بعد انتهاء موعد التصويت في الانتخابات العراقية، حرم القانون الجديد أكثر من مليون عراقي يقيمون خارج البلاد من الإدلاء بأصواتهم، من بينهم نحو 150 ألفاً يقيمون في الولايات المتحدة الأميركية، وهذه هي المرة الأولى التي لا يسمح فيها للعراقيين المقيمين خارج البلاد بالتصويت في الانتخابات البرلمانية.
وعلى الرغم من مشاركتهم في كل الانتخابات السابقة، لم توفر مفوضية الانتخابات العراقية متطلبات الاقتراع لعراقيي الخارج، إذ كانت بررت ذلك بـ"معوقات فنية ومالية وقانونية وصحية".
وبحسب بيان سابق للمفوضية، فإن قانون الانتخابات نص على أن يصوت عراقيو الخارج لصالح دوائرهم الانتخابية باستخدام البطاقات البايومترية، إلا أن ضيق الوقت بين إقرار القانون وموعد الانتخابات حال دون توزيع تلك البطاقات.
وأشار بيان المفوضية إلى أن "وزارة الخارجية اعتذرت أيضاً عن إجراء عملية التسجيل والاقتراع في السفارات والقنصليات العراقية".
وتتباين أصداء العراقيين المقيمين في الولايات المتحدة بخصوص إلغاء تصويت الخارج في الانتخابات البرلمانية بعد انتهاء موعد التصويت، إذ يعتقد طيف منهم أن المشاركة لن تكون مجدية، واصفين الانتخابات الحالية بأنها "أداة تستخدمها أحزاب السلطة لترسيخ سيطرتها على الدولة من جديد"، في حين يرى آخرون أن ما جرى يعد تجاوزاً على حقهم كناخبين وفق القانون العراقي.
"كرنفال شكلي" لا يقنع
وتشكلت الجالية العراقية في الولايات المتحدة من خلال العديد من موجات الهجرة في العقود الأربعة الأخيرة، إلا أن أبرزها تمثلت بموجة الهجرة الأولى لمعارضي النظام السابق في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فيما شملت الموجة الأخيرة المهاجرين بعد الغزو الأميركي للبلاد نتيجة تردي الأوضاع الأمنية واستهدافات الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة التابعة لهم.
ويرى الصحافي العراقي المقيم في واشنطن، معن الجيزاني، أن العراقيين في الولايات المتحدة "لم يتأثروا بقرار إلغاء تصويت الخارج، عدا مجموعات قليلة من الدوائر المقربة من أحزاب النظام الحالي".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، أن مزاج العراقيين في الولايات المتحدة إزاء الانتخابات في البلاد "شهد انعطافة كبيرة بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) وظهور الوجه البشع للنظام السياسي خلالها"، مبيناً أن "برود المجتمع الدولي في التعاطي مع الأحداث الدموية جعل العراقيين في كل أنحاء العالم يفقدون الثقة بالعملية الديمقراطية وقدرتها على إنتاج دولة قانون ومؤسسات".
ويبدو أن مشهد الانتخابات بالنسبة لغالبية العراقيين في أميركا لا يعدو سوى ما وصفه بـ"كرنفال شكلي"، بحسب الجيزاني الذي يشير إلى أن الشعور بعدم جدوى الاشتراك في الانتخابات "لم يعد محصوراً بعراقيي الداخل".
ويعتقد أن حالة اليأس من تغيير المشهد السياسي في العراقي "باتت تغلب على المزاج العام للجالية العراقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي شأن إمكانية أن تشكل الجاليات العراقية لوبيات ضغط على صانعي القرار في واشنطن ودفعهم إلى إحداث تغيير في المشهد السياسي العراقي، يلفت الجيزاني إلى أن "المجتمع الدولي الذي لم يتخذ أي مواقف حقيقية إزاء دماء شبان الانتفاضة، لن تحركه عمليات تزوير الانتخابات".
وعلى الرغم من إفادات مؤسسات دولية وازنة بأن العراق بعد "دولة فاشلة ينخرها الفساد وتسيطر عليها الميليشيات"، يشير الجيزاني إلى أن "القوى الدولية الرئيسة، ومن بينها الولايات المتحدة، ترغب في إنهاء الانتخابات بسلام للقول إن العراق بلد ديمقراطي".
"مخاوف" من تصويت الخارج
ويبدو أن خيارات ناشطي الاحتجاجات ساهمت في إلهام الجالية العراقية في الولايات المتحدة، إذ نظموا خلال الفترات الماضية العديد من الوقفات التي تطالب بـ"إنهاء الإفلات من العقاب".
ولعل الانتخابات التي يفترض بها أن تمثّل استجابة لمطالبات الناشطين العراقيين في احتجاجات أكتوبر 2019، لم تقنع مؤيديها في الولايات المتحدة، حيث تعتقد سارة طه، وهي عراقية تقيم في الولايات المتحدة، أن ما يجري يمثل مجرد "أضحوكة"، معبرة عن اعتقادها أن "الميليشيات والأحزاب التقليدية تستخدم الانتخابات وسيلة لشرعنة سيطرتها على النظام السياسي في البلاد مرة أخرى".
وتضيف أن الإشكالية الأكبر تتعلق بـ"مباركة المجتمع الدولي لما يجري، على الرغم من إحكام سلاح الميليشيات سيطرته على الوضع العام في البلاد، وعدم وجود أي ضمانات لنزاهة الانتخابات أو تساوي الفرص بين القوائم المشتركة".
ولعل إلغاء الانتخابات في الخارج يعد "دليلاً على الإشكالات الكبيرة التي تشوب الانتخابات الحالية"، كما تعبر طه، التي تشير إلى أن "الأحزاب الحاكمة متخوفة من أصوات ناخبي الخارج تحديداً بعد انتفاضة أكتوبر وحجم التأييد الكبير الذي حظيت به من الجالية العراقية في الولايات المتحدة".
حق قانوني ووسيلة رئيسة للتغيير
في المقابل، يعتقد العديد من العراقيين المقيمين في الولايات المتحدة أن الانتخابات تمثّل الوسيلة الوحيدة للتغيير في البلاد، معربين عن استيائهم من عدم شمولهم في ما سموه "الحق القانوني".
وتقول الناشطة المدنية فاتن الولي، والتي تقيم في مدينة شيكاغو الأميركية، إن "الانتخابات تمثل حقاً أصيلاً لكل من يمتلك الجنسية العراقية، سواء أكان في الداخل أو الخارج"، مشيرة إلى أن إلغاء انتخابات الخارج يمثل "خرقاً واضحاً للقانون العراقي".
وتعتبر الولي أن ما جرى يمثل رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن "النظام السياسي في العراق يحاول إقصاء الجاليات من التصويت، لعلمه بأن تصويتهم لن يصب في صالح الأحزاب التقليدية".
وتشير الولي إلى العديد من المتغيرات التي طرأت على الجالية العراقية في الولايات في المتحدة بعد احتجاجات أكتوبر، الأمر الذي خلق لدى العديد منهم رغبة كبيرة بالتغيير عبر الممارسة الديمقراطية".
وتشهد الانتخابات العراقية اهتماماً غير مسبوق، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على مستوى العالم، بخاصة بعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد عام 2019، وما خلفته من عدد كبير من القتلى والجرحى.