تمكنت ميليشيات الحوثي في 23 من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، من خنق محافظة مأرب بفتح ثغرة جنوبية لم تكن في حسبان القوات المناوئة لها.
فبعد أن فشل الحوثي في اختراق الضاحية الشمالية والشمالية الغربية لمأرب عبر الطرق والاتجاهات التقليدية، نجحت في الأسابيع الماضية في إحداث خرق جوهري مفاجئ باهظ التكلفة على القوات الحكومية بسيطرته على مديريات، هي بيحان، وعين، وعسيلان بشبوة، وحريب بمأرب، في مسعى لبسط سيطرته على المحافظتين النفطيتين عقب مواجهات محدودة.
التقدم الحوثي الذي فاجأ الجميع يسعى إلى ضرب عصفوري مأرب وشبوة بحجر هجوم مباغت واحد، في محاولة للسيطرة على الحقول النفطية في مديرية عسيلان بشبوة، وحقول صافر بمأرب، وخنق الأخيرة من جهاتها الشرقية والجنوبية وقطع الطريق الرابط بين المحافظتين المتجاورتين والمحافظات الجنوبية، إضافة إلى الطريق الدولي القادم من السعودية قائدة التحالف الداعم للشرعية.
تشهد مداخل مديرية الجوبة في اليمن معارك عنيفة بعد تقدم ميداني أحرزته قوات ميليشيات الحوثي، في مسعى حثيث للسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط وآخر قلاع الشرعية اليمنية شمالاً.
ومنذ ثلاثة أسابيع، تتواصل المعارك بين الطرفين بعد اصطدام القوات الحوثية الضخمة بخط دفاعي المديرية المكون من قوات الجيش مسنودة برجال قبائل مأرب والمحافظات المجاورة.
من الدفاع للهجوم
وقال الضابط في التوجيه المعنوي بالمنطقة العسكرية الثالثة، شاجع بحيبح، إن المعارك تدور الآن على مشارف قريتي "واسط" و"الروضة" المحاذيتين لمديرية حريب والبيضاء، في عملية هجومية للجيش اليمني في مسعى لاستعادة المنطقتين المذكورة بعد تقدم طفيف للميليشيات خلال الأيام الماضية".
وأوضح بحيبح أن المعارك احتدمت بلا توقف "عقب تسللات محدودة للميليشيات الحوثية تعاملت معها قوات الجيش والمقاومة الشعبية، ممثلة ببني سيف من قبائل مراد، إضافة للإسناد الجوي الذي تشنه مقاتلات التحالف العربي، وأوقفت زحف الميليشيات المنتحر نحو مأرب".
وتكمن أهمية مديرية الجوبة في كونها محاذية لمدينة مأرب، أهم المعاقل العسكرية والسياسية والاقتصادية للحكومة الشرعية.
ووفقاً لبحيبح فإن قوات الجيش والمقاومة باتت هي الطرف المبادر للهجوم، بعد أن ظلت خلال الأسابيع الماضية في خانة الدفاع، مؤكداً أن "المبادرة باتت تميل لصالح الجيش بالتزامن مع تعزيزات عسكرية وصلت لخطوط المواجهات بإشراف وزير الدفاع اللواء ركن محمد المقدشي".
منطقة عمليات
وتأتي التطورات الميدانية بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع وهيئة رئاسة الأركان اليمنية إدراج عدة مناطق تتوسط مأرب والبيضاء المتجاورتين إلى مسرح عمليات عسكرية خلال الساعات القادمة.
وقالت رئاسة هيئة الأركان في بيان، إن طريق (الجوبة حريب مأرب – الجوبة قانية البيضاء) منطقة عمليات عسكرية. وأهابت بجميع المواطنين والأهالي الحذر حفاظاً على أرواحهم وممتلكاتهم.
يأتي ذلك بالتزامن مع تغير موازين المعارك واستعادة قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية زمام المبادرة في معارك الجوبة، جنوب مأرب، عقب تمكن الميليشيات الحوثية من التسلل إلى قريتي واسط والروضة بين حريب والجوبة.
في حين ذكر ناطق ميليشيات الحوثي، يحيى سريع، اليوم، أن قواتهم أصبحت اليوم على مشارف مدينة مأرب من عدة جهات بعد أن تقدمت من مديريات عدة بمأرب، وتمكنت من "تحريرها بشكل كامل". في حين نشر حسين العزي، القيادي في الكيان السياسي للميليشيات، صورة لمن وصفه بوكيل محافظة مأرب المعين من قبل الجماعة التي تسيطر على العاصمة صنعاء، بجوار مستشفى الجوبة، في إشارة لسيطرة القوات على المنطقة. أضاف أن مسلحي الميليشيات قد دخلت إلى منطقة واسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تعزيزات عسكرية تكشف عن الأهمية التاريخية للمعركة المحتدمة التي وصفها رئيس الوزراء اليمني بأنها "ستحدد مسار الحرب"، دفع الطرفان على مدى اليومين الماضيين، بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى الجبهات الأمامية في مناطق المواجهات بمديرية الجوبة، لتعزيز خطوطهما.
رد فعل متأخر
وفي محاولة لفهم المآلات المحتملة لإعلان وزارة الدفاع الجوبة منطقة عمليات عسكرية، يقول المتخصص في المجال العسكري اليمني، عبدالعزيز الهداشي، إن الإعلان غير مفهوم، ولا يمكن قراءته في سياقه الموضوعي.
وتساءل عما يعنيه هذا الإعلان، "بعد أن أسقطت الميليشيات عدة مديريات، وقطعت نحو 90 كم من حدود البيضاء، وحتى الجوبة وكأن وزارة الدفاع وهيئة الأركان اكتشفت الآن وجود معارك حقيقية على الأبواب الجنوبية لمأرب".
ويتوقع الهداشي أن إعلان الدفاع جاء محاولة لرفع الروح المعنوية لقوات الجيش والمقاومة الشعبية، للإيحاء بأن هناك عملية عسكرية مرتقبة مضادة للمليشيا، وهو "يذكرنا بإعلان مماثل للجيش بعيد سقوط فرضة نهم (سلسلة مرتفعات شاهقة تطل على العاصمة صنعاء) فيما لم نشهد شيئاً يذكر حتى تقدم الحوثي إلى مشارف مدينة مأرب".
صواريخ باليستية ونزوح
واستهدفت ميليشيات الحوثي بـ3 صواريخ باليستية عدة قرى في مديرية الجوبة، جنوب محافظة مأرب، ما أدى إلى مقتل 4 بينهم امرأتان، وإصابة 6 بينهم أطفال، إضافة لتدمير عدد من السيارات المدنية.
هذا الحال دفع المئات من السكان للنزوح إلى مدينة مأرب هرباً من القصف الحوثي واشتداد المعارك.
مأرب ستحدد مسار المعركة
الحكومة الشرعية التي تعد مأرب آخر قلاعها في الشمال اليمني، تعول على هذه المعركة لمنع مزيد من الانهيار للحيلولة دون حصول الميليشيات على موقع تفاوضي أقوى في محادثات السلام المزمع عقدها مستقبلاً برعاية دولية.
ونقلت قناة اليمن الرسمية عن رئيس الوزراء اليمني، معين عبدالملك، قوله إن المعركة في مأرب بين الجيش والحوثيين ستحدد مسار الحرب إلى "حد كبير"، مؤكداً أن الحوثيين لم يكونوا جادين في المفاوضات السابقة.
كما لفت رئيس الوزراء اليمني إلى أن الجهود الأميركية تراوح مكانها نتيجة تعنت الحوثيين.
واتهم رئيس الحكومة اليمنية في وقت سابق، الحوثيين المدعومين من إيران، بتصعيد النزاع في البلاد، محملاً إياهم مسؤولية انفجار سيارة مفخخة في مدينة عدن.
وفي تصريحات أدلى بها في القاهرة غداة التفجير الذي أوقع ستة قتلى، قال معين عبدالملك، "إنه تصعيد للعنف من قبل الميليشيات الحوثية، الحكومة المتشددة في إيران تدفع الحوثيين نحو مزيد من العنف".
مناشدة دولية
ووجه المندوب الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة، عبدالله السعدي، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومجلس الأمن الدولي، ناشد فيها "اتخاذ إجراءات حاسمة وعاجلة ضد ميليشيات الحوثي لرفع الحصار عن العبدية وإنقاذ أرواح آلاف المدنيين معظمهم من النساء والأطفال والمرضى، والسماح بتدفق المواد الغذائية والإمدادات الطبية، ووقف القتل الممنهج للمدنيين بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وأنواع أخرى من الأسلحة، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم".
وأشار السعدي إلى أن منع المليشيات الحوثية الطواقم الطبية من الوصول إلى قرى المديرية، تسبب في كارثة طبية وصحية بين المدنيين، وأن "عرقلة وصول المواد الغذائية والدوائية وعدم السماح للمنظمات الدولية والمحلية للوصول للقرى ما هو إلا استخدام من الحوثيين للمجاعة كسلاح، وهو يرقى إلى مستوى جريمة حرب".