يستعد المستثمرون بالذهب وتجاره في مصر والعالم لتحقيق مكاسب في أسواق المعدن النفيس، وسط حالة الارتباك التي تشهدها الأسواق العالمية والمحلية مع تصاعد وتيرة التضخم والتخوف من موجات الركود التضخمي، الذي تتآكل معه القوة الشرائية للنقود ليعود المعدن الأصفر كأهم ملاذ آمن للاستثمار.
التضخم يصل إلى مستويات قياسية في مصر
وصعد معدل التضخم في القاهرة إلى أعلى مستوياته منذ 20 شهراً، بعدما أعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء عن قفزة في معدل التضخم في سبتمبر (أيلول) الماضي، بنحو 1.6 في المئة، ليسجل نحو 8 في المئة مقارنةً بـ 6.4 في المئة في أغسطس (آب) الماضي وسط توقعات بمزيد من الارتفاعات في أسعار السلع الأساسية.
زيادة في سعر الذهب
وقال رئيس شعبة الذهب في الاتحاد المصري للغرف التجارية، نادي نجيب، إن "أسعار الذهب واصلت الارتفاع على مدار الأيام الماضية لتسجل اليوم الأربعاء (13 أكتوبر/تشرين الأول) ارتفاعاً جديداً في الأسعار بقيمة لم تقل عن جنيهَين (حوالى 0.127 دولار أميركي)"، مضيفاً أن "موجات التضخم يُصاحبها في مصر إقبال كبير على شراء المعدن النفيس بكثافة. ويرتبط الإقبال على شراء الذهب بعدة عوامل أهمها معدلات التضخم وأسعار الفائدة، إذ يُقبل المستثمرون والمدخرون على المعدن الأصفر كوسيلة حماية ضد تراجع القدرة الشرائية للعملات المحلية، بينما يتم العزوف عنه في حال رفع أسعار الفائدة، وارتفاع العائد على أدوات الدين".
عيار 21 يرتفع دولاراً في أسبوع
وأوضح نجيب لـ "اندبندنت عربية" أن "سعر غرام الذهب عيار 21 (الأكثر شعبية في مصر) ارتفع بمقدار 16 جنيهاً (حوالى دولار واحد) في أقل من أسبوع"، مؤكداً أن "سعر الغرام سجل اليوم الأربعاء 789 جنيهاً (50 دولاراً)، مقابل 773 جنيهاً (49 دولاراً) الأربعاء الماضي، بنسبة زيادة بلغت 2 في المئة منذ الإعلان عن ارتفاع معدلات التضخم"، متوقعاً أن تواصل أسعار الذهب وتيرة الزيادة خلال الفترة المقبلة.
انحسار موجة التضخم العالمية
من جانبه، توقع الباحث في مجال الاقتصاد الكلي، نعمان خالد، "انحسار موجة التضخم العالمية قبل نهاية النصف الأول من عام 2022 على أقصى تقدير"، مؤكداً أن "أزمة التضخم العالمية التي تضرب العالم متوقَعة بعد الغلق الذي طال بلدان العالم لفترات طويلة على إثر جائحة كورونا ومع زيادة معدلات التطعيم في مختلف البلدان وعودة معدلات الانتاج إلى الزيادة، والمقترنة بزيادة في الطلب، ما تسبب بالنهاية بارتفاع الأسعار في العالم، حيث زادت معدلات النمو الاقتصادي بشكل مفاجئ في كل البلدان من دون أن تكون هناك في المقابل استعدادات كافية من قبل منتجي الطاقة والمصانع حول العالم للوفاء بحجم الطلب بعد الفتح الاقتصادي".
كما توقع خالد أن تكون "الأسعار الحالية للغاز والطاقة حالياً مغرية لكل منتجي الطاقة في العالم لزيادة الإنتاج، الأمر الذي سينجم عنه في النهاية تصحيح مسار السوق العالمي وعودة الاستقرار في غضون أشهر".
وحول التأثيرات المتوقعة على السوق المصرية جراء الأزمة المالية العالمية، أكد الباحث الاقتصادي أن "مصر تشهد زيادات متباينة منذ بداية العام الحالي في معدلات التضخم بالتزامن مع ظهور اللقاحات وانتشارها حول العالم، وهو رد فعل طبيعي في دولة مثل مصر، أن لا تبقى المستويات حول هذا المعدل مع بداية التعافي".
وكشف أن "التوقعات كانت تشير إلى ارتفاع معدلات التضخم حتى 6 في المئة بنهاية عام 2021 وليس الآن. لكن التسارع الذي حدث وشهده شهر سبتمبر مسجلاً 1.6 في المئة على أساس شهري هو معدل كبير مقارنةً بالمستويات التي كانت قبل عام 2016 الذي شهد بداية الإصلاح الاقتصادي".
الذهب فقد 15 في المئة من قيمته
وفقد المعدن النفيس مركزه كملاذ عالمي آمن للاستثمار مع صعود مؤشر الدولار الأميركي نحو 15 في المئة من قيمته منذ بداية العام، بعد أن هبط من مستويات قياسية عندما تخطى سعر الأوقية 2000 دولار ليصل إلى نحو 1750 دولاراً خلال الفترة الماضية وفقاً لوكالة "بلومبيرغ"، التي أكدت أن الحديث عن استعادة بريق الذهب طرح نفسه بقوة في الأيام الأخيرة، نتيجة للارتفاعات الملحوظة في معدلات التضخم عالمياً، والمخاوف من شبح الركود التضخمي، الذي يعني زيادة في الأسعار مع تباطؤ النمو الاقتصادي.
الذهب استثمار أفضل على المدى البعيد
وتابعت أن الذهب يُنظَر إليه على مر التاريخ باعتباره الاستثمار الأفضل عند ارتفاع معدلات التضخم. وذكرت الوكالة أن المستثمرين يراهنون على أن البنوك المركزية ستبدأ قريباً خفض التحفيز وزيادة تكاليف الاقتراض. ونقلت على لسان عدد من مديري صناديق الاستثمار، أن الذهب لا يُعتبر تحوطاً مناسباً ضد التضخم في الأجل القريب، لكنه قد يكون أفضل على المدى البعيد.
توقعات باستمرار وتيرة ارتفاع أسعار الذهب
من جانبها، قالت الباحثة الاقتصادية، بسنت فهمي، إن "التوقعات تشير إلى صعود كبير في أسعار المعدن الأصفر نتيجة الإقبال الشديد، إذ إننا تعودنا في مصر على أن التناسب بين التضخم والذهب طردياً". وأوضحت أنه "إذا ارتفع معدل التضخم صعدت أسعار الذهب تلقائياً".
وتوقعت فهمي أن تشهد الأسواق العالمية تضخماً حاداً في الفترة المقبلة، وهو ما قد يدفع البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، في محاولة لاستعادة المستثمرين بالذهب من جديد ونقل مدخراتهم إلى البنوك، مشيرةً إلى أنه "على الرغم من ذلك فإن الذهب سيشهد إقبالاً نتيجة المعدلات المرتفعة لمؤشرات التضخم التي قللت من نسبة الفائدة الحقيقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعالمياً، حذر صندوق النقد الدولي من استمرار وتيرة ارتفاع التضخم على الأرجح في الأشهر المقبلة قبل أن يعود إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا بحلول منتصف عام 2022، وإن ظلت مخاطر تسارع التضخم قائمة.
أسعار السلع الأولية تتصاعد بسرعة
وأشار صندوق النقد الدولي في أحدث إصدارات تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، إلى أن "التعافي الاقتصادي في العالم أدى إلى إذكاء الزيادة المتسارعة في التضخم هذا العام بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة، مدفوعاً بالطلب الذي يزداد قوة، ونقص المعروض، وأسعار السلع الأولية المتصاعدة بسرعة".
التضخم بالاقتصادات المتقدمة
وأشار التقرير إلى أن "التضخم السنوي في الاقتصادات المتقدمة سيصل إلى الذروة عند متوسط 3.6 في المئة في الأشهر الأخيرة من هذا العام قبل أن يرتد إلى معدل 2 في المئة في النصف الأول من عام 2022". ولفت إلى أن "الأسواق الصاعدة ستشهد ارتفاعات أسرع حتى تصل إلى متوسط 6.8 في المئة، ثم يتراجع هذا المتوسط إلى أربعة في المئة"، موضحاً أنه "حتى عندما تكون التوقعات على درجة جيدة من الثبات، فإن تجاوز هدف التضخم الذي حدده صنّاع السياسات لفترة مطوّلة من شأنه إطلاق توقعات التضخم بعيداً من المستهدف".