على بعد خمسة كيلومترات فقط من الحدود التركية- السورية، بدت رائحة البارود المنبعثة من حطام ضربات صاروخية ليزرية الصنع، والمتساقطة على مدينة سرمدا، في شمال غربي سوريا غير مألوفة لقاطنيها، بعدما ظلت بمنأى عن الصراع المسلح سنوات طويلة.
بلدة سرمدا الخاضعة لسيطرة المعارضة المدعومة من تركيا طاولها القصف الصاروخي من قوات النظام المتموضعة في ريف حلب الغربي، في إشارة إلى بدء معركة عسكرية تتأهب لها العاصمة دمشق، سعياً منها لاستعادة مدينة إدلب وريفها من يد أكثر الفصائل المعارضة تطرفاً شمالاً، "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً).
بنك الأهداف والعملية العسكرية
ويختلف القصف الصاروخي لسرمدا، يوم السبت 16 أكتوبر (تشرين الأول) في ريف إدلب الشمالي عن كل الضربات الجوية أو المدفعية في منطقة خفض التصعيد، ويبدو من طبيعة المواقع المستهدفة بخمس قذائف وتنوعها بين مقر للشرطة المدنية، ومنشأة لتصنيع الغاز، أنها قد انتقيت بعناية، ولعلها رسائل أرادت من خلالها موسكو ودمشق إيصالها إلى أنقرة بأن سرمدا وما تحمله من بعد سياسي، وثقل تجاري ولوجستي، لن تكون كما توصف بـ "خط أحمر" على الإطلاق.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل ثلاثة أشخاص بينهم شرطي باستهداف مخفر المدينة، ومبنى السجل المدني، ومخيم عشوائي شرق المدينة أسفر عن وقوع 15 جريحاً، بينما ذكرت مصادر ميدانية عن استقدام قوات النظام تعزيزات وصلت ريف حلب الشمالي، وريف إدلب الجنوبي والشرقي على طريق "M4" مع ما يسري من أنباء عن عملية قتالية وشيكة لاستعادة مدينة إدلب وريفها.
لا خطوط حمراء في الشمال الغربي
وكما يرى مراقبون، فإن سرمدا نفسها حظيت برعاية تركية فائقة وأنجز فيها كثير من المشاريع الاقتصادية والحيوية والتنموية، وشكلت نقطة ارتكاز لمنطقة تجارية حرة، لقربها من معبر باب الهوى مع تركيا، حيث يوحي هجوم سرمدا إلى إصرار دمشقي لإعادة إدلب إلى سيطرة النظام السوري مجدداً على الرغم من التمسك التركي بها.
في حين لا يخامر عضو لجنة المصالحة السورية والناطق باسمها، عمر رحمون، الشك بأن العملية القتالية التي يحضّر لها جيش النظام بدعم من روسيا "حقيقة واقعة لا محالة، وقصف مقار مهمة لهيئة تحرير الشام بسرمدا إشارة واضحة على بدئها، وتستهدف تحرير كامل محافظة إدلب من دون وجود خطوط حمراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى رحمون في حديثه لـ "اندبندنت عربية" أن استهداف سرمدا للمرة الأولى منذ ثماني سنوات رسالة واضحة المعالم على بدء المعركة، ونوع الاستهداف ومكانه دلالة على جدية المعركة، بحسب تعبيره.
في غضون كل ما يحدث من حشود وحالة تأهب وتوتر على نقاط التماس بين قوات النظام السوري والقوات الروسية مقابل قوات المعارضة وفصائل مسلحة حملت اسم "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، تحشد الأخيرة في الشمال الشرقي لمعركة حاسمة ضد قوات "قسد" ووحدات الشعب الكردية، الأمر الذي سيجعل من الشمال السوري بشقيه الشرقي والغربي منطقة ساخنة، ومن المرجح أن ترافق ذلك حركة نزوح واسعة من كل الأطياف بمن فيهم العرب والأكراد.
في المقابل، يصف رحمون انطلاق المعركتين، معركة السوري والروسي لـ "تحرير إدلب" ومعركة التركي لملاحقة "قسد" بـ "الأمر المنطقي والطبيعي، وهي إشارة على تفاهم بين القوى في الشمال أدى لانطلاق المعركتين بوقت واحد".
توتر في منطقة خفض التصعيد
وواظبت موسكو، طوال العامين الماضيين، في مسعى لتحديد بنك أهداف غايته ملاحقة قيادات وعناصر "هيئة تحرير الشام" المدرجة على لوائح الإرهاب أممياً، والتي لطالما شكلت تهديداً على قواعدها البحرية والعسكرية، إلا أن سرمدا لم تقصف منذ سبع سنوات خلت، سوى مرة واحدة في مارس (آذار) الفائت من العام الحالي.
وأعلن المركز الروسي للمصالحة من قاعدة "حميميم" البحرية أنه سجل في يوم واحد، في 14 أكتوبر الجاري، هجمات من قبل "هيئة تحرير الشام" في منطقة خفض التصعيد، وأضاف، "تم تسجيل هجوم في محافظة إدلب، وخمسة في محافظة حلب، وكذلك هجوم في محافظة حماة، وآخر أيضاً في محافظة اللاذقية".
إلى ذلك، تتداخل خطوط الاشتباك لدى القوى المتصارعة على الأرض، ومن المنتظر، بحسب مراقبين، أن تقدم أنقرة، وعبر ذراعها العسكرية في الشمال الشرقي بمنطقة درع الفرات حتى حدود ريف حلب، وإلى مناطق تعتزم السيطرة عليها أبرزها تل رفعت، على عملية عسكرية واسعة تصطدم بها مع الإدارة الذاتية الكردية لإفشال مخططها الانفصالي، كما تدعي، ما يشكل تهديداً لحدودها الجنوبية وخطراً يحدق بسياستها على الأرض.