة وآمنة وكريمة لسكان الركبان".
وتلفت إلى أن الهدف من دعم القافلة كان "مساعدة من تسجلوا طوعاً لطلب المساعدة من أجل مغادرة الركبان".
وبحسب خطة سلمتها إلى المجلس المحلي في المخيم واطلعت وكالة الصحافة الفرنسية على نسخة منها، من المفترض أن تدعم الأمم المتحدة على مدى ثلاثة أشهر عمليات نقل الراغبين من الركبان إلى مراكز إيواء في حمص، حيث يمضون 14 يوماً كفترة حجر صحي، ثم يغادرون "بعد الحصول على الموافقة من السلطات".
لكن السؤال الذي يطرحه نازحون وحقوقيون هو من يضمن أمن المغادرين وعدم تعرضهم للاعتقال أو ملاحقة أمنية؟ تجيب الأمم المتحدة وفق نص الخطة، "تقع مسؤولية أمن وسلامة الأفراد" على عاتق النظام السوري.
ويتهم الخالدي "الأمم المتحدة في دمشق (بأنها) متواطئة وليست إلا شركة شحن لصالح النظام"، مستغرباً إرسال شاحنات لنقل مواطنين "من دون أي ضمانات" خصوصاً أمنية.
ويخشى كثر من سكان المخيم، على غرار العسكري المنشق، من تعرضهم في حال مغادرتهم لملاحقة من السلطات أو إجبارهم على العودة إلى الخدمة العسكرية. ويفضلون إجلاءهم إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا.
خطر الاعتقال والتعذيب
ودعت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة إلى وقف خطط نقل النازحين من الركبان، كونها "تعرض العائدين لخطر الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك العنف الجنسي".
ووثقت المنظمة في تقرير الشهر الحالي "انتهاكات مروعة" ارتكبتها قوات الأمن بحق 66 لاجئاً بينهم 13 طفلاً عادوا إلى سوريا منذ عام 2017، من دول عدة كما من مخيم الركبان.
وتقول الباحثة حول حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة ماري فوريستيه، إن تحقيقات المنظمة أظهرت أن النظام السوري يعتبر سكان الركبان "إرهابيين كما أنه يستهدفهم بعد عودتهم عبر الاعتقال التعسفي، التعذيب وفي بعض الحالات الاختفاء القسري".
وتضيف، "نظراً للوضع السيئ جداً من ناحية عدم توفر الرعاية الصحية أو التعليم والشح في الغذاء والمياه النظيفة، تعتبر منظمة العفو الدولية أن سكان مخيم الركبان لا يستطيعون اتخاذ خيار حر بالعودة إلى سوريا... وهذا القرار لا يمكن أن يُعتبر طوعياً".