ربما تكون نتائج الانتخابات العراقية التي نظمت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، خطوة مهمة في ارتفاع حظوظ رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، للفوز بولاية ثانية بعد تراجع شعبية القوى السياسية الراغبة بإزاحته من المنصب وجلب مرشح آخر لتمرير الكثير من مشاريعها السياسية والاقتصادية.
ومع انخفاض مقاعد كتلة الفتح وعدم تحقيق بقية القوى الحليفة لها مثل دولة القانون والعقد الوطني والمستقلين، مقاعد تفوق الـ 73 مقعداً التي حصل عليها التيار الصدري، يبدو الطريق سالكاً ولو بشكل مؤقت نحو ولاية جديدة للكاظمي، خصوصاً مع عدم ممانعة القوى الفائزة في ترشيحه.
معارضة شرسة
ويمكن أن يصطدم هذا التوجه بمعارضة شرسة من قبل بعض القوى الشيعية مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ودولة القانون التي تطمح بأن يكون رئيس الوزراء المقبل مرشحاً من قبلها.
في ظل هذا الإرباك السياسي داخل الأوساط السياسية، يجري الحديث عن أسماء مطروحة من بينها الكاظمي بشرط إحراز توافق داخل البيت الشيعي عليه مع بقية القوى السياسية العراقية.
الصدر والربيعي والكاظمي والزرفي
تشير أوساط مطلعة على المفاوضات التي يجري بعضها في الخفاء بين القوى الشيعية، إلى أن أبرز الأسماء المقترحة سواء من الصدريين أو مما يُسمّى الإطار التنسيقي، نصار الربيعي، القيادي في التيار الصدري، وجعفر الصدر، نجل رجل الدين الشيعي الراحل محمد باقر الصدر (أعدمه صدام حسين مع شقيقته العلوية بنت الهدى في 9 أبريل 1980) وحسن الكعبي، القيادي الصدري ونائب رئيس البرلمان.
وضمن الأسماء المرشحة أيضاً عدنان الزرفي، محافظ النجف الأسبق وعضو البرلمان السابق، ومحمد شياع السوداني، النائب السابق ووزير العمل والشؤون الاجتماعية الأسبق، وأسعد العيداني، محافظ البصرة منذ عام 2017 ونوري المالكي، رئيس الوزراء السابق الذي شغل رئاسة الوزارء لدورتين أكثر من ثمانية أعوام في يونيو (حزيران) 2004 وحتى سبتمبر (أيلول) 2014، إضافة إلى الكاظمي.
اعتراضات متبادلة
ولعل عدداً كبيراً من هذه الأسماء، وبحسب ما كشف بعض الساسة العراقيين المطلعين على مجريات المفاوضات، تخص التيار الصدري أو المقربين منه، وهذا ما سترفضه كتل سياسية معارضة حالياً لنتائج الانتخابات كالإطار التنسيقي المشكل حديثاً، كما أن هناك أسماء أخرى لن يرضى بها الصدريون ولعل أبرزها المالكي الذي عليه اعتراضات من قبلهم ومن جانب الكرد وأطراف خارجية.
الكاظمي أنسب الحلول
تبدو شخصية مصطفى الكاظمي وبحسب متابعين للشأن السياسي، أنسب الحلول للجميع ولا توجد عليه اعتراضات كبيرة من قبل جميع الأطراف، بخاصة الأوساط الأقليمية، نظراً إلى تحقيقه بعض النجاحات الاقتصادية وتطويره العلاقات العراقية العربية.
ويقول الباحث في الشأن السياسي عصام الفيلي إن الكاظمي هو الأكثر حظاً لتولّي رئاسة الوزراء لولاية ثانية لوجود دعم سياسي له من كتل مهمة ودعم دولي لنجاحه في عدد من الملفات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أنه الأكثر حظاً من دون منافس، مؤكداً أن قوى سياسية تعمل من أجل أن يتولّى هذا المنصب في المرحلة المقبلة لإدراكها عدم وجود مؤشرات فساد عليه.
متخصصون في الأزمات
وعن الكتل التي من الممكن أن ترفض الولاية الثاني للكاظمي، يقول الفيلي إن "هناك قوى تخصصت في صناعة الأزمات وهي ترغب بأن يخرج رئيس الوزراء المقبل من عباءتها"، مبيّناً أن القراءة غير القريبة من الواقع تسيطر على ذهنية هذه القوى في وقت أن الخريطة الإقليمية في العراق تغيرت كثيراً ومستوى وعي الناس تغيّر.
لا توجد معارضة دولية
ويشير الفيلي إلى أن المجتمع الدولي والدول الإقليمية لن يعارضان تولّي الكاظمي رئاسة الوزراء لتحقيقه نجاحات في ملفات عدة على الصعيد الدولي، لافتاً إلى أن العالم العربي يريد الكاظمي لإدراكه أنه نجح في تسويق بلاده عربياً، وتحريره من البعد الإقليمي الذي كان ولا يزال يهدد العلاقات العراقية العربية من وجهة النظر العربية.
وترغب بعض القوى السياسية بأن يبقى العراق حبيس المحاور المتصارعة بحسب الفيلي الذي يوضح أن الولايات المتحدة لم تضع "فيتو" على الكاظمي.
حققت نجاحات مهمة
بدوره، قال مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل إن الكاظمي حقق نجاحات على الصعيد الاقتصادي وطوّر علاقاته الإقليمية والعربية، مبيّناً أن هناك كتلاً سياسية مهمة ترغب بتولّيه رئاسة الوزراء في المرحلة المقبلة.
وأضاف أنه "حقق نجاحات على مستويات عدة منها الوضع الاقتصادي، وأن مؤتمر دول الجوار الإقليمي للعراق واحد من هذه النجاحات"، لافتاً إلى أن الكاظمي يعمل وفق مبدأ الشراكة والمصالح المتبادلة مع دول الجوار وتطوير العلاقات مع عدد من الدول العربية، منها الأردن ومصر والسعودية وجذب الاستثمارات الخليجية ووضع سياسات واضحة مع إيران وتركيا وزيادة التبادل التجاري مع كل منهما".
وأوضح فيصل أن الكاظمي وضع برنامجاً لخروج القوات الأميركية من العراق وإرضاء المطالبين بهذا الاتجاه، فيما حقق مطالب بعض الجماهير، من ضمنها تغيير قانون الانتخابات وإدخال بعض الشباب المنتفضين إلى البرلمان المقبل عبر نظام الانتخابات الجديد.
وكان البرلمان العراقي أقرّ في أكتوبر 2020 قانون الانتخابات الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة في المحافظة والذي زاد عدد المرشحين المستقلين من الفائزين بالانتخابات، وخفض مقاعد غالبية الكتل السياسية الكبيرة.
عدم الانتماء الحزبي
وتابع فيصل أن ما يزيد من نسب حظوظ الكاظمي هو عدم انتمائه إلى حزب سياسي معين، مما يعطيه حيادية في حل المشكلات، مشيراً إلى وجود تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة، منها الفقر والتضخم والجريمة المنظمة وتجارة الأعضاء البشرية والعشوائيات والحاجة إلى استراتيجيات كبرى لوضع العراق بالاتجاه الصحيح في خريطة الشرق الأوسط كبلد متطور على صعيد الصناعة والزراعة والبنى التحتية والاتصالات.
كتل مؤيدة
وعن الكتل التي تؤيد ترشيد الكاظمي بيّن أن "الديمقراطي الكردستاني يرحّب بتكليف الكاظمي لولاية ثانية وأيضاً الاتحاد الوطني الكردستاني"، مشيراً إلى أن أي أسماء أخرى مطروحة إعلامياً أو خلف الكواليس لن تلاقي القبول كونها رُشّحت سابقاً وواجهت رفضاً شعبياً وسياسياً.
في سياق متصل، يقول الكاتب والصحافي علي بيدر إن البيت الشيعي سيضطر إلى قبول تولّي الكاظمي ولاية ثانية لإحراز التوافق داخل هذا البيت، موضحاً وجود دعم دولي وشعبي لشخصيته.
رفض متبادل
وتابع أن إصرار الإطار التنسيقي على ترشيح المالكي الذي سيراه الصدر سلباً لحقوقه الانتخابية، بالتزامن مع رفض الإطار التنسيقي أن يكون رئيس الوزراء صدرياً، لا سيما في ظل العلاقات غير الجيدة بين مقتدى الصدر ونوري المالكي بعد اعتقال أعداد كبيرة من الصدريين إبان تولّيه رئاسة الحكومة، مؤكداً أن هذه المواقف تجعل الكاظمي الأقرب لولاية ثانية.
وكان المالكي أطلق عملية أمنية باسم "فرض القانون" عام 2008 لفرض الأمن في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات، لا سيما في محافظة البصرة جنوب العراق، نتج منها اعتقال عدد كبير من جيش المهدي، الجناح العسكري للصدريين آنذاك.