أعاد القاضي أحمد ولد هارون، المستشار السابق في وزارة العدل الموريتانية، ملف الفساد إلى الواجهة، بعدما كشف أنه اطلع على "وثيقة رسمية في مكتب وزير العدل تثبت تهريب ملايين الدولارات من دون التحقيق في ذلك".
وبعد الجدل الذي أثاره تصريحه، أوقفت الشرطة القضائية ولد هارون لمدة 36 ساعة، ثم أطلقت سراحه على أن يحال إلى النيابة العامة بداية الأسبوع.
قرب ولد هارون من دهاليز وزارة العدل، التي باشرت العمل على ملفات عدة تتعلق بالفساد، أضفى على تصريحاته لقناة محلية خاصة طابعاً جدياً وتابعها الرأي العام الموريتاني باهتمام بالغ لخطورة ما انطوت عليه من معلومات.
الوزارة ترد
في خضم الجدل حول وجود الوثيقة من عدمه، سارعت وزارة العدل إلى نفي ما جاء في تصريحات ولد هارون. ورفضت، في بيان، "الطابع التحاملي المخالف للقانون لتصريحات المستشار السابق، وما انطوت عليه من تلفيق وسوء نية تجاه مرفقه السابق".
وأوضحت أن الوثيقة تعود إلى "إبلاغ روتيني بمعلومات وردت في تصريحات مشتبه فيهم في مرحلة بحث ابتدائي، وقد تم التوجيه وقتها بالتحقيق في تلك المعلومات على صعد مختلفة ومن خلال جهات عدة بشكل فاعل، فتأكد أن الموضوع يتعلق بعمليات مالية عادية وطبيعية لبعض مرافق الدولة في أعوام سابقة، ولا شبهة فيها نهائياً".
بين يدي القضاء
بعد توقيفه، أكد ولد هارون في بيان مجدداً أن "الوثيقة المذكورة بين أيديهم"، في إشارة إلى السلطات الموريتانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن المحققين سألوه عن الوثيقة التي ذكرها في المقابلة "فأخرجتها لهم في الحين من ذاكرة الكمبيوتر، وبدأوا يجادلونني بشأنها ويقولون إنها ليست خطيرة، وإن الذي لفت انتباهي فيها من حمل موظفين سامين لملايين الدولارات في حقائب أمر عادي يتكرر يومياً في كل دول العالم".
وأضاف "الوثيقة المذكورة بين أيديهم، إن شاؤوا نشروها لكم، وإن شاؤوا تركوها. أما أنا، فكنت وما زلت أنتظر نشرها في الوقت والطريقة المناسبين شرعاً وقانوناً وسياسة. وما دامت القضية صارت بيدَي القضاء، فإني آثرت تقليل الكلام بشأنها، والاحتفاظ بوثائقي وبغيرها من الأدلة والبراهين إلى يوم أخرجها للقضاء وإلى جانبي المحامين".
شخصيات تتضامن
في السياق ذاته، أعلنت شخصيات موريتانية في بيان مشترك تضامنها مع ولد هارون، ووصفت قرار اعتقاله بالتعسفي.
ورأى الموقعون على البيان أن "التصريحات والانتقادات التي عبّر عنها المستشار السابق متداولة يومياً على أكثر من لسان، وفي وسائل إعلامية عدة"، مضيفين أن السلطة "سارعت إلى اعتقاله كأنها كانت تتحيّن الفرص للانقضاض عليه".
وأضاف البيان "نعلن تضامننا الكامل مع الدكتور أحمد لما نعلمه فيه من حسن سيرة وعلو همة وتعلق بالمصالح العليا واهتمام دؤوب بالشأن العام واستعداد للتضحية في سبيله".
الفساد مرة أخرى
يشكّل الحديث عن الفساد كلمة السر في الساحة السياسية الموريتانية، فهو حاضر دائماً في قاموس المعارضة. كما أنه ثابت في سياسات أي حكم يرفع شعار محاربته في وجه الخصوم. فالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي حكم البلاد خلال العقد الماضي، موقوف حالياً على خلفية تهم فساد وجّهتها إليه النيابة العامة، إثر تحقيق برلماني كشف عن اختلالات تسييرية شابها إثراء غير مشروع واستغلال للنفوذ.
العلاقة المترابطة بين الأنظمة الموريتانية والفساد يُرجعها يعقوب أحمد لمرابط، رئيس حركة "كفانا" المعارضة، إلى "تكامل وظيفي بين الأنظمة العسكرية المتعاقبة على الحكم في البلاد".
ويرى أن "المخاطر الكبيرة للفساد أدت إلى ضعف أداء المؤسسات الوطنية، إضافة إلى تراجع حجم الاستثمارات الخارجية، لأن استمرار الفساد يعني عرقلة النمو وتهديد المجتمع، واستمرار انتشاره يؤدي إلى مزيد من الإخفاقات"، قائلاً إنه "ليس من مصلحة السلطة استمرار هذا الواقع".