يحبس السودانيون أنفاسهم، اليوم الخميس، مع خروج موكبين جماهيريين في العاصمة الخرطوم، يلتقيان في التوقيت والمسرح ويختلفان في الشعارات. ففي موازاة موكب المجلس المركزي للحرية والتغيير، الذي يحمل شعار "مليونية الطوفان"، يدعو موكب اعتصام القصر الجمهوري إلى حل الحكومة الانتقالية وتوسيع قاعدة المشاركة.
وجاء توافق الجانبين على هذا اليوم، كونه يمثل ذكرى ثورة 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1964، التي أطاحت حكومة إبراهيم عبود، أول رئيس سوداني وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري، في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958.
إزاء ذلك، تسيدت التحذيرات من مغبة حدوث تصادمات بين الحشود المتوقع تدافعها نحو العاصمة من مدينتي أم درمان والخرطوم بحري، بيانات وتصريحات قيادات الطرفين، فيما وضعت وزارة الداخلية، كما أعلن وزيرها عز الدين الشيخ، خطة محكمة لحماية المتظاهرين على مستوى العاصمة والولايات والحيلولة من دون وقوع أي حالات عنف.
جهود واشنطن
وبينما تضاءلت فرص المبادرات والوساطات المحلية في إحداث اختراق يقرب وجهات نظر طرفي الأزمة السياسية، من المكونين المدني والعسكري، تبذل واشنطن جهوداً حثيثة لإنهائها، حيث التقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أمس الأربعاء، نائب المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي بايتون نوبف، في إطار الزيارة التي يقوم بها إلى السودان.
وشكر حمدوك نوبف على الدعم المتواصل الذي توفره الولايات المتحدة حكومة وشعباً لعملية الانتقال المدني الديمقراطي في بلاده، مؤكداً أن الثورة السودانية وضعت أهدافاً توافق عليها السودانيون وهم الأحرص على المضي بها إلى نهايتها.
من جهته، أشار نائب المبعوث الأميركي إلى حرص واشنطن على دعم التحول المدني الديمقراطي في السودان، كما ثمن جهود رئيس الوزراء للوصول إلى الحلول للقضايا والتحديات المحلية والإقليمية.
وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، شدد على اهتمام واشنطن بإنجاح الإعلان الدستوري في السودان، منوهاً بأن الوقت قد حان حتى يعمل المدنيون والمؤسسة العسكرية بشكل مشترك من أجل إنجاح الفترة الانتقالية.
وتابع "تعمل أميركا مع المؤسسات المالية الدولية من أجل دعم السودان، فقد ارتفع الدعم الأميركي عشر مرات مقارنة بما كان عليه قبل الفترة الانتقالية"، لافتاً إلى أهمية دور واشنطن في رفع الديون التي تراكمت على الخرطوم، مضيفاً "لدينا الثقة في أن قيادتي المدنيين والعسكريين تعرفان تطلعات الشعب السوداني".
وأضاف فيلتمان أنه "ليس مفاجئاً أن يكون ثمة كثير من الجدل السياسي في السودان، لأن المسار الفوضوي تشوبه هذه الأمور، أما الأهم فهو أن المحادثات تجري بين المدنيين والعسكريين"، مشيراً إلى أن مباحثات ستحصل مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وحمدوك والسلطات الأخرى.
وأكد المبعوث الأميركي ضرورة أن تحافظ الثورة السودانية على طابعها السلمي، على النحو الذي تحركت به في ديسمبر (كانون الأول) 2019، حين أطاحت نظام عمر البشير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رفض العنف
من ناحيته، دعا وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، الداعم لاعتصام القصر، المتظاهرين إلى مواصلة العمل السلمي، باعتباره المخرج لأزمة البلاد.
وقال، أثناء مخاطبته المعتصمين أمام القصر، أمس الأربعاء، "هناك من يحسدكم على السلمية، ويوم الخميس سيكون فاصلاً بالنسبة لنا. لا نريد أي شكل من أشكال الاحتكاك مع أي طرف، وفي الوقت نفسه لا نقبل أي اعتداء على الناس".
وأضاف "تحدثنا مع الأجهزة الأمنية لحماية كل المعتصمين والفصل بين المواكب، فنحن نريد حل قضايانا بالسلم والحوار".
وأشار إلى أن "مشكلتنا مع الذين يريدون اختطاف الثورة ويرفضون الحوار، وليس لديهم استعداد لنسمع منهم ويسمعوا منا، فهم أصبحوا شرطة وقضاء ونيابة وأخذوا حق الناس وابتزوهم، لذلك لا بد من إيقافهم".
إجهاض الثورة
في سياق مختلف، أكد مقرر لجنة إزالة تمكين نظام البشير، المساند لموكب "مليونية الطوفان"، أن الشعب السوداني متمسك بالانتقال الديمقراطي ويرفض الردة، مؤكداً أن خروج الجماهير في تظاهرات اليوم حق مكتسب للإعلان عن تمسكها بمبادئ الثورة، التي يتم التخطيط لإجهاضها واختطافها والانقلاب عليها.
ويعيش السودان منذ أكثر من شهر أزمة سياسية حادة على إثر خلافات بين الشقين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، إضافة إلى خلافات بين أطراف المكون المدني في الحكومة، حيث انفصلت مجموعة عن قوى الحرية والتغيير ووقعت ميثاقاً سمته "ميثاق قوى الحرية والتغيير" أيضاً.
وتضم المجموعة المنشقة، حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي الحاكم الحالي لإقليم دارفور، إضافة إلى عناصر وتنظيمات وأحزاب كانت موالية لنظام المؤتمر الوطني الذي أطاحته الثورة الشعبية.