"سامسونغ إلكترونكس" عملاق التكنولوجيا، وجوهرة التاج لـ"تشايبول سامسونغ"، باتت في سباق تنافسي مع شركات كبرى للهيمنة على صناعة الرقائق. وتصنع الشركة الهواتف الذكية أكثر من نظائرها في العالم، كما عززت منتجاتها في أنظمة وأجهزة الترفيه المنزلي، في الوقت ذاته تهيمن على تصنيع رقائق الذاكرة، التي تستخدم لتخزين البيانات على الأجهزة الإلكترونية وارتفع سعرها بسبب النقص العالمي في أشباه الموصلات.
وتقدر الإيرادات السنوية لشركة "سامسونغ إلكترونكس" بـ200 مليار دولار، وهي ليست أقل بكثير من عائدات "أبل"، الشركة الأكثر قيمة في التاريخ، وتقف على مخزون نقدي يبلغ 100 مليار دولار، بحسب مجلة "الإيكونوميست"، ولكن ما حظوظها في الهيمنة على سوق الرقائق المتطورة عالمياً والفوز بجزء كبير من سوق سريعة النمو ومربحة للرقائق غير المرتبطة بالذاكرة، تمثل 70 في المئة من سوق أشباه الموصلات العالمي البالغ 550 مليار دولار؟
اليوم، تدخل كل من "سامسونغ إلكترونكس" والمجموعة الأم "تشايبول"، التي يعني اسمها "ثلاث نجوم"، فصلاً جديداً مهماً. ففي أغسطس (آب)، تم إطلاق سراح "لي جاي يونغ"، سليل العائلة التي أسست شركة "سامسونغ" في عام 1938، حيث قضى فترتين بعد إدانته بتورطه في فضيحة رشوة. ولقد تولى أخيراً السيطرة الكاملة على الإمبراطورية من والده الراحل "لي كون هي"، الذي توفي العام الماضي. وكانت الخلافة معقدة بسبب غيبوبة "لي الأكبر"، التي استمرت ست سنوات، ثم إدانة ابنه بالرشوة المرتبطة بجهود "سامسونغ إلكترونكس" لكسب دعم الحكومة لدمج شركتين تابعتين لشركة "سامسونغ" التي من شأنها أن تعزز سيطرته.
ويمتلك لي خططاً كبيرة للشركة، التي يريد أن تصبح مهيمنة في الشرائح المنطقية المتطورة المستخدمة لمعالجة المعلومات كما هو الحال بالفعل في الذاكرة والهواتف الذكية، الأمر الذي سيؤدي إلى التنافس بين "سامسونغ إلكترونكس" وجهاً لوجه مع شركات صناعة الرقائق القوية، مثل "تي أس أم سي" التايوانية، و"إنتل" الأميركية، ويدفعها إلى مسابقة عالمية على واحدة من أكثر الصناعات استراتيجية في العالم.
شرائح بحجم 2 نانومتر بحلول 2022
في 7 أكتوبر (تشرين الأول) أكدت "سامسونغ إلكترونكس" أنها ستصنع بعض المعالجات الدقيقة المنطقية الأكثر تقدماً في العالم استناداً إلى معمارية "البوابة الشاملة" الجديدة مع ترانزستورات قياس ثلاثة نانومتر (جزء من المليار من المتر) في عام 2022. كما فاجأت المحللين بإعلانها خطة لإنتاج شرائح بحجم 2 نانومتر من عام 2025. ومن المتوقع أن تستثمر 37 مليار دولار، أو نحو ذلك في الإنفاق الرأسمالي عبر أعمالها هذا العام، في وقت تكسب عملاء جدداً، مثل شركة "إن فيديا"، مصممة الرقائق الأميركية، و"تيسلا"، صانع السيارات الكهربائية.
تقول "الإيكونوميست"، "إن مقامرة (لي) سيكون لها عواقب وخيمة، ليس فقط بالنسبة لشركة (سامسونغ) فحسب، فالأمر مهم بالنسبة إلى كوريا الجنوبية، التي برر رئيسها الإفراج المشروط عنه بأنه يخدم المصلحة الوطنية، بالنظر إلى أهمية (تشايبول) بالنسبة للاقتصاد. وستؤثر في صناعة أشباه الموصلات العالمية، التي تم تأكيد طبيعتها الحرجة من خلال نقص الرقائق في جميع أنحاء العالم. ولضمان النجاح يجب على الرجل الذي يصفه معارفه بأنه خجول ولائق وذكي أيضاً أن يستدعي القسوة".
كوكبة "سامسونغ"
"سامسونغ إلكترونكس" كيان مؤسسي معقد مع تحدٍ استراتيجي وأداء مخيب في سوق الأوراق المالية، ومن الأفضل فهمها على أنها مقسمة إلى نشاطين رئيسين: الأول يصنع "مجموعات" الهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون والأجهزة المنزلية. والثاني ينتج "مكونات" تدخل في مجموعات "سامسونغ" الخاصة، بالإضافة إلى بيعها لعملاء خارجيين مثل "أبل". وتقسم "سامسونغ" أعمالها إلى قسمين: الأول أجهزة التلفزيون والأجهزة مثل الغسالات، والثاني الأجهزة الرقمية (الهواتف الذكية بشكل رئيس)، وتتألف من الأعمال المكونة من أشباه الموصلات وشاشات العرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن التسلسل الهرمي لعمليات "سامسونغ إلكترونكس"، يقول الأشخاص المقربون من الشركة، "إن الأجهزة المنزلية تجلس في أسفل اللائحة، أي أسفل وحدة التلفزيون مع هوامش منخفضة مماثلة، ولكن لها دور أكبر في تعزيز العلامة التجارية القيمة لشركة (سامسونغ إلكترونكس). ويأتي بعد ذلك قطاع الأجهزة المحمولة، الذي أسهم في أوائل عام 2010 بأكثر من نصف الأرباح". وعلى الرغم من كتابة نعيها عدة مرات من قبل، فإنها لا تزال تدر الكثير من النقود، وبفضل مجموعة الهواتف الجديدة سريعة البيع ذات الشاشات القابلة للطي، ويحوم بعض التفاؤل الجديد على مستقبل الأجهزة المحمولة من "سامسونغ".
أشباه الموصلات على قمة التسلسل الهرمي
على قمة التسلسل الهرمي تجلس أشباه الموصلات. تاريخياً، ركزت "سامسونغ إلكترونكس" على رقائق الذاكرة، حيث تمتلك 44 في المئة من السوق العالمية لرقائق "درام" (المستخدمة للتخزين المؤقت في أجهزة الكمبيوتر المكتبية) و36 في المئة في أجهزة "ناند" (المستخدمة للتخزين الدائم في الهواتف المحمولة). وتجلب أعمال الذاكرة ما يزيد قليلاً على 20 في المئة من الإيرادات، ولكن ما يقرب من نصف أرباح التشغيل بحسب "الإيكونوميست". في حين أن كل شيء آخر يحتمل أن يكون مستهلكاً في خدمة هوامشها المثيرة.
ويعتقد المحللون أن تصنيع "سامسونغ إلكترونكس" لشرائح الذاكرة، يوفر لها مساحة كبيرة لتظل على قيد الحياة، نظراً لأنها مثل هذه الرقائق ضرورية لتخزين البيانات عبر الصناعات، وهي تسير في اتجاه واحد فقط "لأعلى"، كما يقول نيكولاس جودوا من بنك "يو بي أس".
في حين تتوقع "أومديا"، وهي شركة أبحاث، أن تتوسع سوق شرائح الذاكرة العالمية بأرقام مزدوجة كل عام بين عامي 2020 و2025. وهو الآن أقل دورية بفضل الطلب المتزايد من مراكز البيانات، وعلى جانب العرض، فإن الاندماج في الصناعة أينما كان. ويعني التصغير الأكثر تطرفاً في الأجزاء أن المنافسين لم يعد بإمكانهم زيادة الإنتاج بالسهولة التي كان عليها من قبل.
وتقول "سامسونغ إلكترونكس"، "إنها أثبتت قدرتها على الابتكار واستخراج القيمة في الأعمال التجارية القائمة". داخلياً، وعلى الرغم من ذلك، يشعر بعض المديرين التنفيذيين في الشركة بالقلق من أن الذاكرة عملية ناضجة. ويخشى بعض المستثمرين من أن الطلب على رقائق الذاكرة قد ينخفض مع نهاية العام.
ومع ذلك، على الرغم من بعض النجاحات، لا سيما في مجال المدفوعات والتطبيقات الصحية، فإن جهود "سامسونغ إلكترونكس" لإضافة البرامج والخدمات إلى أجهزتها المتفوقة عالمياً، كانت متقطعة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن النهج الأساس للشركة الجنوب كورية للأجهزة المتجذر بعمق في ثقافتها. ومن المحتمل أن يتم تعزيزها من خلال شخصية "لي" وخبرته.
ويقول مسؤول تنفيذي سابق في الشركة، فضّل عدم نشر اسمه، "إن تصرف لي حذر للغاية ومحافظ، وهو أكثر محافظة من والده"، وربما تعززت هذه النزعة المحافظة الفطرية من خلال مساعيه الرئيسة الأولى بعد التحاقه بكلية هارفرد للأعمال. وفي أواخر التسعينيات، في ذروة فقاعة "الدوت كوم"، استثمر في شركة "إيه سامسونغ"، وهي شركة لرأس المال الاستثماري. ويقول المدير التنفيذي السابق، "إن مشاهدة الكساد اللاحق تركته متشككاً للغاية في مهندسي البرمجيات الكوريين. وكان (لي) قد أغلق إيه سامسونغ".
ما بين عملاء الصين وأميركا
يؤدي التوسع في الخدمات أيضاً إلى تعريض شراكات "سامسونغ إلكترونكس" الناجحة طويلة الأمد مع عمالقة البرمجيات، مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" للخطر. وفي عام 2014، كانت قد أطلقت "سامسونغ إلكترونكس" خدمة بث موسيقي تسمى "ميلك ميوزيك"، تم إغلاقها بعد ذلك بعامين على الرغم من نجاحها.
ويتذكر مسؤول تنفيذي سابق قائلاً، "نظرت (غوغل) إلى جهود برامج (سامسونغ) على أنها تفتيت نظام أندرويد البيئي، وشعرت بالتهديد". ويتنهد قائلاً، "أنا متأكد تماماً من أن (سامسونغ) قد تخلت عن البرامج والخدمات"، وهو قلق بشأن فرصة ضائعة كبيرة. ويضيف، "أنه حتى إذا تحدثت الشركة عن إجراء جولة أخرى فيها، فمن المحتمل أن يكون هذا لمجرد الحفاظ على (غوغل) والشركاء الآخرين".
مشكلة أخرى هي الصين، التي تعد مصدراً مهماً للطلب على كل من رقائق الذاكرة والمنطق (جهاز إلكتروني مادي ينفذ وظيفة منطقية) وللمساعدة في تحقيق ذلك، تنهي الشركة مصنعها الثاني لشرائح الذاكرة في مدينة تشوان الغربية هذا العام. وعلى الرغم من التوترات المتصاعدة بين الصين والغرب، لا سيما أميركا، فمن غير المرجح أن تتخلى "سامسونغ إلكترونكس" ولا أي صانع رقاقات كوري جنوبي آخر عن جارهم العملاق، الذي من المرجح أن يظل مشترياً كبيراً لسنوات عديدة (بخاصة بالنسبة للذاكرة الديناميكية الأكثر تعقيداً من الناحية الفنية)، وهذا يعني أن الشركة العملاقة يجب أن تسير في خط للحفاظ على العملاء الصينيين مع عدم التخلي عن نظرائهم الأميركيين.