تتجه شركات الإنترنت الصينية نحو القطاعات الصناعية بهدف رقمنتها. فقد شمل النمو الكبير للاستهلاك عبر الإنترنت جميع جوانب الحياة اليومية في دولة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. وبلغت آثار التطور الرقمي شركات صينية غير متصلة بالشبكة وأخرى متعددة الجنسية تقوم بأعمال تجارية في البلاد. وربما يتعين على الشركات العالمية تعديل استراتيجيتها لممارسة الأعمال التجارية في الصين، بحيث تحتاج إلى تحديد الطريقة الأكثر فائدة للمشاركة في "الإنترنت الصناعي". وكجزء من ذلك، يجب عليها بناء علاقات مع عمالقة الإنترنت في الصين، مع مراعاة نماذج الشراكة التي تقدم أفضل قيمة ممكنة. ولمواجهة المنافسة من اللاعبين الرقميين الصينيين، قد تحتاج الشركات متعددة الجنسية إلى جعل عملياتها محليةً قدر الإمكان من أجل الاستجابة السريعة للتغيرات في السوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موجة رقمنة
وأظهرت دراسة أجرتها مجموعتا "بوسطن الاستشارية" و"ساند هيل"، أن مستخدمي الإنترنت في الصين يتجهون نحو "الإنترنت الصناعي" بعد التحول الرقمي الذي شمل جوانب أساسية من الحياة اليومية للمستهلكين الصينيين. وكانت واضحةً محاولات شركات الإنترنت الحصول على موطئ قدم في القطاع الصناعي، بحيث أطلقت مواقع كبيرة مبادرات مثل الإصدار الأخير من منصة "باولو" المفتوحة ذات القيادة الذاتية، إضافة إلى الجهود المبذولة من موقع "علي بابا" لرقمنة أكثر من مليون متجر بقالة، فيما انضمت شركات ناشئة إلى هذا الركب مثل "لوكين كافي" و"بينغو بوكس." وشهد هذا المنحى أيضاً جمع 51 مليار دولار عبر طرح عام أولي ضمن جولة جديدة من التمويلات بمليارات الدولارات.
الابتكارات الرقمية غيّرت كثيراً في الحياة اليومية، وهناك أمثلة عدة على ذلك. ففي قطاع الملابس يستخدم تجار التجزئة سلسلة التوريد الرقمية الذكية القائمة على البيانات، لتسريع التصنيع، مع البقاء في صدارة اتجاهات الموضة. فقد أنتج تجار عاديون قرابة 30 ألف قطعة أزياء سنوياً متخطين متاجر التجزئة الإسبانية "زارا". وفي قطاع المطاعم تمت رقمنة نحو 600 ألف مطعم في 200 مدينة، إلى جانب شركات تلبية طلبات الطعام، والدفع عبر الهاتف المحمول. وفي قطاع المنازل أصبح بالإمكان العثور على شكل من أشكال منتجات "المنزل الذكي" المتصل بالشبكة في نحو 20٪ من المدن الصينية الكبيرة (27٪ في الولايات المتحدة). وشكلت الصين نحو 35٪ من مبيعات السمّاعات الذكية في جميع أنحاء العالم في الربع الثاني من العام الماضي، بعد عام واحد فقط من ظهور هذه المنتجات في السوق الصينية. وفي قطاع النقل قدمت شركة "ديدي" خدمات لنحو 20 مليون راكب يومياً في الصين متجاوزة نظيرتها "أوبر" التي تنقل نحو 15 مليون يومياً في جميع أنحاء العالم.
الإنترنت الصناعي
وترى الدراسة أنه على رغم ذلك، لا يزال "الإنترنت الصناعي" (استخدام أجهزة استشعار ذكية ومحركات لتعزيز عمليات التصنيع) في الصين متراجعاً عن نظرائه في الاقتصادات المتقدمة الأخرى. فـ 25٪ فقط من الشركات الصينية لديها مبادرات مصانع ذكية، في حين أن النسبة في ألمانيا هي 46٪ وفي الولايات المتحدة 54٪. وتوضح أن الصين لا تزال خلف الدول المتقدمة في التصنيع الذكي في 4 مجالات رئيسية. أولا، في مجال الاتصالات الذكية، فهي خلف الولايات المتحدة في الاستثمارات في الآلات والمعدات وأجهزة الاستشعار المترابطة واستخدامها. وبحلول العام 2016 بلغ إجمالي استثمارات الصين في أجهزة الاستشعار الصناعية نحو 3 مليارات دولار، مقارنة بـ 4 مليارات دولار في أميركا. ثانيا، تكامل البيانات، فلا تزال الاقتصادات المتقدمة الأخرى تتفوق على الصين في اعتماد تقنية المعلومات الصناعية، التي تربط البيانات من مختلف الأنظمة الداخلية - غالبا عبر السحابة - من أجل إعادة إنتاج عمليات التصنيع رقميا. ومنذ العام 2018، استخدم ثلث الشركات الصينية الخدمات السحابية الخاصة أو العامة، مقارنة بنسبة 80٪ من جانب الشركات الأميركية. ثالثا، صنع القرار الذكي، بحيث تتخلف الصين أيضاً عن الآخرين في استخدام الخوارزميات والتحليلات الموزعة لتحسين معدات التصنيع والعمليات، وبراءات الاختراع الخاصة بالصناعة التي تمتلكها الشركات الصينية (10٪ فقط مقارنة بنسبة 34٪ للشركات الأميركية). رابعا، في مجال التعاون بين الإنسان والآلة، استحوذت الصين في العام 2017، على 36٪ من جميع الروبوتات الصناعية المباعة في أنحاء العالم، محققة ارتفاعاً بنسبة 21٪ عن العام 2013. ومع ذلك، ظل استخدام الروبوتات الصناعية قليلاً مع معدل تغلغل (68 لكل 10 آلاف عامل، مقارنة بـ 189 في الولايات المتحدة و309 في ألمانيا). وتعزو الدراسة ذلك إلى قطاع الصناعات التحويلية الصيني الذي لا يزال في طور النمو. وتمثل الصناعات التحويلية المتطورة 21٪ فقط، مقارنة بـ 37٪ في الولايات المتحدة.
تقنيات ناشئة
وتقول الدراسة إن التقنيات الناشئة الصينية تعمل على إنشاء نماذج أعمال جديدة ومجتمعات بأكملها مؤلفة من شركات مترابطة. وتشكل أحد النظم الإيكولوجية التجارية الجديدة حول منصة "بايدو" المفتوحة ذات القيادة الذاتية، التي تشمل أجهزة وبرامج وخدمات سحابية وعينات سيارات. وقد اجتذبت المنصة أكثر من 130 شريكاً بمن فيهم الشركات المصنعة للمعدات الأصلية OEMs وموردو قطع الغيار وشركات التكنولوجيا الموجودة داخل الصين وخارجها، إضافة إلى أكثر من 12 ألف مطور. وتسهم المواقع الإلكترونية الاستهلاكية في تعزيز "الإنترنت الصناعي" في الصين، فموقع "علي بابا للابتكار،" على سبيل المثال، يقوم بجمع بيانات عن سلوك نحو 600 مليون عميل في السوق ومشترياتهم، ويضعها في متناول الشركاء التجاريين للموقع من أجل تحسين منتجاتهم أو تطوير خدماتهم.
قطاع التجزئة
وللتعويض عن تباطؤ النمو من جانب المستهلك، يستخدم مشغلو الإنترنت الصينيون إمكاناتهم الواسعة عبر الإنترنت ويجعلونها منصة انطلاق للنمو. فليس سهلاً على المؤسسات صغيرة الحجم والمتوسطة SME التي تشكل الجزء الأكبر من البيع بالتجزئة، عدم الاتصال بالإنترنت. وفي المقابل، لا تبدو تلك المؤسسات متحمسة لتبني أنظمة رقمية، وهي تلجأ بدلاً من ذلك إلى تأسيس شراكات. وبين العامين 2015 و2018، أنهى أبرز 5 لاعبين في مجال التجارة الإلكترونية في الصين 15 استثماراً في متاجر التجزئة التي تعمل من دون اتصال بالإنترنت، مقارنةً بلاعب واحد عبر الإنترنت في الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن استراتيجية شركات الإنترنت الصينية العملاقة للشراكة مع تجار التجزئة تختلف عما يحدث في الولايات المتحدة، حيث يفضل هؤلاء بناء وجود إلكتروني مستقل بدلاً من الاقتران بشريك كبير على الإنترنت. حتى الآن، استثمر لاعبو الإنترنت في الصين في شركات من بين أكبر 100 شركة تجزئة في العالم خارج الإنترنت، التي تمثل 28٪ من إجمالي إيرادات المواقع الكبرى. على النقيض من ذلك، استثمرت شركات إنترنت أميركية كبيرة في تجار التجزئة الذين يمثلون أقل من 1٪ من المبيعات المسجلة من قبل أفضل 100 تاجر تجزئة في الولايات المتحدة. وعلى رغم أن 88٪ من تجار التجزئة في الولايات المتحدة يحتفظون بجهود التجارة الإلكترونية الخاصة بهم، فإن 33٪ فقط من تجار التجزئة الصينيين خارج الإنترنت يوجهون جهود التجارة الإلكترونية الخاصة بهم.