تسود في لبنان، الجمعة، 15 أكتوبر (تشرين الأول)، أجواء توتر وسط تحضيرات لتشييع قتلى، غالبيتهم عناصر ينتمون إلى "حزب الله" و"حركة أمل"، سقطوا خلال اشتباكات عنيفة، الخميس تزامناً، مع تظاهرة دعا لها الحزبان ضد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت.
وشهدت بيروت واحدة من أعنف المواجهات الأمنية منذ سنوات في تصعيد خطير يُنذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة بعد أكثر من شهر فقط على تشكيل حكومة يفترض أن تركز نشاطها على وضع خطة لإخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي المستمر فيها منذ أكثر من عامين.
وأسفرت الاشتباكات التي لم تتضح ملابساتها حتى الآن عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم امرأة، لديها خمسة أبناء وبنات، وأصيبت بطلق ناري في رأسها أثناء تواجدها في منزلها، فضلاً عن إصابة عشرات آخرين بجروح.
ويسيطر منذ عصر الخميس هدوء على منطقة الاشتباكات وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني، ونصبه حواجز تفتيش للسيارات والآليات العابرة.
"غير مقبولة"
قال الرئيس اللبناني ميشال عون إن أحداث العنف في بيروت، "غير مقبولة"، متعهداً بمحاسبة المسؤولين عنها والمحرضين، ومطمئناً اللبنانيين أن "عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. ونحن ذاهبون باتجاه الحل وليس في اتجاه أزمة".
وأضاف عون، "لن نسمح لأحد أن يأخذ لبنان رهينة لمصالحه الخاصة... ولن نسمح بأن يتكرر ما حدث اليوم تحت أي ظرف"، مضيفاً أن الأحداث ستكون موضع متابعة أمنية وقضائية.
وأصدر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مذكرة أعلن فيها يوم غد الجمعة "يوم إقفال عام حداداً" على الضحايا.
حركة نزوح كثيفة
وجاءت كلمة عون بعد يوم دموي في بيروت. فبالتزامن مع بدء اعتصام لمؤيدين لـ"حزب الله" و"حركة أمل" ضد المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، صباح الخميس، أطلق مجهولون، في منطقة الطيونة، الرصاص على مجموعات كانت تتجه إلى قصر العدل، ما أدى إلى سقوط ستة قتلى و30 جريحاً على الأقل، وانتشار الجيش وإغلاقه عدداً من الشوارع المحيطة. وشهدت مدارس المنطقة حالة هلع بين الطلاب وهرع أهلهم لإعادتهم إلى منازلهم، كما سجّلت حركة نزوح كثيفة من السكان إلى مناطق أكثر أمناً.
وتعرض القاضي بيطار خلال الأيام الأخيرة لحملة ضغوط قادها "حزب الله" اعتراضاً على استدعائه وزراء سابقين وأمنيين لاستجوابهم في إطار التحقيقات التي يتولاها، تخللها مطالبات بتنحيته.
وتحولت مستديرة الطيونة، على بعد عشرات الأمتار من قصر العدل حيث مكتب بيطار، إلى ساحة حرب شهدت إطلاق رصاص كثيف وقذائف ثقيلة وانتشار قناصة على أسطح أبنية، على الرغم من انتشار وحدات الجيش سريعاً في المنطقة. وأفادت معلومات صحافية باعتقال الجيش عدداً من مطلقي النار.
هوية الأطراف
وعلى وقع الاشتباكات، أعلن الجيش اللبناني أنه "خلال توجه محتجين إلى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة- بدارو"، من دون أن يحدد هوية الأطراف التي بدأت إطلاق الرصاص. وحذر الجيش من أن وحداته "سوف تقوم بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يتواجد على الطرقات وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار"، مناشداً المدنيين إخلاء الشوارع.
وأعلن وزير الداخلية بسام مولوي، عقب اجتماع لمجلس الأمن المركزي لمتابعة التطورات، أن "الإشكال بدأ بإطلاق النار من خلال القنص" ما أسفر عن "إصابات بالرأس"، متحدثاً عن سقوط ستة قتلى.
تحرك عون وميقاتي
رئيس الجمهورية ميشال عون أجرى اتصالات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الدفاع والداخلية وقائد الجيش وتابع معهم تطورات الوضع الأمني في منطقة الطيونة وضواحيها، وذلك لمعالجة الوضع تمهيداً لإجراء المقتضى وإعادة الهدوء إلى المنطقة.
وبعد تفاقم الاشتباكات، دعا رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الجميع "إلى الهدوء وعدم الانجرار وراء الفتنة لأي سبب كان". وتابع مع قائد الجيش العماد جوزيف عون الإجراءات التي يتخذها الجيش لضبط الوضع وتوقيف المتسببين بالاعتداء. كما تواصل ميقاتي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري للغاية ذاتها. وتابع مع وزيري الداخلية والدفاع الوضع طالباً عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن المركزي لبحث الوضع.
تبادل الاتهامات
وفي شوارع مؤدية إلى مستديرة الطيونة، شوهد مسلحون بينهم مقنعون، من حركة "أمل" و"حزب الله" وقد وضع بعضهم شارات تؤكد انتماءهم الحزبي، يطلقون النيران باتجاه أبنية يوجد فيها قناصة، فيما لم يكن الطرف الآخر واضحاً للعيان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتهم "حزب الله" وحركة "أمل"، في بيان مشترك، "مجموعات من حزب القوات اللبنانية"، أبرز الأحزاب المعارضة لهما، بـ"الإعتداء المسلح" على مناصريهما.
في المقابل، نفى حزب "القوات اللبنانية" هذه الاتهامات، داعياً القوى الأمنية لإجراء التحقيقات والكشف عن ملابسات ما جرى. واستنكر رئيس "القوات"، سمير جعجع، ما حصل في محيط منطقة الطيونة، معتبراً أن " السبب الرئيسي لهذه الأحداث هو السلاح المتفلت والمنتشر والذي يهدد المواطنين في كل زمان ومكان".
وبعد اشتباكات استمرت ساعات عدة، عاد الهدوء ليسيطر على المنطقة وسط خشية من تصعيد جديد.
وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صباحاً صوراً لأطفال يجلسون أرضاً في إحدى القاعات المدرسية، فيما وجه سكان خلال النهار نداءات لإجلائهم من المنطقة، التي شهدت حركة نزوح نحو منطاق أكثر أمناً.
دعوة "حزب الله" و"أمل" لعزل بيطار
وكان "حزب الله" و"حركة أمل" دعيا إلى الاحتجاج الخميس أمام قصر العدل على أداء المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، الذي اتهمه أمين عام الحزب حسن نصرالله، قبل أيام، بأنه يعمل على "تسييس" الملف.
وتثير التحقيقات في الانفجار، الذي وقع في 4 أغسطس (آب) 2020، انقساماً حاداً في البلاد، بخاصة مع رفض متهمين من نواب ووزراء سابقين المثول أمام القضاء.
وفي تطور لصالح المحقق بيطار، قررت الغرفة الأولى لدى محكمة التمييز المدنية عدم قبول طلب الرد الثاني للقاضي بيطار المقدم من وكيلي النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر.
وكان رئيس الحكومة أرجأ أمس الأربعاء جلسة كانت مخصصة للبحث في مسار التحقيق مع مطالبة "حزب الله" بعزل بيطار.
ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وطلبه ملاحقة نواب ووزراء سابقين وأمنيين، يخشى كثيرون أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل بيطار، على غرار سلفه فادي صوان الذي نُحي في فبراير (شباط) الماضي، بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.
ويقود وزراء "حزب الله"، القوة السياسية والعسكرية الأبرز، الموقف الرافض لعمل بيطار، ويتهمونه بـ"الاستنسابية والتسييس" ويطالبون بإزاحته من منصبه.
السعودية تعرب عن أملها في استقرار الأوضاع بأسرع وقت
وفي جديد الردود والمواقف، قالت وزارة الخارجية السعودية في بيان، الجمعة، إن المملكة تتابع باهتمام الأحداث الجارية في لبنان وتعرب عن أملها في استقرار الأوضاع بأسرع وقت، وأضاف البيان السعودي، "تتطلع المملكة إلى أن يعم لبنان الأمن والسلام بإنهاء حيازة واستخدام السلاح خارج إطار الدولة وتقوية الدولة اللبنانية لصالح جميع اللبنانيين من دون استثناء".
إيران: بيروت ستتغلب على الفتن
وذكرت قناة "برس تي في" الحكومية في إيران على "تويتر"، أن طهران تدين مقتل محتجين في لبنان، ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زادة قوله، "إن إيران تؤمن بأن الشعب والحكومة والجيش والمقاومة اللبنانية سوف يتغلبون بنجاح واعتزاز على الفتن المتجذرة في الكيان الصهيوني".
إليكم تغطيتنا لأحداث العنف التي شهدتها بيروت عندما حدثت.