لا يختلف الوضع الصحي في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" عن واقع وزارة الصحة في قطاع غزّة، فكلاهما يعاني من أزمات في توفر الخدمات الطبّية التي قدّ تؤثّر بشكلٍ واضحٍ في الرعاية الصحيّة المقدمة للمرضى في القطاع خلال الشهر المقبل.
الأسباب كثيرة لتدهور الأوضاع الصحيّة في غزّة، نظراً إلى زيادة عدد مصابي مسيرة العودة على الحدود الفاصلة بين القطاع وإسرائيل، إلى أكثر من 18 ألفاً وصلوا إلى المستشفيات خلال العام الماضي، فضلاً عن الأزمات المالية التي تمر بها الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزّة، والأمر ليس بعيداً عن "الأونروا" التي قد تتجدّد أزمتها المالية في يونيو (حزيران) المقبل، بحسب المعلومات المتوفّرة لـ "اندبندنت عربية".
خطر يلاحق المرضى
الوكالة الدولية أعلنت أن تقديم خدمات الرعاية الصحية للاجئين الفلسطينيين في مختلف المناطق الخمس (قطاع غزّة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن) مهدّدة بالخطر بسبب الأزمة المالية الخانقة المستمرة لدى الوكالة.
الناطق الرسمي للأونروا سامي مشعشع قال لـ "اندبندنت عربية" إنّ قدرة الوكالة على الاستجابة للخدمات الصحيّة العادية والطارئة باتت ضعيفة، نتيجة زيادة عدد المصابين اللاجئين الذين أُصيبوا بجروح مختلقة، في المواجهات بين إسرائيل وغزّة في مسيرات العودة، وكذلك أثّرت تداعيات الحرب في سوريا في الجانب الصحي للاجئين الفلسطينيين.
مشعشع أوضح أنّ المعطيات في الواقع الصحي مقلقة جداً في حين لا تزال "الأونروا" تعاني من عجز مالي شامل في ميزانيتها، بلغ بشكل تقريبي نصف مليار دولار أميركي، من أصل ميزانية مليار و200 مليون، وهو ما أثّر في برنامج الصحة في الوكالة والقدرة على استجلاب الدواء وتقديم الخدمات الشاملة.
ضغط كبير
وتابع مشعشع أنّ عيادات الوكالة في مناطق عملها، تُعاين حوالى 23 ألف حالة مرضية في اليوم، في أكثر من 144 مركزاً صحياً، بواقع تسعة ملايين زيارة شهريّة إلى العيادات الطبية، ويقدم الخدمات الطبية 3400 طبيباً، وهو ما يشكّل ضغطاً كبيراً على الخدمات أمام تراجع الدعم المالي. ولفت إلى أنّ الوكالة الدوليّة تأثّرت كثيراً في تداعيات مسيرة العودة على الحدود مع غزّة، حيث وصل إلى عيادات "الأونروا" أكثر من أربعة آلاف مصاب، معظمهم كانوا مصابين بجروح ناجمة عن إطلاق النار، على الرغم من أنّ عيادات وكالة الغوث مجهزة بمعدات أوليّة، ولا تستطيع معالجة حالات مماثلة.
النظام الصحي ومسيرات العودة
الأمر نفسه أكّده الدكتور أكيهيرو سيتا، مدير برنامج الصحة في "الأونروا" مشيراً إلى أن حالة الطوارئ الطبيّة في غزّة، التي نجمت عن مسيرات العودة وضعت ضغطاً متزايداً على النظام الصحي الذي يعاني أصلاً من أعباء كبيرة. وحول الوضع الصحي في قطاع غزّة، لفت مشعشع إلى أنّه الأكثر ضغطاً في ظلّ تزايد أعداد اللاجئين فيه إلى حوالى مليون و200 ألف نسمة، وكلّهم يعتمدون على خدمات "الأونروا" الصحيّة، خصوصاً أنّ وكالة اللاجئين تقدّم خدمة الصحة النفسية التي تكلّف مبالغ طائلة.
أزمة متجدّدة
وبحسب مشعشع، تمكنت "الأونروا" خلال العام 2018 من المحافظة على لقاحات صحّة الأم والطفل بنسبة 100 في المئة، لكن الأزمة المالية للوكالة قد تؤثر في الالتزام بالخدمات الطبية المقدمة في ظلّ وجود عجز مالي يتخطى حاجز 200 مليون دولار. ووفقاً لمعلومات "اندبندنت عربية"، فإنّ الأزمة المالية لـ "الأونروا" ستتجدّد مع نهاية شهر يونيو المقبل، وهو ما أوضحه مشعشع في حديثه لجهة أنّهم قلقون على الوضع المالي للعام 2019، خصوصاً بعد خسارة الدعم الأميركي المقدر بحوالى 360 مليون دولار.
الأونروا ليست وحدها
وعلى غرار ما سبق، قال مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في غزّة محمود ضاهر إنّه لا يوجد أيّ نقصٍ في كميات الدواء لدى وكالة "الأونروا" وإنّ النقص فقط في مخازن وزارة الصحة في غزّة، وفي بعض الأحيان تقدّم وكالة اللاجئين خدماتها إلى المرضى بجانب وزارة الصحة، وخصوصاً مصابي مسيرات العودة، في 22 مركزاً صحياً منتشراً في معظم محافظات القطاع.
والأزمة التي تعاني منها وكالة اللاجئين الفلسطينيين في غزّة على الجانب الصحي، ليست بعيدة عن واقع وزارة الصحة التي تفتقر لحوالى 50 في المئة من الأدوية داخل مخازنها، ومعظمها ضروري واستهلاكي شهرياً.
في البحث وراء الأزمة التي يمر فيها القطاع الصحي، سواء في "الأونروا" أو في وزارة الصحة، فإنّه يعود لارتفاع أعداد مصابي مسيرة العودة، وحاجتهم المُلحة والدائمة للعلاج، فضلاً عن المشاكل المالية التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية في الضفة، وكذلك الأمر لدى وكالة اللاجئين. ووفق مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في غزّة، فإنّ إسرائيل لم تمنع تدوير الأدوية عبر المعابر الحدودية التي تشرف عليها، ولا تفرض أيّ حظر على أنواع معينة من العقاقير الطبيّة، مشيراً إلى أنّ المشكلة تكمن في التوفّر المالي ومدى فتح المنافذ الحدوديّة.