التف حول رئيس التونسي، قيس سعيد، إثر الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في 25 يوليو (تموز) 2021، أغلب التونسيين، بعد أن تعمقت الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بخاصة الصحية إثر تكدس مئات المرضى في المستشفيات، وتنامي عدد الوفيات يومياً جراء الإصابة بفيروس كورونا وسط تسجيل نقص حاد في الأوكسجين وفي ظل غياب اللقاحات.
وقدرت مؤسسة "أمرود كونسيلتينغ" المتخصصة في استطلاعات الرأي، في الأيام الأولى التي تلت الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية، نسبة المؤيدين لقرارات قيس سعيد، بتجميد البرلمان وإعفاء الحكومة، بنحو 90 في المئة.
اليوم، وبعد مرور أكثر من شهرين على تلك الإجراءات الاستثنائية، هل خف منسوب الحماسة إزاء تلك الإجراءات؟ ومن بقي من الأحزاب الداعمة لرئيس الجمهورية؟
تعزيز الثقة
أستاذ القانون، النائب السابق في المجلس الوطني التأسيسي، رابح الخرايفي، أكد في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن منسوب الثقة كان عالياً جداً، بخاصة أن العدد الكبير ممن خرجوا للاحتجاج يوم 25 يوليو 2021، كان مطلبهم إبعاد حركة "النهضة" (لذلك استهدفوا بعض مقراتها) وحل البرلمان واستقالة الحكومة.
وأضاف النائب السابق، قائلاً "اليوم، وبعد أن تحققت مطالبهم ينتظر التونسيون المزيد في المسار نفسه، إلا أن البطء في الإعلان عن رئيس الحكومة وحالة الشك التي انتابت عدداً من التونسيين جعلا منسوب الحماسة يتراجع، إلا أنه ما زال متوهجاً، بخاصة بعد أن كسب خصوم قيس سعيد بعض الوقت، لاسترجاع أنفاسهم، إلا أنهم قوبلوا بالرفض من فئات واسعة من التونسيين".
وأشار الخرايفي إلى أن "عدم توضيح الرؤية، ووضع خارطة طريق للمستقبل، قد يسهم في تراجع منسوب الدعم لقيس سعيد"، والمطلوب هو توضيح المسار الذي ستتخذه تونس مستقبلاً، داعياً اللجنة التي وضعها رئيس الجمهورية، إلى تقديم ملامح الخطوات المقبلة، في علاقة بالدستور، والقانون الانتخابي، وإمكانية إجراء انتخابات سابقة لأوانها أو تنظيم استفتاء، قائلاً "عندها سيعود منسوب الثقة في إجراءات قيس سعيد الاستثنائية إلى مستويات عالية".
وشدد أستاذ القانون على أن خطوة الإعلان عن تعيين رئيسة للحكومة أعادت الثقة إلى الدولة التونسية مع شركائها، وأرسلت إشارات إيجابية في الداخل والخارج، مؤكداً أن اتخاذ القرارات في موعدها ومن دون ضغوطات، هو أمر إيجابي، إلا أن التأخير اللافت هو ما يبعث على الحيرة، ومؤكداً أن الدولة لا تحتمل مزيداً من الفراغ.
"التيار الديمقراطي" يراجع مواقفه
في غضون ذلك، راجع بعض الأحزاب مواقفه من إجراءات قيس سعيد الاستثنائية، على غرار "التيار الديمقراطي" الذي كان الداعم الأبرز له قبل 25 يوليو 2021، وقد دعا أمينه العام السابق، محمد عبو، في ديسمبر (كانون الأول) 2020، رئيس الجمهورية إلى حل البرلمان، ووضع عدد من الشخصيات السياسية تحت الإقامة الجبرية، ونشر الجيش، وذلك إثر تدهور الوضع السياسي، وتنامي التشنج تحت قبة البرلمان الذي وصل إلى حد تبادل العنف بين النواب.
وإثر اتخاذ سعيد القرارات الاستثنائية، أعرب "التيار الديمقراطي" في البداية، في بيان له، عن تفهمه الإجراءات، داعياً إياه إلى تقديم خارطة طريق تضمن العودة إلى الوضعية الدستورية الاعتيادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في 23 سبتمبر (أيلول) الحالي، انضم "التيار الديمقراطي" إلى ثلاثة أحزاب أخرى وهي: "الجمهوري"، و"التكتل من أجل العمل والحريات"، و"آفاق تونس"، ليعلنوا في بيان مشترك، أن الرئيس قيس سعيد فقد شرعيته، ودعت تلك الأحزاب إلى مواجهة ما قالت إنه "انقلاب على الدستور"، إثر إعلان سعيد استحواذه على السلطات التشريعية والتنفيذية.
"النهضة" تناور
من جهتها، حاولت حركة النهضة "مغازلة" الرئيس سعيد، من خلال سلسلة من البيانات، دعت فيها إلى حوار وطني شامل، وتكريس مبدأ التشاركية في بناء مشهد جديد، يحقق الاستقرار السياسي، من دون أن تجد دعواتها صدى لدى رئيس الجمهورية، الذي صرح في عدة مناسبات بأن "لا عودة إلى الوراء".
ودعت الحركة في آخر بيان لها "كل الأطراف الرافضة لتمشي الانفراد بالحكم، والانقلاب على الدستور، والاستحواذ على السلطة، والتعسف في استعمالها، إلى تنسيق الجهود، في التصدي السلمي والمدني لهذا التمشي، المنذِر بإنهاء المسار الديمقراطي".
ومن جانبه، حذر الاتحاد العام التونسي للشغل، (أكبر منظمة نقابية) في بيان، من مخاطر حصر السلطات في يد الرئيس، معتبراً احتكاره تعديل الدستور والقانون الانتخابي "خطراً على الديمقراطية".
وشددت المنظمة النقابية على أن تعديل الدستور والقانون الانتخابي شأن "يخص جميع مكونات المجتمع من هياكل الدولة، ومنظمات وجمعيات وأحزاب وشخصيات وطنية".
"حركة الشعب" الداعم الأبرز
في المقابل، تراوحت مواقف مساندي قرارات سعيد بين المساندة المطلقة على غرار حركتي "الشعب" و"تونس إلى الأمام"، والمساندة النقدية أو المشروطة، على غرار "الدستوري الحر".
وأكد بدر الدين القمودي النائب المجمد عن "حركة الشعب"، في تصريح خاص، أن "الحركة تدعم رئيس الجمهورية، لأنه في تقديرها شخصية وطنية مشهود له بنظافة اليد، وله إرادة قوية لتحسين وضع البلاد".
وقال "لمسنا فيه إرادة سياسية لإنقاذ البلاد، إضافة إلى إرادته الصادقة في مكافحة الفساد"، معرباً عن أمله في أن تتم ترجمة ذلك في قادم الأيام، في شكل إنجازات ملموسة يعيشها المواطن التونسي عن قرب.
منسوب الثقة لا يقاس بعدد الأحزاب
واعتبر القمودي خيارات سعيد خيارات وطنية شعبية، نابعة من إرادة الشعب.
وفي إجابته عن سؤال حول إمكانية المساس بالحريات، أكد النائب عن حركة الشعب"، "أنه لا توجد مؤشرات على ذلك، بدليل أن مختلف الفرقاء السياسيين يعبرون عن مواقفهم بكل حرية"، لافتاً إلى أن قوات الأمن تحمي المتظاهرين مهما كانت ألوانهم السياسية.
وأكد القمودي أن منسوب الثقة في خيارات رئيس الجمهورية لا يُقاس بعدد الأحزاب المساندة له، بقدر ما يقاس بحجم التأييد الشعبي لتلك الخيارات.
خطوة ضرورية
كما أصدر التيار الشعبي التونسي بياناً اعتبر فيه أن التدابير الاستثنائية المعلنة من قبل رئيس الجمهورية "خطوة ضرورية لاستكمال المهام الوطنية التي نادى بها الشعب، وهي الخيار الوحيد المتاح لمنع العودة إلى الوراء"، داعياً إلى "ضرورة التعجيل بتشكيل حكومة وطنية مصغرة، تتولى عملية الإنقاذ الاقتصادي، بناء على إجراءات سيادية".
"الدستوري الحر" مهد الطريق
ومن جهتها، اعتبرت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، أن حزبها مهد الطريق لرئيس الجمهورية لاتخاذ قرار تجميد البرلمان.
وكان "الدستوري الحر" أعلن في بلاغ أنه وضع تواقيع نواب الكتلة على ذمة رئاسة الجمهورية لتسهيل أي آلية دستورية لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة في الآجال القانونية.
وأوضحت رئيسة الحزب أن حزبها يساند قرارات سعيد، غير أنه يختلف مع رئيس الدولة في الآليات التي يجب المضي فيها.