بعد أن كان يعج بالحركة، بات البرلمان التونسي بناية شبه مهجورة، مطوقة بالحواجز، ومحاصرة بقوات الأمن، وتتوسط ساحتها العربات العسكرية، في صورة رمزية دالة على تقهقر السلطة التشريعية التي باتت في حكم المنتهية واقعياً، بعد صدور الأمر الرئاسي، عدد 117، الذي ينظم السلطات في البلاد، من دون أن يتم حل هذه المؤسسة بشكل فعلي.
والسؤال المطروح اليوم في المشهد السياسي التونسي هو: كيف سينهي رئيس الجمهورية، قيس سعيد، فعلياً البرلمان، وبأي آلية؟
الآلية الدستورية
ينص الدستور التونسي، على "أنه يمكن لرئيس الدولة أن يحل البرلمان في حالتين: الحالة الأولى هي تلك التي اقتضاها الفصل 89 من الدستور التي جاء فيها، "إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول (للشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة)، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، في أجل أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً"، والحالة الثانية: هي التي اقتضاها الفصل 99 من الدستور وذلك "في حال طلب رئيس الجمهورية من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتُبرت مستقيلة، وعندئذ يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه 30 يوماً، طبقاً للفقرات الأولى والخامسة والسادسة من الفصل 89، وعند تجاوز الأجل المحدد من دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب، والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، في أجل أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً".
الحل في الحوار
واختلفت القراءات الدستورية للوضع الراهن في تونس، بين من يرى أن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، "تورط في مأزق دستوري، لا مخرج منه إلا بالحوار مع مكونات المشهد السياسي في البلاد"، وبين من يرى "أن الوضع الاستثنائي الذي تمر به تونس، والملاحقات القضائية لعدد من النواب والأحزاب، يخول رئيس الجمهورية المضي قدماً في حل البرلمان".
ويؤكد أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق مختار أن طرق حل البرلمان معلومة في الدستور، "ولا وجود لطريقة أخرى إلا بالاتفاق بين كل مكونات المشهد السياسي، مثلما حدث سنة 2013، عندما أدارت المنظمات الوطنية الكبرى، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين، حواراً وطنياً شارك فيه أكثر من 20 حزباً من مشارب سياسية مختلفة، وتخطت تونس أزمة سياسية حادة، على إثر اغتيال المعارض اليساري، شكري بلعيد، ثم النائب في المجلس الوطني التأسيسي، محمد الإبراهيمي، ونال على إثرها الرباعي الراعي للحوار الوطني، جائزة نوبل للسلام سنة 2015، وهنا تنتهي حلول الدستور وتبدأ حلول السياسة".
البرلمان ما زال قائماً دستورياً
وأكد عبد الرزاق مختار أن البرلمان ما زال قائماً قانوناً، واعتبر أن رئيس الجمهورية لا يملك في الوقت الراهن إمكانية دستورية لحل البرلمان، لافتاً إلى أنه استخدم عبارة "التجميد" وهي غير موجودة في الدستور في تقديره، وأكد أن التجميد لا يمكن أن يتواصل إلى ما لا نهاية، قائلاً، "قيس سعيد، يتوخى سياسة الهروب إلى الأمام وهو في مأزق دستوري في ما يخص وضع البرلمان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبخصوص الانتخابات التشريعية المبكرة، أكد أستاذ القانون الدستوري أن الاتفاق السياسي هو المخرج الوحيد، مشيراً إلى أن تونس دخلت مرحلة صعبة دستورياً، ولا وجود لحل قانوني إلا الحوار، والاتفاق على الخطوات المقبلة، على الرغم من أن رئيس الجمهورية صرح بأنه ضد الحوار والعودة إلى الوراء.
السيناريو القضائي
في المقابل، يؤكد أستاذ القانون والنائب السابق في المجلس الوطني التأسيسي رابح الخرايفي أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يستند إلى الظروف الاستثنائية والفصل 80 من الدستور، الذي توسع في تفسيره، ويحل البرلمان، معتبراً أن الأمر الرئاسي 117 خول رئيس الجمهورية التشريع بمراسيم، وأضاف أنه تم رفع الحصانة عن جميع النواب، كما تم وضع حد للمنح البرلمانية، وتم تعليق نشاط المجلس، علاوة على الملاحقة القضائية لعدد من نوابه، وهو ما يعني ضمناً نهاية هذه المؤسسة في شكلها الحالي.
ورجح الخرايفي إمكانية اعتماد السيناريو القضائي، لإنهاء البرلمان لافتاً إلى أن الفصل 163 من القانون ينص على أن أي حزب يتلقى تمويلاً أجنبياً تسقط قائمته الفائزة في الانتخابات، وهو ما ينطبق على أحزاب "النهضة"، و"قلب تونس"، و"ائتلاف الكرامة" وقائمات "عيش تونسي"، وشدد على أن إثبات التمويل الأجنبي يعني آلياً إسقاط القائمات الفائزة، عن الأحزاب المورطة، واستناداً إلى التدابير الاستثنائية، يمكن إعلان حل البرلمان، إلا أنه فضل الحل القضائي لحل البرلمان، رفعاً للحرج عن رئيس الجمهورية.
وحول استقالة عدد من النواب، اعتبر الخرايفي أن الاستقالة من البرلمان المجمد غير قانونية، وألا قيمة ولا أثر قانونياً لها، مضيفاً أنه حتى تكون استقالة النواب قانونية، يجب عرضها على مكتب الضبط بمجلس نواب الشعب.
الدستوري الحر
تجدر الإشارة إلى أن الدستوري الحر، كان قد وضع إمضاءات نوابه على ذمة رئيس الجمهورية، في محاولة منه لتسهيل أي آلية دستورية لحل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات مبكرة في أقرب الآجال، للمساعدة في الخروج من المأزق الدستوري لحل البرلمان.
وتتنامى في تونس المخاوف من الفراغ، في ظل غياب حكومة، وبرلمان، وحال من الترقب والغموض، بينما تواجه البلاد أسوا أزمة مالية واقتصادية في تاريخها، بسبب تداعيات كورونا الاقتصادية وآثارها الاجتماعية الوخيمة على فئة واسعة من التونسيين، ما يتطلب التسريع بتشكيل الحكومة، للبدء في الإصلاحات الاقتصادية العاجلة، للحد من نزيف المالية العمومية، وتحسين الظروف المعيشية للتونسيين.