خلطت دعوة الجيش الجزائري إلى تشكيل لجنة للإشراف على تنظيم الانتخابات أوراق الأحزاب السياسية، بسبب عدم ذكر هذه اللجنة في دستور البلاد. ما يستوجب إجراء تعديل دستوري يطال مادة واحدة (194)، والاستغناء عن خدمات حكومة نور الدين بدوي في الانتخابات الرئاسية المفترضة.
وأثار خطاب المسؤول الأول عن الجيش الجزائري استفهامات قانونية كثيرة، لا سيما أنه فتح الباب أمام إنشاء هيئة، لطالما كانت ضمن مطالب السياسيين في المعارضة تحديداً. وورد في كلمة رئيس الأركان أحمد قايد صالح أن "إجراء الانتخابات الرئاسية يضع حداً لمن يحاول إطالة أمد هذه الأزمة"، مؤكداً أن "الخطوة الأساسية في هذا الشأن تتمثل في ضرورة الإسراع في تشكيل الهيئة المستقلة وتنصيبها لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها".
وأضاف قايد صالح "ننتظر في هذا الإطار التعجيل باتخاذ الإجراءات المناسبة لتفعيل هذه الآلية الدستورية، باعتبارها الأداة القانونية المناسبة للحفاظ على صوت الناخب وتحقيق مصداقية الانتخابات".
التخلي عن خدمات بدوي؟
في حال التزام المؤسسات الدستورية بمسار تشكيل هيئة للتنظيم والإشراف على الانتخابات، فمعنى ذلك سحب هذه الورقة نهائياً من حكومة بدوي.
ويحتمل أن يكون لجوء المؤسسة العسكرية إلى اقتراح إنشاء هيئة للانتخابات بهدف تحييد دور بدوي من الانتخابات، وبالتالي الإبقاء عليه وزيراً أول على الرغم من المطالب الشعبية بإبعاده بشعار أنه "أحد وجوه النظام السابق"، ما يحقق "حلاً وسطاً"، لكنه على الأرجح لن يلاقي القبول في الشارع، الذي يتشدد مع اسم بدوي.
تشكيل هذه الهيئة يستوجب تعديلاً دستورياً انطلاقاً من مراجعة المادة 194، التي تنص على "تحدث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات"، على أن "ترأس الهيئة شخصية وطنية يعينها رئيس الجمهورية، بعد استشارة الأحزاب السياسية. وللهيئة العليا لجنة دائمة".
ومهامها وفق الدستور الحالي "الإشراف على عمليات مراجعة الإدارة للقوائم الانتخابية، وإعداد التوصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم العمليات الانتخابية".
تأجيل تلقائي للانتخابات
يثير الحديث عن استحداث هذه الهيئة احتمالات كبيرة بتأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو (تموز) المقبل، لا سيما أن العملية تتطلب وقتاً يفوق الشهرين المتبقيين لإجراء الانتخابات.
ويذهب بعض الخبراء في القانون الدستوري إلى إلزامية مراجعة المادة 194 من الدستور، التي تأسست بموجبها هيئة مستقلة عليا لمراقبة الانتخابات. ذلك أن هذه المادة تعطي صلاحية الإشراف للهيئة التي حلها بوتفليقة قبل أيام من استقالته.
ويقول عامر رخيلة، الخبير في القانون الدستوري إن "مساراً طويلاً ينتظر هذه العملية في حال العمل بها". ويشير إلى أن "الأمر يمر عبر القانون العضوي للانتخابات ويرفع إلى المجلس الدستوري، الذي سيقرر بطلان التعديل لعدم المطابقة مع الدستور… وهنا يستوجب تعديل دستوري لأجل ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي رأي رخيلة، فإن تعديل الدستور بصلاحيات رئيس الدولة المؤقت غير ممكن. لكن بعض خبراء القانون الدستوري يناقضون هذا الرأي. إذ يشير أستاذ القانون الدستوري علاوة العايب إلى أن المسألة "تتطلب مراجعة الدستور في المادة 194، ويتم ذلك سواء عن طريق إعلان دستوري يصدره المجلس الدستوري أو مبادرة برلمانية تجمع ثلاثة أرباع أعضاء البرلمان، من أجل تغيير الصفة للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات واستبدالها بتنظيم الانتخابات، ومن ثم إعادة صياغة القانون العضوي للهيئة لإعطائها صلاحيات التنظيم كبديل عن الإدارة ممثلة في وزارة الداخلية".
في المقابل، يثير خبراء إشكالية المادة 104 من الدستور، التي تمنع في فقرتها الثالثة أي تعديل دستوري في فترة تولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة، وهي الوضعية التي تعيشها الجزائر حالياً. وفي ذلك يقول أستاذ القانون الدستوري خالد شبلي إنه لا يمكن حالياً تعديل أي مادة من مواد الدستور.
وورد في نص المادة أنه "لا يمكن أن تُقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول المانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يَشرَع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه". وأنه "لا يمكن، في الفترتين المنصوص عليهما في المادتين 102 و103، تطبيق الأحكام المنصوص عليها في الفقرتين 7 و8 من المادة 91 والمواد 93 و142 و147 و154 و155 و208 و210 و211 من الدستور". وتشمل هذه المواد المبادرة إلى تعديل الدستور والتشريع بأوامر رئاسية.
أحزاب تبارك
قال قيادي في جبهة العدالة والتنمية، أن الهيئة التي قد تشرف على الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها ستسحب "ملف تنظيم الانتخابات من حزب الإدارة المتمثل في وزارة الداخلية ووزارة العدل". وذكر لخضر بن خلاف أن رئيس أركان الجيش طالب بالإسراع في تنصيب هذه الهيئة، "وهذا يستدعي في نظرنا تعديل الدستور عن طريق البرلمان".
أما المحلل السياسي محمد أرزقي فراد، فرد على مقترحات رئاسة أركان الجيش، بخصوص الهيئة، قائلاً إن "المطلوب من مؤسسة الجيش ليس تقديم خريطة طريق للخروج من الأزمة، لأن ذلك من مهام الطبقة السياسية".
ويضيف فراد "المطلوب منها هو العمل على تنظيم ندوة وطنية لإيجاد مخرج للأزمة، على اعتبار أن مؤسسة الجيش هي المؤسسة الوحيدة التي سلمت من التدمير في عهد بوتفليقة. بالتالي هي المؤسسة الوحيدة القادرة على القيام بمهمة مرافقة الطبقة السياسية ومؤطري الحراك الشعبي في هذه الندوة".