بعد 11 أسبوعاً من إعلانه الإجراءات الاستثنائية، في 25 يوليو (تموز) الماضي، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد، اليوم الاثنين، أمراً بتسمية الحكومة برئاسة نجلاء بودن.
وأدت الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمام سعيد، وهي الأولى في تاريخ البلاد التي تتولى رئاستها امرأة، وهي جامعية تم تكليفها في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي.
استقطاب سياسي حاد
ويتزامن تشكيل الحكومة مع أزمة اقتصادية ومالية، تمر بها تونس وفي نهاية سنة مالية، وفي ظل غياب قانون مالية تكميلي، وهو ما يطرح عليها تحديات اقتصادية ومالية كبرى، وسط تخوف من احتقان اجتماعي نتيجة ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم. كما تعيش تونس، منذ 25 يوليو، استقطاباً سياسياً حاداً بين مناصري سعيد ومعارضيه.
وتباينت ردود الفعل إزاء هذه الحكومة، بين من يرى أنها نتيجة وضع استثنائي تمر به تونس، ومن يرى أنها فريق عمل في يد رئيس الجمهورية، لتنفيذ مشروعه السياسي الجديد.
من خارج الأحزاب
أكد الباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، في تصريح خاص، أنها حكومة الظروف الاستثنائية في توصيفها الدستوري، وهي ليست "حكومة الرئيس" كما هو متداول، لأن الأخيرة تكون بالرجوع إلى الفصل 89 من الدستور.
وأضاف أن تركيبة الحكومة احترمت مبدأ التناصف، من خلال منح النساء تسع حقائب بين وزراء وكُتاب دولة، مشيراً إلى أنها حكومة منتدبة من خارج الأحزاب السياسية وتمثل إطارات الإدارة التونسية.
وشدد الخرايفي على أن هذه الحكومة ستنفذ سياسة سعيد، وهي مكافحة الفساد ووضع حد لتسيب الإدارة وتحسين الخدمات العامة، لافتاً إلى أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب توفر ثلاثة معايير، هي الكفاءة والنزاهة والجرأة في فتح الملفات الكبرى، بخاصة المتعلقة بالفساد.
واستدرك أن هذه الحكومة تنتهي مهامها بانتهاء الفترة الاستثنائية، ولا يمكنها أن تحل كل مشاكل البلاد التي تراكمت منذ عقود.
البرلمان في حكم المنتهي
من جهته، رحب أستاذ القانون العام، صغير الزكراوي، في تصريح صحافي، بالإعلان عن تشكيل الحكومة، واعتبر أنها ستكون مسؤولة أمام رئيس الجمهورية، ما يعني أن البرلمان في حكم المنتهي. وقال "دخلنا في مسار جديد قائم على المشروعية وإرادة الشعب".
وأكد الزكراوي أن الحكومة ستنفذ الاختيارات والسياسات العامة التي يرسمها ويضبطها رئيس الجمهورية، باعتباره يستأثر خلال الفترة الاستثنائية بجميع الصلاحيات.
سعيد والمسؤولية السياسية
أكد أستاذ التاريخ المعاصر، رئيس مركز المغرب العربي للدراسات الاستراتيجية، عدنان منصر، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه من السابق لأوانه الحكم على هذه الحكومة، لافتاً إلى الصعوبات الكبيرة التي ستواجهها، بخاصة في الجانب الاقتصادي والمالي، وانعكاساته المحتملة على الوضع الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر منصر أن هذه الحكومة ستشتغل تحت قيادة مباشرة من رئيس الدولة، وهو من سيتحمل المسؤولية السياسية لنجاحها أو فشلها.
وأشار إلى أن برنامجها لم يتضح بعد، عدا الأهداف الكبرى التي وضعتها وأعلنتها رئيسة الحكومة، موضحاً أن "تركيبتها غير مفهومة، فهل هي متجانسة أم لا، وهل لها القدرة على حل مشاكل البلاد؟".
وعن الأولويات، اعتبر أنها اقتصادية واجتماعية بالأساس، مؤكداً أن تونس تمر بوضعية مالية صعبة.
وأضاف أن الحكومة ستبقى تشكو مشكلة الشرعية، لأنها لم تنل ثقة البرلمان، وهي تستند إلى إعلان سعيد أنه يحتكر السلطة التشريعية فحسب.
حكومة انقلاب
في المقابل، اعتبر شاكر الحوكي، أستاذ العلوم السياسية والقانونية في كلية الحقوق بتونس، أنها "حكومة انقلاب"، ووصفها بـ"فريق عمل لرئيس الدولة، من أجل تنفيذ مشروعه الذي دعا إليه". وأكد أن رئيس الجمهورية أغفل الصعوبات الاقتصادية والمالية، التي تمر بها تونس.
واعتبر الحوكي أن "سعيد لا يفكر مالياً ولا اقتصادياً، بل يفكر فقط في تنفيذ مشروعه الذي يسميه بالتأسيس الجديد والموعد مع التاريخ، وهو يستغل ما سماه بؤس التونسيين وكرههم الفساد من أجل تمريره".