قبل أيام قليلة من قمة المناخ العالمي (كوب 26)، يجد المسؤول عنها في الحكومة البريطانية ووزير الأعمال السابق، ألوك شارما، نفسه في وضع حرج. فحتى الآن، فإن عدداً من قادة الدول الأكثر تلويثاً للبيئة بالانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، إما أعلنوا تغيّبهم وإما لم يؤكدوا حضورهم بعد.
وتعقد القمة في الفترة ما بين 31 أكتوبر (تشرين أول) الحالي و12 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في غلاسكو. وأرادت بريطانيا أن تكون القمة بالحضور الشخصي وليس عن بعد بالفيديو عبر الإنترنت. لكن، حتى الآن، من بين 200 دولة لم يتأكد حضور سوى أكثر من نصف القادة (120 دولة). وهناك 11 من قادة دول مجموعة العشرين قد يتغيبون عن القمة.
كذلك يتغيب بابا الفاتيكان فرانسيس، الذي خضع لعملية جراحية في القولون، وأكدت موسكو أن الرئيس فلاديمير بوتين لن يحضر القمة في بريطانيا. وهناك شكوك حول حضور الرئيس البرازيلي جاير بولسنارو، ورئيس وزراء الهند نارندرا مودي. أما الرئيس الصيني شي جينبينغ فلن يحضر، وإن لم يتأكد ذلك حتى كتابة هذا التقرير. لكن المسؤولين الصينيين أبلغوا المسؤولين عن قمة مجموعة العشرين في إيطاليا، التي تعقد يوم 30 من أكتوبر الحالي أي قبل قمة المناخ بيوم واحد، أن الرئيس الصيني لن يحضر.
ولم يغادر الرئيس الصيني بكين منذ مطلع العام الماضي، في ما يبدو زيادة في الحرص على صحته من التقاط فيروس كورونا خلال السفر للخارج.
وتعد الصين من أكبر الدول التي تصدر عنها انبعاثات تسبب تغير المناخ، وما زالت تستخدم الفحم بكثافة في إنتاج الطاقة الكهربائية. أما روسيا، فهي تأتي في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر تلويثاً للبيئة.
مخاوف بشأن الالتزام
بغياب قادة معظم الدول الخمس الكبرى التي تصدر عنها انبعاثات مسببة للاحتباس الحراري تتزايد الشكوك بشأن التزام الدول المشاركة في القمة بالهدف الرئيس، وهو الحفاظ على معدل الزيادة في درجة حرارة الأرض عند أقل من 1.5 درجة مئوية. وذلك المعدل الذي حدده العلماء وأقرته الأمم المتحدة باعتباره النقطة الحاسمة التي تصعب بعدها مكافحة تغير المناخ. ويعني ذلك وضع أهداف محددة لانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من النشاطات البشرية كالصناعة وغيرها لتقليل معدلات الاحتباس الحراري في الجو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووضعت معظم الدول أهداف خفض الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030، على أن تصل إلى مستوى "صفر كربون" بحلول 2050 كما تطالب الأمم المتحدة، وإن كانت روسيا مثلاً أعلنت أنها تستهدف تقليل الانبعاثات بحلول عام 2060. وفي ظل زيادة الطلب الصيني على الطاقة، وبالتالي زيادة إنتاج الفحم، لا يتوقع أن تحقق الصين أياً من أهداف خفض الانبعاثات طبقاً للمواعيد التي تطالب بها الأمم المتحدة.
حتى أستراليا، التي تعد واحدة من أكبر مصدري الفحم والغاز في العالم، وعلى الرغم من تعهدها بخفض الانبعاثات فإنها على الأرجح لن تحقق تلك الأهداف في مواعيدها. وكان رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، تعرض لعاصفة من الانتقادات في وقت سابق من هذا الشهر، حين أعلن أنه ربما لن يحضر قمة "كوب 26" في غلاسكو ببريطانيا. وأعلن موريسون قبل أيام أنه ربما سيحضر القمة شخصياً.
ومع أن الدول كلها سترسل وفوداً إلى القمة، فإن غياب قادة عدد من الدول الرئيسة يعني احتمال عدم التوصل إلى اتفاق حاسم بشأن القضية الرئيسة، وهي خفض الانبعاثات الكربونية للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، فالقادة هم القادرون على حسم القرار والتعهد بأهداف محددة.
موقف بريطانيا وأميركا
حين سئل ألوك شارما من نواب البرلمان البريطاني بشأن معايير نجاح القمة لم يكن رده حاسماً. وعما إذا كان الاتفاق بشأن أهداف محددة لخفض الانبعاثات ملزماً للمشاركين، قال شارما "سيكفي التعهد بالالتزام". وعلى الرغم من تكرار تأكيده للبرلمانيين أن بريطانيا تأتي في موقع الريادة في مكافحة تغير المناخ، فإن النواب بدوا متشككين في ذلك. وفي النهاية، اضطر الوزير شارما إلى القول "ستكون هناك قمم مناخ عالمية أخرى مقبلة ونأمل أن نحقق تقدماً".
بالطبع، تعرضت سياسة حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون لانتقادات من المعارضة السياسية، خصوصاً حزب العمال، ومن مناصري البيئة والمتحمسين لمكافحة التغيرات المناخية. وركز هؤلاء على عدم كفاية ما أعلن من سياسات بريطانية لتبوء موقع الريادة في مكافحة تغير المناخ. وانتقدوا غياب قادة أكثر الدول تلويثاً للبيئة عن القمة.
من بين الدول الخمس الأكثر تلويثاً للبيئة بالشكل المسبب للاحتباس الحراري، يقود الرئيس الأميركي جو بايدن جهود مكافحة التغير المناخي. وكان قادة الدول الخمس، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان والهند، تغيبوا كلهم عن قمة المناخ العالمية الماضية في عام 2019. وكان الرئيس الأميركي وقتها دونالد ترمب من المشككين في التغير المناخي من الأساس.
وحتى الآن، لم يتأكد حضور رئيس الوزراء الياباني الجديد فوميو كوشيدا القمة. وقد سبق وأعلن أنه ربما يشارك عبر تطبيق زوم من طوكيو، لكن يبدو أن ذلك لن يحدث لأن القمة أساساً بالحضور الشخصي.
وسيعني ذلك أن الرئيس الأميركي سيكون الوحيد من بين قادة الدول الخمس الأكثر تلويثاً للبيئة الذي يحضر القمة. وحتى الآن، يبدو التفاؤل بإمكانية تحقيق إنجاز كبير على صعيد مواجهة التغير المناخي في قمة غلاسكو في تراجع. ويضع ذلك بايدن وجونسون في موقف حرج إذا لم تتمكن القمة من تحقيق إنجاز يفوق قمة باريس عام 2015، حين تم التوصل إلى اتفاق دولي ملزم بشأن تحقيق أهداف مكافحة التغيرات المناخية عالمياً.