إسرائيل قلقة من انخراط حملة جنسيتها في جامعات فلسطينية

بعد دراسة حثيثة ومستفيضة، قررت جوليا الشمالي (20 سنة) ترك تخصصها الذي تحب في جامعة تل أبيب، والذهاب إلى مدينة جنين (شمال الضفة الغربية)، حيث يدرس بقية أفراد عائلتها وصديقاتها في الجامعة العربية الأميركية. فبعد سنتين متواصلتين من الدراسة والامتياز، لم تتمكن الشمالي على الرغم من طلاقة لسانها باللغة العبرية من الاندماج في الأجواء الطلابية الجامعية هناك، فهي دائمة الشعور بالاغتراب والوحدة، ومكبلة بشروط دراسية صارمة، كيف لا وهي من بين طلاب الأقلية العربية داخل الجامعة الذين لا تتجاوز نسبتهم 15 في المئة فقط.

ارتفاع ملحوظ

وبحسب دراسة صادرة عن المركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية «مدى الكرمل» في حيفا لعام 2020، طرأ في العقد الأخير ارتفاع في عدد الطلاب العرب في الجامعات والكليات الإسرائيلية بنسبة ثلاثة أضعاف. وفي ذات الوقت ازدادت نسبة المتوجهين إلى الدراسة خارجها. إذ توجه حوالى 14 ألفاً من الطلاب العرب داخل إسرائيل، للدراسة خارج جامعاتها. واختار أكثر من نصفهم جامعات فلسطينية في الضفة الغربية.
تقول جوليا لـ"اندبندنت عربية" إن "المستوى التعليمي في الجامعات الإسرائيلية عال جداً ومتميز، والشهادة هناك ذات وزن مهم، لكن المناهج مليئة بروايات إسرائيلية بحتة وتخلو من وجهة نظرنا كفلسطينيين، كما أن البيئة الجامعة لنقيضين لا تخلو بأي حال من الأحوال من مناوشات ومضايقات محدودة بين الطلاب الفلسطينيين والإسرائيليين. الدراسة داخل الجامعات الفلسطينية لها قيمتها أيضاً، وهي تذكرنا بأجواء الوطن الذي نحِن إليه، وأصبحت كغيري من الطلاب نفضل الجامعات الفلسطينية لما تحمله من بيئة عربية تحترم عاداتي وتقاليدي وأفكاري، وتلك ميزات لا يمكن إيجادها في الجامعات الإسرائيلية".

في عام 2019 درس 15 ألف طالب عربي خارج إسرائيل أو خارج الخط الأخضر، نصفهم في المناطق الفلسطينية (اندبندنت عربية)

تخوفات أمنية

وحذرت أجهزة الأمن الإسرائيلية قبل سنوات من ارتفاع ظاهرة انخراط العرب من مواطني إسرائيل في جامعات "خارج البلاد"، بخاصة أن الطلاب العرب في الجامعات العربية والفلسطينية والأجنبية، قد ينكشفون لمضامين معادية لإسرائيل، ولاحتمالات تجنيد بعضهم من قبل تنظيمات سرية. وقال الكاتب الإسرائيلي عاكيفا بيغمان، "في عام 2019 درس 15 ألف طالب عربي خارج إسرائيل أو خارج الخط الأخضر، نصفهم في المناطق الفلسطينية، وهذا الاتجاه يشكل طبيعة المجتمع العربي داخل إسرائيل، ويعني أن عشرات آلاف الشواكل يدفعها الطلاب سنوياً لجامعات ليست إسرائيلية".
وأوضح بيغمان بحسب صحيفة "إسرائيل اليوم" أن "كثيراً من هؤلاء الطلاب، يتعرضون لدراسات سياسية عن الحياة الإسرائيلية وأحياناً معادية لها، فهناك تأثير للثقافة الفلسطينية على الطلاب العرب، ويكونون عرضة للاستماع لرواية فلسطينية معادية لإسرائيل، ويتوجب على كل طالب إنجاز مساق "دراسات فلسطينية"، يشمل الحركة الصهيونية، ومصادرة الأراضي، والمقاومة الفلسطينية، وأسس التربية الإسلامية والثقافة الإسلامية، ودراسات عن إسرائيل والصهيونية، والحركة الفلسطينية الأسيرة، والقدس، والحضارة والتاريخ. الأمر لا يبدو مهماً جداً، لكن إسرائيل في هذه الحالة تخسر فرصة إعطاء هؤلاء الطلاب المعرفة الأولية الأساسية عنها، وسرد رواية أقل عداء تجاهها. في تلك الجامعات العربية والفلسطينية، يمكن للطلاب العرب أن يشعروا بقوميتهم العربية، مما دفع مسؤولاً رفيعاً بوزارة التعليم الإسرائيلية إلى اعتبار هذه الظاهرة وصمة عار على إسرائيل، التي تفوت فرصة كبيرة لتعليم جيل كامل من الشباب، ورفع مستوى الاندماج، وتقليل الاغتراب والتوترات والعنف".
في المقابل، أكدت الجامعة العربية الأميركية على لسان رئيسها علي أبو زهري لـ"اندبندنت عربية" أنها تنفذ "عدداً كبيراً من النشاطات والفعاليات الوطنية التي تعزز الهوية الفلسطينية في كل المناسبات، والطلبة العرب يشعرون بقومتيهم العربية الفلسطينية بشكل تام، بسبب انخراطهم في الحياة الجامعية ومشاركتهم في تلك الأنشطة والفعاليات كباقي الطلبة من أبناء الضفة الغربية، وعلى الطالب أن يجتاز مساق دراسات فلسطينية، وهي مادة إجبارية لكل الطلاب".

شروط صارمة

وأشارت مؤسسات "مدى الكرمل" و"عدالة" و"مركز "مدار للدراسات الإسرائيلية" ومؤسسات أخرى حقوقية وتربوية عديدة تعنى بشؤون الأقليات العربية داخل اسرائيل، مراراً إلى أن "تقييدات السن التي يواجهها الطلاب العرب عند الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية لدراسة بعض المواضيع (كالطب والخدمة الاجتماعية، والطب المساند) دفعت نسبة عالية منهم إلى الالتحاق بالجامعات خارج إسرائيل ابتغاء مواصلة الدراسة العالية، وأيضاً بسبب عدم قبولهم في الجامعات الإسرائيلية في المواضيع التي اختاروها، وهي على الأغلب مقاعدها محدودة وتتطلب معدلات عالية في شهادة الثانوية العامة (البيجروت) وامتحان السيكومتري (حساب القوة الذهنية). كما أن التحاق الطلبة العرب بمؤسسات التعليم العالي خارج إسرائيل ناتج عن عدم حصولهم على نتائج ملائمة في السيكومتري، الذي كان سيمكنهم من دراسة المواضيع التي تساعدهم على الاندماج في سوق العمل بيسر، والتي تضمن لهم مكانة اجتماعية ومستوى معيشة مرتفعاً (كالطب والصيدلة).
وصرح رئيس المعهد الأكاديمي العربي للتربية، البروفيسور قصي حاج يحيى إلى "اندبندنت عربية"، بأن "مثلث مرعب من الشروط والمتطلبات الصارمة، يقف عائقاً حقيقياً أمام استكمال الطلبة العرب دراستهم في الجامعات الإسرائيلية، فبعد الانتهاء من امتحان الثانوية العامة (البيجروت)، هناك امتحان آخر وهو السيكومتري (حساب القوة الذهنية)، وبعد ذلك تجرى مقابلة شخصية للطالب تحدد ما إذا كان سيقبل أم لا. كل تلك التعقيدات، دفعت الطلاب العرب إلى اختيار الجامعات الفلسطينية التي تعفيهم من التقدم إلى امتحان دخول، إضافة إلى سهولة القبول في مواضيع تضمن للطالب مهنة رفيعة في المستقبل (كالطب ومواضيع الطب المساعد)، إضافة إلى قرب الجامعات الفلسطينية جغرافياً. الطالب الفلسطيني بحسب اعتقادي مستعد للسفر إلى أي دولة في العالم لتحقيق حلمه وحلم العائلة، والأهم من ذلك أنه بعكس أبناء الأقليات والشعوب الأخرى التي تتعرض لأوضاع شبيهة لما يجري في فلسطين، يعود إلى وطنه بعد إنهاء تعليمه، وهو بذلك يشكل حالة فريدة تستحق الاحترام. الطلاب العرب داخل إسرائيل يرفدون المستشفيات والجهاز الصحي الإسرائيلي سنوياً بمئات الأطباء وعمال المهن الطبية المساندة، بنسبة 18 في المئة، وذلك بفضل الدراسة خارج إسرائيل، في حين ما زال امتحان مزاولة مهنة للطب "مور" يشكل عائقاً أمام قبول الطلاب العرب لموضوع الطب في الجامعات الإسرائيلية".

علامات متدنية

وفق المعطيات التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، ما زال تحصيل الطلاب العرب متدنياً في امتحان "السيكومتري" مقارنةً بالطلاب اليهود. وعلى الرغم من الارتفاع الطفيف الذي حصل في معدل العلامات لدى الطلاب العرب في العقد الأخير، ما زالت الفجوة كبيرة، واستقرت على 80 علامة على الأقل في عام 2017. وتؤكد الأرقام، أن فارق التحصيل والفجوة الكبيرة بين الطلاب العرب واليهود في امتحان السيكومتري وعلامات الثانوية العامة، عوامل لها مردودات سلبية على عدد الطلاب العرب الذين يقبلون للدراسة في الجامعات الإسرائيلية. فحسب معطيات رسمية، فإن 23 في المئة فقط من الطلاب العرب الذين سُجلوا للدراسة في كليات الطب قبلوا في الجامعات الإسرائيلية المختلفة في عام 2017، مقابل 35 في المئة من الطلاب اليهود. وفي مواضيع الطب المساعد، قبل 60 في المئة من الطلاب اليهود، مقابل 36 في المئة من الطلاب العرب.

قفزة كبيرة

وفي وقت تتصاعد فيه نسب إقبال العرب داخل إسرائيل على الجامعات العربية والفلسطينية، ترتفع نسبة التسهيلات والمنح التي تقدمها الجامعات الإسرائيلية للفلسطينيين من شرقي القدس (يحملون الهوية الإسرائيلية). ووفقاً للمعطيات التي نشرتها "لجنة التخطيط والموازنة" التابعة لمجلس التعليم العالي الإسرائيلي، فإن السنة الدراسية 2018-2019، ضمت ولأول مرة أكثر من ‏‏50 ألف طالب عربي في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل، بنسب زيادة تجاورت 100 في المئة ‏منذ مطلع العقد. إذ كان عدد الطلاب العرب في العام الدراسي 2008-2009 في كل المؤسسات ‏الأكاديمية الإسرائيلية قرابة 25 ألف طالب‎ فقط.

وقالت البروفيسورة يافه زيلبرشتس، رئيسة اللجنة، في بيان نشر على موقع المجلس الإلكتروني، إن "ثورة دمج الطلبة العرب في المؤسسات ‏الأكاديمية تعتبر إنجازاً غير مسبوق لجهاز التعليم العالي في إسرائيل. في هذه الأيام يتفوق الطلبة من أبناء ‏المجتمع العربي في كل المؤسسات الأكاديمية، ويشكل الأمر بالنسبة لنا مصدر فخر واعتزاز". ‏وأضافت "الدراسة الأكاديمية هي مفتاح للانخراط في المجتمع والصناعة. بالتالي في السنوات القليلة المقبلة سنستثمر كثيراً من الموارد، بما في ذلك الدعم المهني والفردي، من أجل تمهيد الطريق إلى الأوساط الأكاديمية للطلاب، وعلى وجه الخصوص العرب".

منح وتسهيلات

في سياق متصل، خلصت لجنة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (كابينيت)، في عام 2013 إلى أن تحسين ظروف حياة المقدسيين في شرقي القدس في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل وغيرها، سينعكس إيجاباً على المصلحة الأمنية الإسرائيلية.
وأشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير نشر في عام 2019 إلى أن عدد الطلاب المقدسيين الفلسطينيين الملتحقين بالجامعة العبرية حقق قفزة كبيرة، حيث وصل عددهم إلى 410 طلاب، بينما كان عددهم 57 طالباً فقط في عام 2010.
وقال رئيس لجنة أولياء الأمور في القدس زياد الشمالي، إن "الجامعة العبرية تسعى إلى تقديم تسهيلات لا حدود لها إلى المجتمع المقدسي، تتركز في تقديم المنح الدراسية والوظائف أثناء مرحلة الدراسة، وتوفر لهم أيضاً سنة تحضيرية مجانية، ودورة لغة يتعلمون خلالها اللغة العبرية مجاناً، إلى جانب أنها أصبحت تقبل الطلبة المقدسيين من حملة شهادة الثانوية العامة الفلسطينية (التوجيهي) دون الحاجة إلى امتحان (البسيخومتري)، كما أن الشهادة من الجامعات الإسرائيلية معترف فيها ضمن المؤسسات الإسرائيلية، وتكون الرغبة بتوظيف حملة تلك الشهادات أولاً. ندرك تماماً أن كل تلك التسهيلات تهدف بشكل أساس لتهويد عقل الطالب الفلسطيني، فعندما يدرس في الجامعات الإسرائيلية ستنعدم الثقافة الوطنية لديه، وسينسلخ تدريجياً من بيئته الفلسطينية".

قال رئيس لجنة أولياء الأمور في القدس زياد الشمالي، إن الجامعة العبرية تسعى إلى تقديم تسهيلات لا حدود لها إلى المجتمع المقدسي (اندبندنت عربية)

برنامج الرواد

وأطلق المجلس الإسرائيلي للتعليم العالي قبل سنوات، برنامج "الرواد" الذي يعرف الطلبة المقدسيين بالتخصصات المطروحة في الجامعات الإسرائيلية، حيث يلتقي موظفو هذا البرنامج بالتلاميذ المقدسيين لشرح أهمية التعليم وكيفية التسجيل وآفاق التعليم في الجامعات الإسرائيلية. وتتضمن خطة البرنامج اصطحاب التلاميذ العرب في جولات على الجامعات للتعرف عليها عن قرب. وما إن يدخل الطالب المقدسي في الجامعة العبرية خصوصاً، يستقبل ببرامج تشجيعية أخرى من قبيل برنامج "صدارة" وبرنامج "جامعة".

يذكر أن الجامعة العبرية في القدس، هي أقدم جامعة إسرائيلية والأكثر ريادة في مجال الأبحاث، وتصنف ضمن أفضل مئة جامعة في العالم، وتحتل المركز الأول على الصعيد المحلي إسرائيلياً.