مثّلت المسيرات المساندة للرئيس التونسي قيس سعيد، في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة وفي عدد من ولايات الجمهورية مؤشراً إلى حجم الدعم الشعبي الذي يلقاه، وهو ما يعكس عمق الأزمة التي تسببت فيها المنظومة السياسية منذ ما قبل 25 يوليو (تموز) 2021، وذلك على الرغم من غموض المسار الذي ستمضي فيه البلاد مستقبلاً، في ظل غياب خريطة طريق توضّح الخطوات المقبلة سياسياً واقتصادياً وسط أزمة مالية خانقة تعيشها تونس.
لا خيار إلا الحوار
خروج الآلاف من داعمي سعيد يوم الأحد 3 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ورفعهم شعارات تطالب بالمحاسبة وعدم الرجوع إلى الوراء، يعني أن منظومة ما بعد عام 2011، لم تنجح في رأب الصدع بين التونسيين أو جزء منهم والحكم، بل عمّقت الشرخ وبات المواطنون توّاقين إلى تغيير الواقع السياسي الموبوء بالصراعات وتفشي الفساد ومصالح المسؤولين الشخصية على حساب خدمتهم وإيجاد حلول لمشاغلهم.
لكن هل يكفي الدعم الشعبي وحده من خلال المسيرات، سعيد للمضي قدماً في تنفيذ برنامجه السياسي؟ وإلى أين تتجه البلاد بعد إجراءات 25 يوليو الاستثنائية؟
طيلة تاريخها السياسي المعاصر، لم تعرف تونس حالة شبيهة بالتي تعيشها اليوم في ظل تعليق أعمال البرلمان وغياب حكومة، بينما يرفض رئيس الجمهورية الحوار مع مكونات الطبقة السياسية بمختلف توجهاتها، ومع المنظمات الوطنية على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) أو الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف).
وفي تقدير المتابعين للمشهد السياسي في البلاد، لا يمكن النجاح في وضع برنامج جديد من دون الاتفاق مع هذه المكونات السياسية والمدنية، ما ربما يشكل حجر عثرة في المسار الذي يريد سعيد أن يسلكه.
إجراءات واضحة
وشدّد زهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب، على أن "التحركات ليست مساندة لرئيس الجمهورية بقدر ما هي داعية إلى تحقيق المطالب الشعبية التي رفعها التونسيون الذين خرجوا في 25 يوليو، واتخذ على إثرها سعيد الإجراءات الاستثنائية". وذكّر أن "حركة الشعب كانت حضت على إسقاط المنظومة السياسية منذ ما قبل 25 يوليو، من أجل إعادة بناء المشروع الوطني واستكمال مطالب الثورة"، داعياً الرئيس إلى "الاستجابة لما يريده جزء كبير من التونسيين من خلال إجراءات واضحة، تحقق مطالب الشعب في الحرية والكرامة الوطنية".
أهمية البعد التشاركي
في سياق متصل، أكد النائب السابق في البرلمان الصحافي هشام الحاجي أن "السياسة هي بالأساس إنجازات"، لافتاً إلى أن "الرئيس سعيد هو الفاعل الوحيد في المشهد السياسي اليوم، وهو السلطة الوحيدة وعليه أن يفتح قنوات الحوار مع بقية مكونات المشهد السياسي، لأن مشكلات تونس لا يمكن أن يحلها شخص بمفرده مهما كانت القدرات التي يتوافر عليها".
وشدّد على "أهمية البعد التشاركي بين الجميع من أجل إيجاد حلول عاجلة للبلاد"، داعياً إلى "اتخاذ الإجراءات التي ترسل إشارات إيجابية لكل الشعب، على غرار توضيح المسار المقبل لتونس والتعجيل في تشكيل الحكومة".
وحول الدعم الكبير لقيس سعيد، أكد الحاجي أن "الطبقة السياسية اكتفت خلال العشرية الأخيرة برفع شعارات وإضاعة الوقت، بداعي أن مسارات الانتقال الديمقراطي معقدة ومطولة، بينما تكدست مشكلات التونسيين، ما خلق شرخاً بين المواطنين والطبقة الحاكمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أن "المناخ السياسي العام في البلاد لا يحتمل غياب المنظمات الوطنية، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل عن رسم المستقبل"، داعياً "رئيس الجمهورية إلى ربط الصلة مع الاتحاد من أجل صياغة مشروع مجتمعي مشترك لتونس الغد".
وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، طلب خلال تجمع نقابي، من سعيد توضيح الرؤية للجميع، مشدداً على دور الاتحاد في رسم ملامح مستقبل تونس، وداعياً إلى "قراءة تاريخ البلاد جيداً"، الذي كان للاتحاد دور فيه كذلك.
معارضون لقيس سعيد
في المقابل، يبقى الدعم الشعبي لرئيس الجمهورية، "حقيقة لا يمكن إنكارها" بتقدير الكاتب الصحافي زياد الهاني، الذي رأى أيضاً أنه "لا يمكن نفي وجود معارضين لقيس سعيد، والحسم في الاختلاف بوجهات النظر، يكون عن طريق صناديق الاقتراع، التي ستحدّد الآراء التي لها الأحقية في رسم مستقبل تونس". وأضاف أنه "على الرغم من امتلاك الرئيس الآن سلطات شبه مطلقة، فإن ذلك لا يعطيه الحق في فرض رأيه على عموم التونسيين خارج الأطر الديمقراطية المعمول بها وهي الانتخابات".
استثمار الدعم الشعبي
ودعا الهاني إلى "استثمار هذا الدعم الشعبي في إخراج تونس من أزمتها، بعدما اتضح فشل المنظومة السابقة، من خلال حوار وطني، فتكون وجهة نظر رئيس الجمهورية وأنصاره هي إحدى وجهات النظر التي تُطرح للنقاش".
واعتبر أن "الديمقراطيات تكتسب المناعة بمرور الزمن، ما يسمح لها بمعالجة ذاتها من الداخل، عوض إلغائها".
ويرى مراقبون أنه مهما كان حجم الدعم الشعبي من هذه الجهة أو تلك، فإن مشكلات تونس لا يمكن حسمها في الشارع، والحل هو في إيجاد صيغ ملائمة للخروج من الأزمة الراهنة، من خلال الحوار والعودة إلى المؤسسات وإعلان موعد انتخابات تشريعية مبكرة، حتى تتضح الرؤية للعموم حول مستقبل البلاد.
وفي انتظار تشكيل الحكومة ورسم ملامح المرحلة المقبلة، تتّسع رقعة مؤيدي الرئيس التونسي، بينما تضيق مساحة دعم المنظومة السياسية السابقة، وهو ما يحمّل قيس سعيد، مسؤولية أكبر، يمكن التخفيف من أعبائها من خلال إعلان حوار وطني يتم فيه إلقاء المسؤولية على عاتق كل مَن أخطأ بحق التونسيين، وبلورة خريطة طريق للمستقبل.