يبدو أن سياسة الإقالات التي اتبعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فشلت في وقف انهيار الليرة، إذ عمقت العملة التركية من خسائرها مقابل الدولار الأميركي، لتتجاوز نحو 17.5 في المئة خلال العام الحالي.
وفيما يربط الرئيس التركي بين الخسائر الفادحة التي يواجهها الاقتصاد التركي خلال السنوات الماضية وأسعار الفائدة المرتفعة، سجل التضخم ارتفاعات قياسية، مع إصرار البنك المركزي التركي على خفض الفائدة من دون وجود ما يبرر هذا الخفض، مخالفاً بذلك كل نظريات الاقتصاد التي تؤكد ضرورة استخدام أسعار الفائدة سلاحاً في مواجهة التضخم.
وبسبب معركة الفائدة، أقال أردوغان أكثر من محافظ للبنك المركزي التركي خلال العامين الماضيين. لكن محافظ البنك المركزي الحالي، الذي عُيِّن خلال الربع الأول من 2021، أعلن قبل أيام خفض أسعار الفائدة، ما تسبب في ارتباك شديد في سوق الصرف وعودة الدولار الأميركي إلى الارتفاع، لتسجل العملة التركية أدنى مستوى لها مقابل الورقة الأميركية الخضراء.
وأقال الرئيس التركي فجأة ثلاثة محافظين للبنك المركزي خلال العامين ونصف العام، بسبب خلافات بشأن السياسة النقدية والمالية للبلاد، ما أدى إلى تقويض الليرة وإلحاق ضرر شديد بصدقية السياسة النقدية والقدرة على التنبؤ بها.
كيف برر البنك المركزي خفض سعر الفائدة؟
وفق وكالة "رويترز"، قال محافظ البنك المركزي التركي، شهاب كافجي أوغلو، إنه من الخطأ ربط هبوط قيمة الليرة في الآونة الأخيرة بخفض البنك سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس إلى 18 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي.
وفي إجابته عن أسئلة من مشرعين في لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان التركي، قال كافجي أوغلو، إن خفض سعر الفائدة لم يكن مفاجأة وإن البنك المركزي لم يهمل واجباته.
على خلفية هذه التصريحات، هبطت الليرة بأكثر من 0.6 في المئة في تعاملات الأخيرة لتسجل مستوى قياسياً منخفضاً جديداً عند 9.02 مقابل الدولار الأميركي، ولتصل خسائرها منذ بداية العام إلى أكثر من 17.5 في المئة.
وكانت الليرة التركية قد تراجعت لما يتجاوز مستوى 8.9 مقابل الدولار في تعاملات الأسبوع الماضي، لتلامس أدنى مستوى لها بسبب مخاوف من خفض غير متوقع لأسعار الفائدة. وفي تعاملات أمس صعد الدولار بدعم مخاوف بشأن التضخم العالمي والتشديد المنتظر من البنك المركزي الأميركي.
ويعتبر محللون أن تيسير السياسة النقدية دليل جديد على تدخل سياسي من الرئيس أردوغان، وهو معارض قوي لأسعار الفائدة المرتفعة دأب على المطالبة بتحفيز نقدي على الرغم من صعود حاد في الأسعار. ونقلت "رويترز" عن مصادر، أن الرئيس التركي استشاط غضباً لأن تيسير السياسة النقدية استغرق وقتاً طويلاً، وأنه يفقد الثقة في كافجي أوغلو بعد أقل من سبعة أشهر من عزل المحافظ السابق.
تراجع تحويلات أتراك الخارج
ومن بين 20 محللاً اقتصادياً، توقع اثنان منهم في استطلاع حديث، أن يخفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة، خصوصاً أن جميع المعطيات القائمة تشير إلى ضرورة أن يواصل البنك المركزي التركي سياسة رفع أسعار الفائدة حتى يعود التضخم إلى معدلاته الطبيعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأثناء جلسة الاستماع في البرلمان، قال كافجي أوغلو إن احتياطيات البنك المركزي استقرت بعد تراجع في الأعوام القليلة الماضية، وإنها اتخذت اتجاهاً صعودياً. وتظهر بيانات أن صافي الاحتياطيات الأجنبية ارتفع منذ أبريل (نيسان) الماضي.
وأظهرت بيانات للبنك المركزي التركي أن الأتراك العاملين خارج البلاد حولوا 35 مليون دولار إلى البلاد في أغسطس (آب) الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 27 في المئة عن الفترة نفسها من العام السابق، وتراجع بنسبة 7.9 في المئة عن التحويلات خلال يوليو (تموز) الماضي.
ووفق وكالة "بلومبيرغ"، فقد بلغ إجمالي التحويلات إلى تركيا منذ بداية العام الحالي 326 مليون دولار، بتراجع نسبته 24 في المئة عن الفترة نفسها من عام 2020.
بيانات "مغلوطة" عن التضخم الحقيقي
وفيما يقول البنك المركزي التركي إن معدلات التضخم ما زالت عند مستهدفاته، كشفت مجموعة أبحاث التضخم التركية، في تقرير حديث، عن أن معدل التضخم الفعلي خلال الـ12 شهراً الماضية بلغ 44.7 في المئة، وأن معدل التضخم الشهري ارتفع بنحو 2.89 في المئة خلال سبتمبر الماضي. وأشارت المجموعة إلى تراجع رواتب ذوي الدخل المنخفض بنحو 700 ليرة بسبب ارتفاع التضخم هذا العام.
وقبل أيام، أعلن معهد الإحصاء التركي، في بيان، أن التضخم السنوي في السوق قفز بنسبة 19.58 في المئة، بينما صعد بنسبة 1.25 في المئة على أساس شهري، وبنسبة 13.04 في المئة مقارنة مع ديسمبر (كانون الأول) 2020.
وفي 23 سبتمبر الماضي، خفض المصرف المركزي التركي نسبة الفائدة الرئيسة بعد شهور من الضغوط التي مارسها أردوغان لهذا الغرض. وهذا هو الخفض الأول في عهد كافجي أوغلو بعد تكهنات كثيرة وغير مؤكدة في أنقرة هذا الشهر بأنه سيواجه مصيراً مشابهاً إذا لم يخفض المعدل. لكن متخصصين في الاقتصاد وشركات الأبحاث والدراسات انتقدوا هذه الخطوة واعتبروا قرار خفض الفائدة "محفوفاً بالمخاطر".
وقال تيموثي آش، المحلل في "بلوباي أسيت مانجمنت" في لندن، إنها "خطوة حمقاء... مخاطرة كبيرة. أردوغان يقامر بالليرة".
وكان الرئيس التركي قد وصف، في وقت سابق، معدلات الفائدة بأنها "مصدر كل الشرور". وأعلن في سبتمبر الماضي أنه يجب خفضها كي ينخفض التضخم، بما يتعارض مع العقيدة الاقتصادية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال محافظ البنك المركزي للمستثمرين إنه يتوقع تراجع أسعار الاستهلاك في الأشهر المقبلة، وإن البنك سينظر في التضخم "الأساسي".