وصل الانتعاش الاقتصادي في أميركا إلى طريق مسدود، حيث أضاف أرباب العمل الأميركيون نحو 194 ألف وظيفة فقط في سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي علامة مقلقة أخرى على أن كورونا يعطل أكبر اقتصاد في العالم. وكان شهر سبتمبر الماضي هو الشهر الثاني على التوالي الذي أضاف فيه الاقتصاد الأميركي وظائف أقل بكثير مما كان متوقعاً، مع تباطؤ كبير في نمو التوظيف خلال شهر أغسطس (آب) الماضي.
ووفق بيانات حديثة لمكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة، انخفض معدل البطالة بنسبة 4.8 في المئة خلال سبتمبر الماضي، مقابل نحو 5.2 في المئة خلال أغسطس الماضي. وانخفضت البطالة في جميع المجالات، مع تراجع معدلها بين السود أكثر من أي مجموعة إلى مستوى 7.9 في المئة مقابل نحو 8.8 في المئة خلال أغسطس.
لكنّ هناك سبباً يدعو للتفاؤل في شأن المستقبل، فقد تم الانتهاء من تقرير الوظائف في منتصف سبتمبر تقريباً عندما بدأت الإصابات بفيروس كورونا بالاستقرار. وقد كانت في انخفاض مستمر منذ منتصف الشهر الماضي، وهو سبب يدعو للتفاؤل بشأن نمو الوظائف خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
تحركات الكونغرس وأزمة سداد الديون
وبخلاف أزمة التوظيف، كانت بوادر أزمة عدم القدرة على الالتزام بسداد الديون الأميركية تلوح في الأفق، لكن تحركات أخيرة للكونغرس الأميركي أوقفت الأزمة. وأعلن زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر، أنه جرى التوصل إلى اتفاق لتجنّب تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال شومر، "لديّ نبأ سار، توصلنا إلى اتفاق لرفع سقف الدين حتى مطلع ديسمبر (كانون الأول)، ولدينا أمل بأنه بإمكاننا إنجاز ذلك في أقرب وقت". وسقف الدين العام هو الحد الأقصى قانوناً للمديونية العامة في الولايات المتحدة، وهو محدد عند مستوى 28.4 تريليون دولار. وبحسب وزارة الخزانة، فإنه سيتم بلوغ هذا الحد في 18 أكتوبر الحالي.
وكان شومر قد عبر في وقت سابق عن أمله بالتوصل إلى اتفاق، لتجنب تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها بعد ساعات من المفاوضات مع الجمهوريين الذين اقترحوا حلاً مؤقتاً، لكن زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، قال إنه يريد "تجنيب الأميركيين أزمة على المدى القصير تسبب بها الديمقراطيون"، مؤكداً أنه سيسمح لخصومه بالموافقة بأسرع وقت ممكن على تعليق سقف الدين حتى ديسمبر المقبل.
أخبار سارة في تقرير التوظيف
في الوقت نفسه، حمل تقرير الوظائف بعض الأخبار السارة، حيث تم تعديل تقرير أغسطس المخيب للآمال صعودياً بمقدار 131000 وظيفة، مما يعني أن أرباب العمل أضافوا نحو 366000 خلال الشهر قبل الماضي. ومع ذلك، ظل تقرير أغسطس أقل بكثير من التوقعات الأولية لجميع المحللين.
ووصف دانيال تشاو، كبير الاقتصاديين في "غلاس دور"، تقرير التوظيف بأنه "حقيبة مختلطة". وأشار إلى أنه "من ناحية يوضح مدى ضخامة تأثير متغير (دلتا)".
وفي أواخر الصيف الماضي، تسبب ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا المستجد، بخاصة المتحورة "دلتا" في إبقاء الناس في منازلهم، ونما الكثير من القلق من قضاء الوقت في مجموعات كبيرة. وكان التوظيف في المطاعم والحانات ضعيفاً الشهر الماضي، حيث تجنب العملاء السفر وتناول الطعام.
وأضاف أرباب العمل في مجال الترفيه والضيافة نحو 74000 وظيفة فقط خلال الشهر الماضي، وهو أداء أقل بكثير من متوسط مكاسب الصناعة الشهرية البالغ نحو 197000 هذا العام، حيث تحملت صناعة الترفيه والضيافة أسوأ عمليات التسريح المرتبطة بالوباء العام الماضي.
وظائف قطاع التعليم دون التوقعات
قطاع آخر لم يحقق نتائج جيدة خلال سبتمبر الماضي، وهو التعليم. فقد انخفض التوظيف في التعليم الحكومي المحلي بمقدار 144000. والتعليم هو أحد أرباب العمل الرئيسة للمرأة، مما زاد من المخاوف في شأن المساواة في انتعاش سوق العمل. وتشير البيانات إلى أن سوق التوظيف النسائي فقدت نحو 26 ألف وظيفة خلال الشهر الماضي، بينما حصل الرجال على وظائف بأعداد كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن هناك بعض الغرابة الموسمية في العمل، حيث كشفت "بي أل أس" في تقرير حديث، عن أن التوظيف في فترة العودة إلى المدرسة الذي يحدث عادةً في سبتمبر كان أقل هذا العام، وأظهرت أرقام الوظائف المعدلة موسمياً انخفاضاً كبيراً في قطاع التعليم.
وأشارت إلى أن التغييرات الأخيرة في التوظيف من الصعب تفسيرها، حيث إن تقلبات التوظيف المرتبطة بالوباء في التعليم العام والخاص قد شوهت أنماط التوظيف الموسمية العادية مع استمرار موجات تسريح العمالة.
يعلق كبير الاقتصاديين في "غلاس دور"، قائلاً، "إننا نعرف بالفعل هذا النمط من العام الماضي، لذا لا ينبغي أن يكون مفاجأة... أعتقد أن العديد من المدارس لا تزال تعمل بقوة عاملة أصغر حجماً مما كانت عليه قبل الوباء". وقد تم رفع معدلات التوظيف في نهاية الشهر، وعلى الرغم من ذلك، فمن المتوقع أن يتسارع هذا الاتجاه خلال أكتوبر الحالي.
ما موقف الاحتياطي الفيدرالي؟
كان تقرير الوظائف الأخير مهماً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذ أعلن البنك المركزي الشهر الماضي أنه يستعد للتراجع عن برنامج التحفيز الوبائي الضخم من خلال تقليص مشترياته الشهرية من الأصول.
وخلال تحديث السياسة النقدية لشهر سبتمبر، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، إنه لا يحتاج إلى أن يكون تقرير الوظائف بمثابة "ضربة قاضية" لأنه يعتقد أن انتعاش سوق العمل يقترب بشكل جيد. وأوضح أن بعض زملائه ربما لا يزالون يرغبون في رؤية المزيد من التحسينات.
وفي حين أن سوق العمل في الولايات المتحدة لم تعد بعد إلى قوتها قبل الوباء، فقد عوضت الكثير من خسائرها التي تكبدتها خلال الفترة الماضية، بخاصة منذ ذروة انتشار وباء كورونا. وتواجه الشركات صعوبة كبيرة في العثور على موظفين، مما يؤدي إلى زيادة الأجور، ولذلك فقد نما متوسط الدخل في الساعة خلال فترة الـ12 شهراً المنتهية في سبتمبر الماضي بنسبة 4.6 في المئة، وهي أكبر زيادة منذ فبراير (شباط) الماضي.
ويبقى أن نرى ما إذا كانت مكاسب الوظائف خلال التقرير الأخير ستكون كافية لإرضاء صانعي السياسة، لكن لن يجتمع مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال أكتوبر الحالي، بل سيعقد اجتماعاً في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لإعلان قراره في شأن السياسة النقدية والمالية.