يحتاج العراق يومياً إلى ستة مليارات قدم مكعبة يشتريها من إيران بأسعار أعلى من السوق بأضعاف عدة، إذ يشتري المليون وحدة حرارية بثمانية دولارات، على الرغم من أنه يمتلك احتياطيات غازية كبيرة، لم يستثمرها طيلة السنوات الماضية، حيث إن 70 في المئة من الغاز العراقي مصاحب لإنتاج النفط الخام، كما بدأت حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بتنفيذ استراتيجية تتمثل باستثمار الغاز، ووقعت عقوداً كبيرة مع الشركات العالمية.
زيادة الاستثمار ودعم مشاريع تطوير قطاع الغاز
وشدد وزير النفط العراقي، إحسان عبدالجبار، على ضرورة زيادة الاستثمارات والدعم لمشاريع تطوير قطاع الغاز من أجل تلبية الحاجة المتنامية للأسواق العالمية من الوقود النظيف. وقال عبدالجبار على هامش مشاركته في أعمال أسبوع منتدى الطاقة العالمي في روسيا، "يجب تنظيم سوق الغاز العالمية، والإسراع بتنظيم آليات تحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب من قبل الدول المنتجة"، داعياً إلى "معالجة حالة الإرباك الحاصلة في الأسواق العالمية نتيجة نقص الإمدادات من قبل الدول المنتجة وزيادة كبيرة في الطلب". وشدد الوزير العراقي على ضرورة "إفادة الدول المنتجة للغاز من تجربة "أوبك+" في التعاطي الواقعي مع الإنتاج والاستهلاك العالمي ومعالجة التحديات والأزمات التي تواجهها.
حاجة مستمرة للغاز في إنتاج الكهرباء
وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن "العراق يحتاج حالياً إلى ستة مليارات قدم مكعبة قياسية لتشغيل محطات الكهرباء العاملة حالياً لديه، وهناك حاجة مستمرة للغاز في إنتاج الكهرباء لارتفاع كفاءته التشغيلية في موضوع إنتاج الكهرباء من محطات تعتمد تكنولوجيا الدورات المركبة، وتجهز وزارة النفط المنظومة الوطنية للكهرباء بنحو 2505 مليون قدم مكعبة قياسية يومياً من الغاز، وتستورد بلادنا من إيران قرابة 1750 مليون قدم مكعبة قياسية يومياً، وما زال كثير من محطات الكهرباء تعتمد في وقودها على النفط الخام (إذ إن كل ميغاواط يحتاج إلى 40 برميلاً)، أي إن العراق بحاجة إلى أكثر من 800 ألف برميل يومياً لتشغيل المحطات، وهذه خسارة إزاء ارتفاع أسعار النفط الخام إلى 80 دولاراً للبرميل، ما يعني خسارة سنوية بحدود 23 مليار دولار في إنتاج طاقة كهربائية محدودة".
وعن الحلول، أضاف صالح، "تعظيم الاستثمار في الغاز المصاحب لإنتاج النفط الخام، وكذلك الاستثمار المباشر في حقول الغاز الطبيعي في بلادنا مثل عكاز والمنصورية، وغيرهما من الرقع المقرة في الصحراء الغربية". وتابع، "يستهدف العراق طاقة استثمارية بأربعة مليارات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي قبل عام 2025، حيث تؤشر خطط وزارة النفط إلى أنها بصدد تنفيذ ثلاثة مشاريع واعدة لاستثمار الغاز في محافظات البصرة، وميسان، وذي قار، لتضيف أكثر من مليار قدم مكعبة قياسية في اليوم من الغاز إلى الإنتاج الوطني".
وختم صالح قائلاً، "تقرير صادر عن البنك الدولي في أبريل (نيسان) 2021 حول حرق الغاز في عام 2020 يشير إلى أن روسيا، والعراق، وإيران، والولايات المتحدة، والجزائر، وفنزويلا، ونيجيريا، لا تزال أكثر سبعة بلدان في العالم تحرق الغاز على مدى تسع سنوات متتالية، منذ إطلاق أول قمر صناعي عام 2012 لتتبع عمليات حرق الغاز، وتنتج هذه البلدان السبعة نحو 40 في المئة من النفط العالمي سنوياً، لكنها تمثل نحو ثلثي (65 في المئة) عمليات حرق الغاز على مستوى العالم".
خطة استراتيجية للمرحلة المقبلة
ووضعت وزارة النفط خطة استراتيجية للمرحلة المقبلة، وتتألف، وفقاً للمتحدث الرسمي باسم الوزارة، عاصم جهاد، من ثلاثة محاور تسير معاً. وقال جهاد في تصريحات صحافية، إن "الاستراتيجية التي تعتمدها الوزارة في المرحلة المقبلة تتضمن محور تعظيم الإنتاج الوطني من الغاز المصاحب للعمليات النفطية والغاز الحرّ من خلال الجهد الوطني والتعاون مع الشركات العالمية الرصينة، والتحول التدريجي إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة، بدلاً من الوقود السائل، لمردوداتها الاقتصادية العالية، والتزاماً من العراق بالاتفاقات الدولية بخصوص البيئة والمناخ". وذكر جهاد أن "العقود التي أبرمتها الوزارة لتنفيذ مشاريع استثمار الغاز في محافظات البصرة وذي قار وميسان ستسهم بإضافة كميات كبيرة من الغاز وتوقف حرقه وهدره".
أضاف أن "المحور الثاني يتضمن تكثيف العمل الاستكشافي في الصحراء الغربية في الأنبار ونينوى، وعدد من المناطق الحدودية التي تحتوي على التراكيب الهيدروكربونية، خصوصاً الغازية منها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بخصوص المحور الآخر، فأوضح جهاد أنه "يعتمد توسيع وزيادة الطاقات الخزنية والتصديرية للموانئ الجنوبية وتطوير البنى التحتية"، لافتاً إلى "الاتفاق مع شركة (توتال) العالمية لضخ 27 مليار دولار لتنفيذ أربعة مشاريع استراتيجية في جنوب العراق"، عاداً ذلك خطوة مهمة تدعم مشاريع الإنتاج النفطي، واستثمار الغاز والطاقة المتجددة. وأكد فتح النقاش مع شركة "شيفرون" الأميركية بشأن مشروع مقاطعة الناصرية لإنتاج النفط والغاز في أربع رقع استكشافية بمحافظة ذي قار، لأهميته في تعزيز وإدامة الإنتاج الوطني، مشيراً إلى أنه سيسهم في دعم الاقتصاد الوطني ومشاريع التنمية المستدامة.
خطوات التنقيب عن الغاز في مراحلها الأولى
بدوره، وصف أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن الاستثمار في هذا الجانب يمكّن العراق من الاستقلالية في الطاقة والقدرة على إنتاج الكهرباء واستثمار الغاز المصاحب المحترق، إذ إن هذا المشروع سيدفع عجلة التحول في العراق إلى الطاقة النظيفة للأمام، من خلال الاعتماد على التكنولوجيا المقدمة من قبل الشركات الأميركية والفرنسية المتطورة في هذا المجال، ما سيخدم العراق كثيراً من الناحية الاقتصادية، إذ سيمثل الاستثمار في الغاز دعماً كبيراً لقطاع الاقتصاد العراقي، وتهدر البلاد سنوياً من الغاز المرافق لاستخراج النفط الخام في حقوله الغنية، ما تصل قيمته إلى نحو خمسة مليارات دولار، في حين يستورد الغاز بتكلفة تبلغ سبعة مليارات دولار، وفقاً لوزارة النفط، ما يعني أن المشروع قد يوفر للعراق أكثر من 12 مليار دولار سنوياً.
أضاف السعدي، "وفقاً للبيانات الرسمية، فإن محافظة الأنبار تحتوي على كميات هائلة ما زالت حبيسة، جراء السياسات النفطية غير الواضحة من قبل السلطات العراقية، لكن خطوات التنقيب عن الغاز في العراق في مراحلها الأولى، ولا تشكل رقماً في موازنات البلاد السنوية، لا سيما في مدينة البصرة، حيث يحرق سنوياً، بحسب تقديرات لجنة النفط البرلمانية ووزارة التخطيط العراقية، ما يصل إلى نحو 18 مليار متر مكعب من الغاز، وهي كمية كافية لتغطية نصف احتياجات البلاد من هذه المادة الحيوية، وكان ممكناً استثمار جزء كبير منها لإمداد محطات توليد الكهرباء، عوض استيراد الغاز الإيراني، لذا فإن الاستثمار في الغاز يعد خطوة ممتازة في الاتجاه الصحيح من حيث تنوع مصادر الدخل وفتح فرص عمل جديدة في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاج الوطني من الغاز، والحفاظ على بيئة نظيفة آمنة، انسجاماً مع التزامات العراق بالاتفاقات الدولية بهذا الشأن".