في تقرير حمل عنوان "للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية"، نشر "المركز السوري للعدالة والمساءلة"، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، تحليلاً لعيّنة من آلاف الصفحات من الوثائق السرية، جُمعت من مراكز تابعة للنظام في محافظات سورية عدة، بعدما هُجِرت خلال الحرب.
وبالطبع لم يسلم الصحافيون من هذه إجراءات، إذ اتهمت وثيقة، صادرة عن مكتب الأمن القومي، صحافيةً لبنانية- فرنسية بـ"تحريض الشارع السوري وتجييشه على التظاهر"، مشيرةً إلى أنها "أول مَن دعا إلى تحطيم تمثال القائد الخالد (حافظ الأسد)". وحظّرت الوثيقة دخول تلك الصحافية إلى الأراضي السورية.
ممارسات منهجية
وصرّح مدير "المركز السوري للعدالة والمساءلة"، محمد العبد الله، أن "الوثائق تظهر بوضوح صدور الأوامر عن مسؤولين كبار، من بينهم رؤساء أجهزة أمنية، وعن مكتب الأمن القومي". إضافة إلى "طبيعة الأوامر، التي شملت نشر القوى العسكرية والمراقبة واستخدام القوة المميتة واضطهاد الأكراد، ما يشكّل دليلاً على ممارسات الدولة المنهجية، ويمكن استخدامه كإثبات يؤسّس لتحميل الحكومة السورية من جهة والأفراد من جهة أخرى، مسؤولية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
كذلك شملت وثائق عدة أوامر باعتقال المعارضين وإطلاق النار على المتظاهرين، وحدّدت عدداً منهم بالأسماء، وصنّفتهم كـ "إرهابيين"، من دون تقديم أي دليل على ذلك. وتظهر وثيقةً صادرة عن مكتب الأمن القومي، بعد شهرين من انطلاق التظاهرات، أمراً لرجال الأمن بوقف إطلاق النار ضد المتظاهرين. ويرى العبد الله أن مجرد إعطاء أمر بوقف إطلاق النار ضد المتظاهرين، يُثبت قيام الأجهزة الأمنية بذلك، مضيفاً أنه "لا يوجد أي دليل على تنفيذ هذه الأوامر، إذ استمرّ استهداف المعارضين بالرصاص".
اضطهاد الأكراد منذ ما قبل الثورة
وتطرّق التقرير أيضاً إلى ممارسات التوقيف والاعتقال التي اتبعتها الأجهزة الأمنية ضدّ المعارضين، بسبب التظاهر أو ممارسة أشكال أخرى من التعبير عن الرأي، بما فيها على سبيل المثال "شتم الرئيس خلال دعوة عشاء"، بناءً على إفادات مخبرين.
وإضافة إلى ما سبق، بيّنت وثائق، بعضها عائد إلى ما قبل العام 2010، مدى اضطهاد الدولة السورية الأكراد، إذ ورد في إحدى الوثائق وصف الحديث عن الثقافة الكردية بـ"الخيانة الوطنية"، فيما أشارت وثيقة أخرى إلى خطة حكومية لتجريم "النشاطات القومية الكردية".
وكانت تظاهرات المعارضة في سوريا انطلقت في مارس (آذار) 2011، وردّت الحكومة عليها بعنف، ما أدى إلى اندلاع المواجهات المسلحة بين المعارضين والقوات الحكومية، وتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. وبعد مرور نحو 9 سنوات، حصدت الحرب السورية أكثر من 400 ألف قتيل، فيما نزح ولجأ حوالي نصف سكان البلاد، البالغ عددهم 23 مليون شخص تقريباً، إلى مناطق آمنة داخل سوريا أو إلى البلدان المجاورة.
في المقابل، يرفض النظام السوري التعليق على أي مسألة أمنية أو تقرير يتهمه بانتهاك حقوق الإنسان، فيما يبرّر قمع المعارضين عبر وصفهم بـ "الإرهابيين". وجُمع جزء من الوثائق المحللة في العام 2013، من مراكز حكومية في محافظة الرقة وبلدة الطبقة (شرق سوريا)، وجزء آخر في العام 2015 من محافظة إدلب (غرب)، وذلك بعيد انسحاب قوات النظام منها.
وأجرى كل من "المركز السوري للعدالة والمساءلة" و"اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة" مسحاً ضوئياً للوثائق، التي بلغ عدد صفحاتها نحو 438 ألفاً، للاحتفاظ بنسخ رقمية عنها وتحليلها. وعرض الطرفان خدماتهما على النيابات العامة الأوروبية، للمساعدة في رفع دعاوى قضائية ضد مسؤولين سوريين ومحاكمتهم.