بخلاف ما توقع كثيرون من المراقبين، وعلى الرغم من المخاوف من وقوع أعمال عنف بين مناصري التيارين المتصارعين، "قوى الحرية والتغيير"، و"ميثاق التوافق الوطني"، المحتشدين بالشوارع، واعتصام القصر الجمهوري، مرّت الأمور بسلام، وعبرت المواكب بهدوء، وكان لترتيبات الأجهزة الأمنية والشرطة على وجه الخصوص، إلى جانب غرفة تنسيقيات لجان المقاومة، الدور الأكبر في تفادي وقوع حوادث أو مواجهات بين الجانبين، واعتمدت المواكب مسارات وتجمعات لامركزية في كل من الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، من دون السعي للوصول إلى رئاسة مجلس الوزراء أو القصر الجمهوري حيث يعتصم منذ أيام عدة أنصار تيار "ميثاق التوافق الوطني" (منصة التأسيس)..
نهاية يوم ساخن
وخرجت، في إطار دعم التحول الديمقراطي الذي شارك فيه عدد من الوزراء وقيادات "الحرية والتغيير"، مواكب في معظم مدن السودان، شملت كلاً من الأبيض عاصمة شمال كردفان، ومدني في ولاية الجزيرة، وغبيش في غرب كردفان، وعطبرة في نهر النيل، والفاشر في شمال دارفور، والجنينة في غرب دارفور، وكل من مدن القضارف، وبابنوسة، وكسلا، والدامر، ونيالا ودنقلا.
وغرد عبدالله حمدوك رئيس الوزراء الانتقالي على "تويتر" موجهاً التحية في ذكري ثورة 21 أكتوبر (تشرين الأول)، "عاشت ذكرى أكتوبر المجيدة ملهمة للأجيال، ومذكِّرة لهم جيلاً بعد جيل، بما خرج من أجله الشهداء ورفاقهم الثوار، في كل ثورة في بلادنا، كل أكتوبر ونحن أكثر تمسكاً بالسلمية والديمقراطية والحرية والسلام والعدالة ".
شارع مقابل آخر
وقال نور الدين بابكر، القيادي بـ "الحرية والتغيير"، والمتحدث الرسمي باسم حزب "المؤتمر السوداني"، عن مواكب دعم التحول الديمقراطي، إنها حملت رسائل أن الشعب السوداني لن يسمح بالمساس بالانتقال الديمقراطي وإجهاض ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة، وتابع أن وضع "الحرية والتغيير التفاوضي أصبح مسنوداً بإرادة الشعب السوداني التي لم تخذل الثورة كما عهدناها"، وتابع، " الشارع السوداني يؤكد ألا حياد عن طريق الثورة، والمواكب وضعت الجميع أمام التزاماتهم الواردة في الوثيقة الدستورية سواء من المدنيين أو العسكريين، والكرة الآن في مرمي المدنيين للتعبير عن مطالبهم وتنفيذها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل اعتبر التوم هجو، رئيس "مسار الوسط" في اتفاق "سلام جوبا"، القيادي في ميثاق "التوافق الوطني" أن اعتصام قواعدهم أمام القصر الرئاسي بالخرطوم بمثابة استفتاء شعبي، وأن الكرة الآن في ملعب رئيس الوزراء للاستجابة لمطالبهم بحل الحكومة الحالية بسبب بطئها وفشلها في التعامل مع ملفات وقضايا المرحلة الانتقالية، وأضاف أن اعتصامهم الذي يضم قطاعات من كل فئات الشعب السوداني، هو صاحب الثقل الجماهيري، وما زال يكبر ويتمدد، ولن ينفضّ إلا بعد تحقيق شعاراته، مشيراً الى أنه في حال تعذر الوصول الى اتفاق بشأن المطالب، فهم ذاهبون باتجاه المطالبة بانتخابات مبكرة للاحتكام الى الشعب عير صناديق الاقتراع بدلاً عن الشارع.
قلق وحماس
وكانت الخرطوم قد استيقظت، صباح الخميس 21 أكتوبر، وسط أجواء حماسية مشحونة بالقلق والترقب، وبدت دواوين الحكومة فارغة من دون الإعلان عن عطلة رسمية، كما أغلقت المدارس أبوابها، واتجهت الأنظار نحو ساحات ومسارات التحرك، ووضعت الشرطة في أقصى درجة التأهب، وتم وضع خطة طوارئ صحية شملت حتى بنوك الدم، وتم إغلاق كل الطرق المؤدية الى القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة.
وتزامنت الاستعدادات مع إعلان تنسيقيات لجان المقاومة إكمال التحضيرات لمواكب الخميس، تحت شعار "الطوفان"، لقطع الطريق أمام كل السيناريوهات التي يتم التحضير لها لإجهاض الفترة الانتقالية ومسيرة التحول الديمقراطي، وتثبيت ثورة ديسمبر.
مواجهات الشوارع
وزاد من درجة التوتر والغليان واحتمال وقوع مواجهات، إعلان مجموعة تحالف "ميثاق التوافق الوطني" (منصة التأسيس) تسيير مواكب جماهيرية في التوقيت نفسه، تنادي بمطالبها في حل الحكومة واستكمال هياكل ومؤسسات الفترة الانتقالية، على الرغم من أنها حددت مسارات مختلفة لتحرك جماهيرها، في وقت ما زال اعتصام القصر الجمهوري متواصلاً.
وكانت أحزاب وحركات مسلحة موقعة على السلام ومجموعات كبيرة من النقابات والاتحادات المهنية، وفي مقدمها الأطباء والمحامون الديمقراطيون، أعلنت مشاركتها في الحراك الثوري لقوى إعلان "الحرية والتغيير".
وذكرت الغرفة المشتركة لمليونيات الحكم المدني للجان المقاومة، في بيان مشترك على مواقع التواصل الاجتماعي، أن المنعطف التاريخي الحساس الذي تم فيه البلاد يضع الثوار أمام تحد حقيقي مع من يسعون لقتل روح الثورة وخيار دولتها المدنية، وكانت الغرفة وجهت نداء للثوار والشعب السوداني لدعم الحكم المدني والتحول الديمقراطي وصولاً بالبلاد الى شاطئ الأمان لانتخابات حرة بعيدة عن الديكتاتورية وحكم الفرد، وتابع البيان أن المواكب ستتوالى دعماً للتحول المدني الديمقراطي واستكمال هياكل السلطة التي تتمثل في مجلس تشريعي ثوري وإنشاء المحكمة الدستورية وبقية هياكل السلطة الانتقالية.
المطالب
وتضمّن البيان أيضاً حزمة مطالب المليونيات المتمثلة باستكمال عملية السلام الشامل مع مراعاة إشراك الثوار الحقيقين في معسكرات النازحين، وتسليم السلطة للمدنيين، وتكوين مجلس تشريعي ثوري تمثل فيه قوى الثورة، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية فوراً، وتنفيذ بند الترتيبات الأمنية ودمج الدعم السريع والحركات المسلحة بعد إعادة التأهيل وإكمال عمليات التنقيح والتسريح وصولاً الى جيش قومي وطني موحد، وتأكيد ولاية وزارة المالية على الشركات الأمنية وكل الأموال العامة.
وشملت الحزمة كذلك، المطالبة بتحويل لجنة التحقيق في مجزرة القيادة العامة الى لجنة دولية ومحاسبة اللجنة الحالية لمماطلتها في إظهار الحقائق على الرغم من وضوح الأدلة والبراهين، وتفكيك بنية نظام الـ 30 من يونيو (حزيران) من مؤسسات الدولة وإزالة التمكين، والإصلاح الجذري للوضع الاقتصادي المتأزم، وفرض هيبة الدولة ضد المتلاعبين بقوت المواطن، كما دعا البيان الى محاسبة وإقالة كل المتآمرين والمتعاونين معهم من شاغلي المواقع التنفيذية، والمناصب الدستورية في الحكومة لاستغلالها لصالح مجموعاتهم وتعاونهم مع فلول النظام البائد.
وفي سبيل تعزيز حماية وتأمين مواكب "الطوفان"، كشفت تنسيقيات اللجان عن نشر كاميرات عالية الدقة في مواقع غير معلومة بغرض رصد أي تحركات أو اعتداءات فردية أو أمنية على التظاهرات، كما شكل النائب العام المكلف مبارك محمود عثمان غرفة مركزية برئاسته للإشراف وحماية المواكب والتظاهرات، وضمت الغرفة عدداً من رؤساء القطاعات والنيابات العامة ووكلاء أعلى النيابة.
حشود متقابلة
وكانت العاصمة السودانية الخرطوم ومعظم مدن وعواصم الولايات قد شهدت، ظهر الخميس، مواكب وتظاهرات سلمية حاشدة دعماً للتحول الديمقراطي والحكم المدني واستكمال مهام الفترة الانتقالية في ذكرى ثورة أكتوبر السودانية في 1964 التي أطاحت بنظام الفريق إبراهيم عبود العسكري، في مقابل تظاهرات أخرى سيّرتها قوى "ميثاق التوافق الوطني" تطالب بحل الحكومة الانتقالية.
وتحلّ هذه الذكري في ظل أزمة سياسية خانقة وخلافات وانقسامات عميقة بين أطراف الشراكة الانتقالية بين المكوّنين المدني والعسكري وبعض أطراف العملية السلمية الموقعين على اتفاق "سلام جوبا".
ومنذ مطلع أكتوبر الجاري، تعاني قوى "الحرية والتغيير" انقساماً حاداً هو الأعمق منذ تكوينها في يناير (كانون الثاني) 2019، بعد تنظيمها وقيادتها التظاهرات التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وفي الثامن من سبتمبر (أيلول) الماضي، وقعت قوى سياسية وحركات مسلحة، إعلاناً سياسياً في العاصمة الخرطوم تحت عنوان "الإعلان السياسي لوحدة قوى الحرية والتغيير وقضايا الانتقال وبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية"، ما حرّك مكونات أخرى داخل "الحرية والتغيير" للإعلان عن ميثاق وطني لوحدة قوى إعلان "الحرية والتغيير" (منصة التأسيس)، تم توقيعه في الثاني من أكتوبر.
وأبرز الموقعين على ميثاق "التوافق الوطني"، حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، والحزب الاتحادي (الجبهة الثورية)، مسار الوسط في اتفاق السلام، وحزب البعث السوداني، والتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، وفصيل منشق عن الحركة الشعبية شمال، خميس جلاب.