الجميع يكره الحزن والقلق والتوتر والخوف، وكل هذه الأنواع من المشاعر المدمرة لنفسية الإنسان، هذا أمر طبيعي، لكن هناك أشخاصاً يكرهون السعادة، أو بعبارة أكثر تحديداً يعانون "رهاب السعادة" أو "شيروفوبيا"، وهو يندرج في أنواع الرهاب الأخرى التي يعانيها كثيرون من الناس، كرهاب الأماكن الضيقة أو المرتفعات أو الدوران أو الأصوات المزعجة وغيرها من أنواع الرهاب.
الخوف من السعادة
هذا النوع من الرهاب، أي الخوف من السعادة نفسها أو إظهارها أو الاندماج في الأماكن التي تبث السعادة أو بين مجموعة من الأصدقاء السعداء، ليست أمراً يقرّره صاحبه، أي لا يكون كرهه للسعادة وعدم رغبته في الوصول إليها هو مجرد قرار اتخذه على مستوى شخصي، لكنه رهاب مرضي عموماً، أي يقع على الأشخاص من دون أن يعرفوا له سبباً، أو طريقة للخروج منه ومداواته، كما هو حال المتوحدين مثلاً.
لهذا، اعتبر رهاب السعادة مرضاً، وباتت له مجموعة كبيرة من الأدوية المصنّعة المضادة للقلق أو الأدوية الطبيعية من الأعشاب أو أطباء نفسيين يتمحور عملهم مع هذ النوع من الأشخاص، الذين لا يستطيعون الشعور بالسعادة بل ويخافون منها.
بل واختارت الأمم المتحدة في عام 2012 يوم 20 مارس (آذار) من كل عام، ليكون اليوم العالمي للسعادة للاعتراف بأهمية الرفاهية كهدف عالمي لجميع الناس، ولتعزيز النتائج المجتمعية للسعادة وتأثيرها الإيجابي في التنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر، أو الدعوة إلى المساواة والتعاون بين البشر داخل المجتمعات الصغيرة والكبيرة ومساعدة الآخرين، ولما يقدمه هذا الشعور من مساهمة في تقدم البشرية جمعاء، إذ إن هرمونات السعادة تعطي النشاط والتفاؤل والحوافز نحو التقدم والتطور الذاتي والجمعي، وغير ذلك من تأثيرات كثيرة على جسد ونفسية الفرد الواحد، وكذلك على "الجسد الجماعي" ونفسية المجتمع بأكمله، خصوصاً أن القلق يمكنه أن يكون معدياً، وكذلك السعادة والفرح والضحك يمكنها أن تنتقل بالعدوى أيضاً، كما عرضنا في تقرير سابق حول الضحك بعنوان "تعددت الأسباب والضحك واحد... فلماذا نقهقه؟".
تعريفات جديدة لمرض جديد
في مقالتها في موقع علم نفس إيجابي (positivepsycology) تكتب الطبيبة جيسيكا سواينستون بأن اختبار "شيروفوبيا" يتمثّل بالتجنب النشط أو الواضح للمواقف السعيدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحسب الباحثة في علم النفس سواينستون فإن مصطلح "شيروفوبيا" مشتق من المصطلح اليوناني "كرسيو"، الذي يعني "أن نبتهج"، وهو النفور من السعادة أو الخوف منها. وبرأيها قبل أن نحدد كيفية إصابة الأفراد بـ"شيروفوبيا"، علينا أن نحاول فهم ما تعنيه السعادة التي تستخدم بالتوازي مع تعبير "الرفاهية الذاتية'' التي يجري قياسها من خلال رضا الأفراد عن حياتهم ومسارها ومصيرها سواء في يومياتهم أو على مستوى زمني أطول أو ما نسميه "المستقبل"، ويحدد مدى اتساع هذه السعادة أو ضيقها في حياة شخص معين بحجم التدخل السلبي أو الإيجابي فيها من كل ما يحيط هؤلاء الأشخاص، سواء من بشر آخرين أو من ظروف معينة محيطة أو من مجموع دلالات أو قياسات معينة، يمكن تعدادها ومعرفة أن وجودها يعني سعادة وعدم وجودها يعني "لا سعادة".
وبما أنه لا يوجد حتى الآن إجماع قاطع حول تعريف السعادة فقد جرى اقتراح تعريف مقبول على نطاق واسع من قبل باحثة علم النفس الإيجابي سونيا ليوبوميرسكي في كتابها The How of Happiness (2007)، الذي وصفت فيه السعادة بأنها "تجربة الفرح أو الرضا أو الرفاهية جنباً إلى جنب مع الشعور بأن حياة المرء جيدة، وذات مغزى وجديرة بالاهتمام".
ويتضمن هذا التعريف المشاعر العابرة التي يمر بها الأفراد مثل البهجة والفخر والامتنان والقناعة وحب فعل الخير وتقديم المساعدة والاكتفاء، الناتجة عن محاولات الأفراد الحثيثة في حياتهم اليومية والعامة لتحقيق حياة جيدة، منغصاتها قليلة.
قلق غير متناسب
لكن بما أن هناك أنواعاً متعددة من السعادة، فهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى أن هناك مشاعر متفاوتة ودرجات نفور مختلفة تجاه السعادة. أما الرهاب نفسه فإن يوجد عندما يكون القلق غير متناسب مع الخطر الفعلي للتهديد المتصور، حسب الجمعية الأميركية للطب النفسي.
وما يهمنا هنا هو تعريف الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق الاجتماعي، الذي يكون لدى الفرد المصاب بخوف كبير من الإحراج أو الإذلال أو النظر إليه أو اللقاء بأشخاص في أماكن عامة أو الأكل واللعب في أمكنة التجمعات، باختصار هو رفض أي نوع من التفاعلات الاجتماعية.
أمّا تعريف "رهاب السعادة" أو "شيروفوبيا" نفسه فهو "الخوف غير المنطقي من السعادة". ويمكن للشخص الذي يعاني هذه الحالة أن يصاب بقلق كبير من مجرد التفكير في شيء سعيد، ناهيك بتجربته بالفعل. بل وقد يؤدي إلى نوبة ذعر كاملة، تبدأ بزيادة معدل ضربات القلب وزيادة معدل التنفس وارتفاع ضغط الدم وتوتر العضلات والارتجاف والتعرق المفرط. ولا توجد أسباب محددة للإصابة برهاب "شيروفوبيا"، فقد يكون بسبب استعداد وراثي لتطور المرض العقلي بشكل عام.
العلاج الأكثر فعالية لهذا النوع من الاضطراب هو العمل داخل مجموعات ومواجهة المخاوف مباشرة فيما يسمى "التعرّض"، أي وضع المريض في الموقع الذي يخاف منه كي يواجهه، وهذه المساعدة غالباً ما تؤدي إلى نتائج إيجابية بسبب الكم الهائل من مهارات التأقلم التي يمكن تعلمها من الوجود داخل مجموعة من الأشخاص يعانون نفس المشكلة، مما يساعد على إخراج المريض من "منطقة الراحة" التي يضع نفسه فيها.
وقد تشمل ممارسات اليقظة الجماعية هذه شرب الشاي الدافئ للتركيز على حاسة التذوق والحواس اللمسية أو التركيز على التنفس. وتدوم هذه المجموعات عادة نحو ستة أشهر، ويمكن أن تضم من شخصين إلى عدة أشخاص.
وهناك طريقة "نصف الابتسام"، وتعمل هذه التقنية من خلال جعل المصاب يفكر في ما يخاف منه أو يزعجه بينما يرفع زوايا فمه قليلاً بما يسمى "الابتسام الخفيف" أو "نصف مبتسم". مع محاولة الامتناع عن الاستمتاع بتلك المشاعر المؤلمة التي قد يثيرها هذا الخوف.
وثبت أن التأمل الذهني مفيد جداً، لمساعدة الناس على الدخول في حالة أكثر اتزاناً. هناك العديد من الطرق المختلفة التي يمكن من خلالها ممارسة "تأمل اليقظة"، لمساعدتهم على تشتيت انتباههم عن خوفهم من خلال إعادة تركيز انتباههم على شيء آخر ليس لديه أي نوع من المتعة العاطفية المرتبطة به، مثل التركيز على التنفس على سبيل المثال.