لم يكن صدفة تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، بشأن خطة تعزيز الاستيطان في الجولان، والجهود التي تبذلها الحكومة عبر وزاراتها المختلفة لتشجيع سكان المركز على الانتقال إلى الجولان والسكن هناك، مع تقديم محفزات وهبات خاصة.
فقد جاءت زيارة بيينت إلى الجولان وتصريحاته عشية وصول وزير الخارجية والرئيس المقبل للحكومة الإسرائيلية، يائير لبيد، إلى واشنطن ولقاء المسؤولين هناك. فالجولان من المناطق التي تندرج ضمن مواضيع النقاش بين حكومة لبيد- بينيت، وإدارة جو بايدن في واشنطن، بعد ما عبر مسؤولون أميركيون عن رغبة رئيسهم في التراجع عن اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بسيادة إسرائيل على الجولان.
وبالنسبة إلى بينيت- لبيد، فإن الحفاظ على ما تعتبره إسرائيل إنجازاً استراتيجياً كبيراً في الاعتراف الأميركي بالسيادة على الجولان هو أمر في غاية الأهمية والأولويات الاستراتيجية.
ولكن، في مقابل هذه الجهود الإسرائيلية، تطرح في هذه الأيام على الأجندة العربية والدولية خطة إسرائيلية لإقامة التوربينات (المراوح الهوائية) على أراضي الجولان السوري، بعد السيطرة عليها من سكانها السوريين الأصليين. فالاحتجاج على هذه الخطة لا يقتصر على رفض الجولانيين التنازل عن أرضهم لهذا المخطط الإسرائيلي، إنما الأضرار البيئية والصحية التي تلحق بالجولانيين، الذين يسكنون في مناطق قريبة من أماكن التوربينات. وهو أمر سيُطرح من جانب الجمعيات والمؤسسات الفاعلة في مجال الصحة والبيئة وحقوق الإنسان. ما يضع إسرائيل أمام موقف حرج في طرحها لملف الجولان.
4 آلاف وحدة وجلسة خاصة في الجولان
كانت الخطوات الأولى لخطة الحكومة في تعزيز الاستيطان في الجولان، مباشرة سلطة ما يسمى دائرة أراضي إسرائيل بتسويق 99 وحدة سكنية خلال العام الجاري، فيما تعمل وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية على اتخاذ قرار حكومي يضمن تنفيذ مشاريع استيطانية في الجولان وتقديم امتيازات وهبات. ما يضمن مضاعفة عدد سكان الجولان في غضون أربع سنوات ليصل إلى 8400 وحدة سكنية تكون آهلة بالمستوطنين.
وفي أعقاب إعلان بينيت عن مشروع حكومته الاستيطاني، خلال زيارة الجولان والمشاركة في مؤتمر اقتصادي، أعلن وزير البناء والإسكان، زئيف إلكين، عن مباشرة تسويق الوحدات السكنية وفق الخطة التي عرضها بينيت. وبحسب الكين، فإن "هضبة الجولان منطقة استراتيحية ومهمة للغاية، وبرنامج مضاعفة عدد السكان فيها سيعزز قوة المنطقة ويساعد في تحديث وبناء البنى التحتية اللازمة لتطوير المستوطنات".
وفي سياق رسالة الكين لواشنطن عشية وصول لبيد، شدد على أنه "في الوقت الذي نمنع فيه إيران والجماعات المسلحة من التموضع العسكري في الجولان في الجانب السوري، نحن في الجانب الإسرائيلي نستمر ونتعمق ونتوسع ونضاعف الاستيطان".
تغيير وجه الجولان... وما وراء الحدود
بالنسبة إلى بينيت، ووفق حديثه في المؤتمر، فإن الجولان منطقة في غاية الأهمية الاستراتيجية، وفي غضون شهر ونصف الشهر ستعقد جلسة خاصة في الجولان، للمصادقة على خطة أعدتها إسرائيل ضمن مخطط تعزيز الاستيطان في الجولان، وأطلقت عليها "الخطة الوطنية لهضبة الجولان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضمن هدف مضاعفة السكان، سيتم بناء بلدتين جديدتين على أن تضمن الحكومة فرص عمل واستثمارات لبنى تحتية ومشاريع اقتصادية وهبات لمن يوافقون على الانتقال من المركز والجنوب إلى الجولان.
وتهدف هذه الخطة إلى تغيير وجه الجولان، بحيث تهيمن المشاريع الاستيطانية على كل ما تبقى من معالم سورية في هذه المنطقة. فقد تحدث بينيت عن أهمية هذه الأرض استراتيجياً بالنسبة إلى إسرائيل، قائلاً إنه "سيكون من الأفضل أن تكون هذه الأرض الجميلة والاستراتيجية في أيدي إسرائيل".
وفي رسالة أخرى لواشنطن، تطرق لبيد إلى الوضع ما بعد الحدود، قائلاً "لا يمكن الحديث عن الجولان من دون التطرق إلى ما يجري وراء الحدود وعلى الجانب الآخر من الجولان، وفي سوريا بشكل عام. نحن نتابع عن كثب ما يجري في سوريا وعلاقتها بإيران التي تسعى لتبعث بوكلائها وتقيم جيوشاً بهدف تطويق إسرائيل لتشكيل جيش آخر على هضبة الجولان".
وكان لبيد قد استبق قبل فترة إعلان الحكومة عن خطة الاستيطان في الجولان، ليعلن أن الجولان منطقة استراتيجية مهمة وأي حديث عن إلغاء الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل عليها يشكل ضرراً بأمن إسرائيل. وأكد على ضرورة تنفيذ الخطط للحفاظ على الجولان كمنطقة استراتيجية مهمة.
الجولانيون يحتجون
حال وصول بينيت إلى الجولان، نظم سوريون في هذه المنطقة وقفة احتجاجية، وعقدوا اجتماعاً في بلدة مسعدة اعتراضاً على السياسة الإسرائيلية تجاه الجولان، المتمثلة في الاستيطان وبناء التوربينات (المراوح الهوائية) لتوليد الكهرباء على مساحات شاسعة من أراضيهم.
ويخوض السكان حملة متصاعدة منذ الإعلان عن خطة بناء التوربينات، إذ يرفضون التنازل عن أراضيهم أو بيعها. وفي هذه الأثناء، تنفذ خطوات لتصعيد المعركة إلى المحافل الدولية لمنع إسرائيل من أي خطوة تنتهي بإقامة المروحيات الهوائية. وطرح هؤلاء المخاطر البيئية والصحية للتوربينات على السكان إلى جانب السيطرة على أراض مسجلة بملكية أصحابها الأصليين.
وكانت معركة الأهالي ضد هذا المخطط قد بدأت قبل أكثر من عامين، عندما صادقت "اللجنة الوطنية للتخطيط والبنى التحتية" الإسرائيلية على مشروع التوربينات وفازت شركة "إنرجكس" للطاقة البديلة، وهي شركة إسرائيلية، في المناقصة لتنفيذ المشروع الذي يشمل إقامة 32 مروحة يبلغ ارتفاع كل منها 220 متراً، وبحسب إسرائيليين فإنها الأكبر حجماً في العالم.
وأعلن عن فوز الشركة على الرغم من مئات الاعتراضات التي قدمت ضد المشروع من أصحاب الأراضي، ومن مؤسسات زراعية، لما تشكله من مخاطر بيئية وزراعية. وتقدم بالاعتراضات المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان، وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل، وجمعية "مخططون من أجل حقوق التخطيط"، وغيرها. لكن اللجنة الإسرائيلية الرسمية رفضت هذه الاعتراضات، ولم يتبق أمام الأهالي إلا نقل المعركة إلى المحافل الدولية ووضع ملف الجولان على رأس الأجندة المحلية العربية.