ما إن سلمت اللجنة الملكية للإصلاح السياسي في الأردن مخرجاتها للعاهل الأردني عبد الله الثاني، حتى دخل الأردنيون في جدل كبير على منصات التواصل الاجتماعي حول عبارة استوقفتهم أكثر من غيرها وأثارت شكوكاً في نفوسهم على إثر الحديث عن "الهوية الوطنية الجامعة"، وقوبل اقتراح بشأن تعزيز ما يُعرف بـ"الهوية الجامعة" برفض واسع في الأردن بعد الإعلان عنه كأحد مخرجات لجنة الإصلاح السياسي الملكية من دون الإفصاح عن تفاصيلها.
وتمحورت المخاوف الشعبية حول القلق من إنهاء "الهوية الأردنية" التي تتعلق بسكان الأردن الأصليين من القبائل والعشائر، وما قد يتبع ذلك من تداعيات قد تمتد لتطال "حق العودة" لفلسطينيي الأردن ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.
مصطلح مريب
ويبدي أردنيون مخاوف من أن يؤدي مصطلح "الهوية الجامعة" إلى تغييرات ديموغرافية في بلادهم، خصوصاً ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرض المملكة، إضافة إلى اللاجئين السوريين الذين يرفض معظمهم العودة الطوعية إلى بلادهم.
ومن بين أبرز المعترضين بشدة على ترويج مصطلح "الهوية الوطنية الجامعة"، النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي، الذي اعتبره مصطلحاً مريباً واستهجن الترويج له بدل الحديث عن دولة القانون والمؤسسات والمواطنة.
ويستند العرموطي في موقفه إلى الدستور الأردني الذي يعتبر أن جميع الأردنيين أمام القانون سواسية، أما مصطلح الهوية الجامعة فهو مصطلح غربي مرفوض ولا نقبله.
مخاوف... هل لها ما يبررها؟
وكان الملك الأردني عبد الله الثاني، قد تطرق لمصطلح "تعزيز الهوية الجامعة" خلال اجتماعه باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، لتخرج بعدها آلاف التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي والتغريدات على "تويتر" بوسوم متعددة ترفض كلها الفكرة وترد بأن "الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين" وسط مخاوف من تمييع الهوية الأردنية بهويات فرعية أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من توضيح وزير الشؤون البرلمانية الأردني موسى المعايطة بأن المقصود بالهوية الوطنية الجامعة سيادة القانون على الجميع، وأن التنوع داخل المجتمع مهم في تطور الدولة، فإن ذلك لم يكن كافياً لوقف حالة الجدل، وبين المعايطة أن الهدف هو وجود أحزاب سياسية في البرلمان توحد المواطنين وتجمعهم على أهداف سياسية للوصول إلى برلمان قائم على البرامج والكتل السياسية لتشكيل الحكومات البرلمانية من خلال وجود أغلبية حزبية تشكل الحكومة على أساس برامجها، ويكون للمجتمع حق في محاسبتهم وفق ذلك.
دمج الهويات الفرعية
ولعل ما يثير مخاوف البعض، أن الحكومة تتحدث، للمرة الأولى، عن ترتيبات لصهر ودمج الهويات الفرعية في الأردن بهوية وطنية جامعة، حيث تضم المملكة هويات متعددة تعبر عن أصول ومكونات الشعب الأردني من أصول فلسطينية وسورية وشركس وشيشان وغيرهم.
ويخشى أردنيون من أن يترجم هذا الأمر إلى تعديلات على قانون الانتخاب تفضي إلى محاصصة من حيث المقاعد النيابية لكل فئة من فئات الشعب الأردني بما يؤثر على المكون الأساسي وهم الأردنيون من أصول أردنية.
ويرى الباحث الاستراتيجي عمر الرداد أن هذا المصطلح ظل على الدوام مدار خلاف بين الأردنيين، ويرى أن الأمر ينطلق من فرضية أن هناك هويات وطنية مفككة مقابل تيارات واتجاهات لا ترى في هذه الهوية الجامعة إلا مرادفاً لـ"التوطين والوطن البديل"، وإلغاء حق العودة لسكان المخيمات في الأردن، ويؤكد الرداد أن مفهوم المواطنة تم إنجازه وفق معيار "الرقم الوطني"، أي أن كل من يحمل رقماً وطنياً، فإن هويته أردنية، داعياً إلى وقف الهواجس في هذا الشأن، والتي تصدر دائماً بسبب غياب عدالة التمثيل في قوانين الانتخاب ومحاولة الدولة الموازنة بين السكان والجغرافيا.
قوانين مقبلة
معلوم أن توصيات اللجنة الملكية للإصلاح السياسي، التي أطلقت مصطلح الهوية الجامعة مثار الجدل، لا تحظى بثقة 70 في المئة من الأردنيين وفق استطلاعات الرأي، لكنها تحظى بدعم العاهل الأردني وجهاز المخابرات الأردنية.
ويتوقع أن يقوم مجلس النواب الأردني بإجراء تعديلات بسيطة على مخرجات هذه اللجنة تمهيداً للتصويت عليها كقوانين، بعد أن تمت توافقات بين ثلاثة تيارات أساسية حاضرة في الحياة السياسية الأردنية، وهي التيار المدني، والتيار الإسلامي، والتيار المحافظ، أو ما يعرف بالدولة العميقة.