أطلق وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد تحذيراً نبه فيه إلى أن القيود المتعلقة بمواجهة فيروس "كورونا" قد يعاد تطبيقها في إنجلترا في الفترة التي تسبق عيد الميلاد، مع وصول عدد الإصابات بالعدوى في المملكة المتحدة إلى نحو 50 ألفاً في يوم واحد- وهو أعلى مستوى له منذ شهر يوليو (تموز) الفائت.
لكنه في المقابل، لم يستجب لدعوات وجهها القيمون على مرافق "خدمات الصحة الوطنية" NHS إلى الحكومة، بالمباشرة فوراً في تطبيق خطتها "باء" في مواجهة تفشي فيروس "كوفيد - 19"، التي تفرض إلزامية ارتداء أقنعة الوقاية، ووجوب إبراز جوازات اللقاحات لدخول الأماكن المزدحمة كالنوادي الليلية، إضافةً إلى إرشادات بالعمل من المنزل، معتبراً أن الضغوط على قطاع خدمات الصحة لم تصل بعد إلى وضع "لا يمكن تحمله".
ودعا وزير الصحة البريطاني مواطنيه إلى استعادة "مزاج بليتز" (مصطلح استخدمته الصحافة البريطانية لوصف اتحاد البريطانيين وصمودهم في مواجهة التهديد بغزو نازي لبلادهم خلال الحرب العالمية الثانية) التي سادت خلال الأيام الأولى للوباء، منبهاً إياهم إلى أنه ما لم "يقوموا بواجبهم" من خلال قبولهم أخذ اللقاحات والجرعات المعززة، فمن الممكن أن يفقدوا الحريات التي يتمتعون بها منذ رفع الإغلاق في البلاد في يوليو (تموز) الفائت.
ووجه جاويد انتقاداً إلى نواب في حزب "المحافظين" لم يعمدوا إلى وضع أقنعة الحماية أثناء وجودهم في قاعة مجلس العموم البريطاني، معتبراً أنه كان عليهم أن يكونوا قدوةً للجميع في إطار اتباع التوجيهات التي تقضي بوجوب ارتداء أقنعة الوقاية في الأماكن المزدحمة، وفي تلك غير المعرضة للتهوية، وتحديداً عند الالتقاء بأناس لا يتم الاختلاط معهم في العادة.
وأضاف جاويد في معرض تحذيره من أن الإصابات اليومية بـ"كوفيد" في البلاد قد ترتفع إلى 100 ألف حالة أو أكثر: "هل أقول إننا إذا لم نقم بواجبنا... فعلى الأرجح أننا سنعود إلى القيود السابقة مع اقتراب فصل الشتاء؟ إنني فعلاً أؤكد ذلك. فقد كنا شديدي الوضوح في أن لدينا جميعاً دوراً نضطلع به. وإذا لم يتلق عدد كاف من الناس الجرعة المعززة للقاح، وإذا لم يتقدم عدد كاف من الأشخاص المؤهلين للعرض الأصلي لتلقي التطعيم، وما لم يرتد الناس أقنعة الحماية في الوقت الذي يتعين عليهم القيام بذلك... فإننا سنعاني من التبعات".
وفي الوقت الذي تجهد فيه الحكومة البريطانية لدفع الناس نحو تلقي الجرعات المعززة التي أعطيت فيها الأولوية، منذ منتصف سبتمبر (أيلول)، للبريطانيين الأكبر سناً والأكثر ضعفاً، أكد وزير الصحة جاويد أنه بات في إمكان الناس لأول مرة تحديد موعد للحصول على الجرعة، بدلاً من انتظار دورهم وأن تتم دعوتهم.
وأوضح في المقابل، أن آلافاً من المرضى المعرضين لخطر الإصابة بالفيروس، يمكنهم أن يتناولوا هذا الشتاء، أدوية رائدة مضادة للفيروسات، بغية التخفيف من أعراض "كوفيد - 19"، وذلك بعدما أعلنت الحكومة عن صفقات لتأمين علاجين جديدين في هذا الإطار.
لكن جوناثان أشوورث وزير الصحة في حكومة الظل "العمالية" المعارضة، اتهم جاويد بالمبالغة في الرضا عن الذات، وقال: "إن ما سمي ’جدار الدفاع’ في مواجهة ’كوفيد’ آخذ في التهاوي، ونحن الآن في حاجة إلى خطة لإعادة بنائه".
في غضون ذلك، نبهت جيني هاريس الرئيسة التنفيذية لـ"وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" UK Health Security Agency، إلى أن الأدلة تظهر أن فاعلية اللقاحات المضادة لفيروس "كورونا" تأخذ في التراجع بعد خمسة أشهر من التطعيم، ما يجعل الجرعة المعززة ضرورية خصوصاً للأفراد المسنين، الذين ربما تلقوا أول تطعيم لهم قبل فترة طويلة، كديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.
وأشارت إلى أنه في حين أن اللقاحات تظهر فاعلية بنسبة 80 في المئة أو أكثر، في الوقاية من الأمراض الخطيرة وفي عدم الحاجة للاستشفاء، فإنها في الواقع لا توقف العدوى. ما يعني أنه حتى الأشخاص الذين يتناولون جرعتين من اللقاح، يتعين عليهم مواصلة استخدام أقنعة الوقاية لتجنب إصابة الأفراد الآخرين.
وفي تلميح من هاريس إلى القلق الذي ينتاب الجهات الرسمية من أن الزيادة المفاجئة في حالات الإصابة بعدوى "كوفيد"، مردها إلى استرخاء الجمهور في اعتماد الحذر، وعودة أفراده إلى ممارسة الحياة الطبيعية، حذرت من أنه- بينما لا يزال معدل تكاثر الفيروس الذي يرمز إليه بالحرف R (متوسط عدد الإصابات الثانوية التي يسببها شخص مصاب بالعدوى للآخرين) يحوم حول المستوى الحاسم وهو الرقم 1 (ما يعني أن كل 10 أشخاص مصابين سينقلون العدوى إلى 10 آخرين) - "فإن اختلافات صغيرة للغاية في سلوك الناس"، يمكن أن تتسبب في تراجع الجائحة أو في زيادة تفشيها.
وكانت آخر الأرقام الرسمية في بريطانيا قد سجلت وقوع 49,139 حالة إصابة جديدة بداء "كوفيد"، الثلاثاء وحده، مع 869 حالة دخول إلى المستشفيات، و179 حالة وفاة. وارتفع مجموع عدد الوفيات البالغ 954 حالة خلال الأيام السبعة الماضية، بنسبة 21 في المئة عن الأسبوع السابق، فيما ارتفع إجمالي حالات الدخول إلى المستشفيات التي استمرت سبعة أيام والبالغة 6,074 حالة، بنسبة 11 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبرت الرئيسة التنفيذية لـ"وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة"، أنه "من المقلق" رؤية معدلات الإصابة بالفيروس مرتفعة كما كانت عليه في الشتاء الماضي، عندما ضربت الموجة الثانية من وباء "كوفيد" بريطانيا.
وزير الصحة البريطاني دعا الناس إلى الإبقاء على إجراءات الوقاية الطوعية- كعقد اللقاءات في الهواء الطلق، وإبقاء النوافذ مفتوحة، ووضع أقنعة الحماية في الأماكن العامة المزدحمة- لمنح البريطانيين فرصة إحياء عيد الميلاد بعيداً من القيود.
وأضاف الوزير جاويد أنه "مع اقتراب فصل الشتاء، فإن خطوات صغيرة من هذا القبيل يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً. إنها تعد الآن أكثر أهمية مما كانت عليه في أي وقت مضى. وإذا ما قام كل منا بواجبه، فيمكننا أن نمنح أنفسنا أفضل فرصة ممكنة في هذا السباق لاجتياز الشتاء الآتي، والاستمتاع بفترة عيد الميلاد مع أحبائنا".
واعتبر أنه لتجنب إعادة فرض قيود في المستقبل، فلا بد من أن يقبل أكبر عدد ممكن من الأفراد عرض تلقي الجرعة المعززة، وأن يتطعم الخمسة ملايين شخص بالغ الذين لم يتلقوا بعد أي لقاح. وفي المقابل، لم يتم حتى الآن تطعيم سوى 4 ملايين فرد بالجرعات المعززة.
كلام وزير الصحة البريطاني الذي أتى في سياق أول مؤتمر صحافي عن فيروس "كورونا" يعقده في "داونينغ ستريت" منذ نحو 5 أسابيع، جاء بعد ساعات قليلة من توجيه الرئيس التنفيذي لـ"اتحاد خدمات الصحة الوطنية" NHS Confederation (رابطة تضم جميع السلطات الصحية والمستشفيات التي تقدم خدمات الصحة في إنجلترا وويلز) طلباً للحكومة، بإعادة تطبيق القيود تجنباً "للوقوع في أزمة" هذا الشتاء.
وأضاف ماثيو تايلور في مقابلة أجراها معه برنامج "توداي" الذي تبثه إذاعة "بي بي سي راديو 4" قائلاً إن "ما نواجهه الآن هو عاصفة متكاملة. فدائماً ما يكون فصل الشتاء ضاغطاً على مرافق ’الخدمات الصحية الوطنية’ لأسباب عدة، يضاف إليها عدد مرضى ’كوفيد’ الذين يدخلون المستشفيات، والذين يبدو أن عددهم الآن آخذ في الارتفاع. من هنا، يفضل ارتداء الأقنعة في الأماكن المزدحمة، وتفادي التجمعات غير الضرورية داخل الأماكن المغلقة، والعمل من المنزل إذا كان في ذلك ممكناً".
وقال تايلور: "إنني لا أقلل من شأن هذه المضايقات، لكن يتعين علينا أن نأخذ خياراً خصوصاً إذا ما كنا نستطيع أن نتوقع ما هو من شبه المحتم حدوثه في المستقبل".
إلا أن وزير الصحة ساجد جاويد بدا غير مقتنع بكلام ماثيو تايلور، فقد رأى أن الظروف في مرافق "الخدمات الصحية الوطنية"، لم تصل بعد إلى العتبة التي كان رئيس الوزراء بوريس جونسون قد حددها الشهر الماضي لوضع خطته "باء" موضع التنفيذ.
وقال: "لا نعتقد أن الضغوط التي تواجه ’الخدمات الصحية الوطنية’ في الوقت الراهن من غير الممكن تحملها... في هذه المرحلة". لكنه أضاف: "إذا ما شعرنا في أي وقت بأن الضغوط أصبحت لا تحتمل، فلن نتردد في التصرف".
آدم فين العضو في "اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين" في بريطانيا Joint Committee of Vaccination and Immunisation، حذر من أنه إذا تخلى الناس عن ارتداء أقنعة الحماية، واتخاذ الاحتياطات اللازمة في الأماكن المزدحمة، "فسنعود إلى الأيام السيئة التي عشناها سابقاً عندما طلب منا البقاء في المنزل".
ولاحظ أن "الجميع في ما يبدو، قد عادوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية". وقال إن "هذه اللقاحات هي مفيدة للغاية في منع دخولكم إلى المستشفى، لكن قدرتها على الحيلولة دون إصابتكم بالعدوى بشكل مطلق أو نقل الفيروس إلى الآخرين، فهي متواضعة".
وختم فين بالقول: "إنها لا تحل المشكلة بأي حال من الأحوال. وإذا ما أردنا لأرقام الإصابات أن تنخفض، فيتعين علينا القيام بما هو أكثر من ذلك. لقد حان الوقت حقاً كي يدرك الناس، أنه لا يمكننا العودة، على هذا النحو، إلى حياتنا الطبيعية".
© The Independent