في أزمة كبرى تلوح في الأفق بين تركيا وحلفائها الغربيين، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن سفراء عشر دول دعت إلى الإفراج عن المعارض التركي عثمان كافالا، "أشخاص غير مرغوب فيهم". ما يعني طرد الدبلوماسيين العشرة، وهم سفراء الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا وفنلندا والدنمارك وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد.
والاثنين الماضي، أصدرت الدول العشر بياناً يدعو إلى "تسوية عادلة وسريعة لقضية" رجل الأعمال عثمان كافالا، المسجون منذ أربعة أعوام من دون محاكمة، بينما يواجه اتهامات بزعزعة استقرار تركيا، إذ أيّد عام 2013التظاهرات المناهضة للحكومة التي عُرفت بـ"حركة جيزي"، ثم اتهم بالسعي إلى "إسقاط الحكومة" خلال محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 التي اعتُقل على أثرها آلاف المعارضين من الأكاديميين والصحافيين والسياسيين وأُقيل عشرات آلاف الموظفين من وظائفهم ممن يشتبه في صلتهم بحركة رجل الدين المعارض فتح الله غولن.
وفي حين لم يحدد الرئيس التركي موعداً لطرد السفراء، فإنه قال خلال زيارة لوسط تركيا، السبت 23 أكتوبر (تشرين الأول)، إنه أمر وزير الخارجية "بالتعامل في أسرع وقت مع هؤلاء السفراء العشرة باعتبارهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم". وسبق ذلك توجيه أردوغان انتقادات لبيان السفراء باعتباره تدخلاً في الشأن الداخلي للبلاد، مشيراً إلى كافالا بـ"الإرهابي". وقال إن السفراء لن يطلقوا سراح "قطاع الطرق والقتلة والإرهابيين" في بلدانهم.
تداعيات اقتصادية وسياسية
هذا التصعيد ربما يتجه بتركيا إلى ما سيكون أكبر أزمة لحكومة أردوغان مع الغرب وسط توترات قائمة بالفعل منذ سنوات، فرضت على أثرها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات ضد أنقرة قبل عام.
الدول العشر، بينها سبع من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فضلاً عن أن جميعها أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأربع من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبار وأثنتان منها من أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية ممن لهم حق النقض (الفيتو)، فضلاً عن أن خمساً منها تمثل شركاء تجارة رئيسيين لأنقرة، مما دفع المراقبين إلى التحذير من الخطوة "المتهورة" من جانب الرئيس التركي والتي ستكون لها تداعيات سياسية واقتصادية في الوقت الذي تعتمد فيه البلاد على التجارة الخارجية والاستثمارات لإنعاش الاقتصاد الراكد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأخيراً، سعى الرئيس التركي لتهدئة التوترات مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات ضد كبار مسؤولي الدفاع الأتراك بشأن شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي "أس-400"، في محاولة لإنقاذ الاقتصاد التركي المتداعي وسط استمرار تراجع الليرة التركية التي بلغت أدنى مستوياتها، الخميس الماضي، لتسجل 9.47 مقابل الدولار، وتفقد 59 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2018، فيما وصل معدل التضخم السنوي إلى قرابة 20 في المئة.
وتسببت التصريحات نفسها في خفض العملة، إذ نبهت "مجموعة أوراسيا" إلى أن أردوغان يواجه خطر "جر الاقتصاد التركي إلى أزمة من صنع الرئيس".
الاقتصاد كلمة السر
وقال سونر چاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن من خلال التهديد بطرد الدبلوماسيين، يبدو أن أردوغان قد تخلى عن تلك المناورة وقطع العلاقات بطريقة تسمح له بإلقاء اللوم على الغرب في الأزمة الاقتصادية. وأضاف "هو يدرك أنه لن يتمكن من تغيير مسار الاقتصاد لذا سيلقي باللوم على الغرب... إنه إقرار بأن الاقتصاد أبعد من أن يتم إصلاحه".
وكتب چاغابتاي، على "تويتر" مشيراً إلى أن مستشاري الرئيس نصحوه بعدم اتخاذ إجراء ضد السفراء الغربيين. وبينما لا يزال من الممكن أن تتراجع الحكومة عن تصريحات الرئيس الأخيرة ضد السفراء، لكن وفقاً للكاتب الأميركي التركي فإن أردوغان نفسه "لا يهتم". وأضاف أن أردوغان يأمل بأن يؤدي التركيز على السفراء إلى "صرف غضب الرأي العام التركي" عن الفشل الاقتصادي، الذي أضر بشدة بشعبية الرئيس وحزبه الحاكم قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في عام 2023.
واتفق ذلك مع تفسير زعيم المعارضة التركية كمال كيلتشدار أوغلو لتصريحات أردوغان، باعتبارها تهدف إلى صرف اللوم عن المشكلات الاقتصادية التي هي "من صنيعته"، بما في ذلك انخفاض قيمة الليرة التركية. وكتب أوغلو، وهو زعيم حزب "الشعب الجمهوري" المعارض الرئيس في تركيا، على "تويتر"، "هذه الإجراءات ليست لحماية المصالح الوطنية، ولكن لخلق أسباب مصطنعة للاقتصاد الذي دمره".
التهديدات تعمق عزلة أنقرة
ومن شأن التصعيد من جانب الرئيس التركي تجاه الحلفاء الغربيين أن يزيد من عزلة أنقرة التي ترتبط بعلاقات متوترة مع جيرانها في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط. وقال أيكان إردمير، مدير برنامج تركيا لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في واشنطن، والعضو السابق في البرلمان التركي، إن "طرد أردوغان (المحتمل) لـ 10 سفراء قد يكون مقدمة للانفصال الوشيك لتركيا عن مجلس أوروبا، خصوصاً أن المجلس بصدد بدء اتخاذ إجراءات انتهاك ضد أنقرة. سيكون هذا هو المسمار الأخير في نعش التوجه التركي المؤيد للغرب".
وفي يونيو (حزيران) الماضي، هدد مجلس أوروبا، للمرة الأولى، بمباشرة إجراءات تأديبية ضد تركيا، بسبب عدم تنفيذها أمر صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ديسمبر (كانون الأول) 2019، بالإفراج عن كافالا. وقالت لجنة الوزراء التابعة للمجلس، في بيان، إن "استمرار الاعتقال التعسفي" لكافالا يشكل "انتهاكاً صارخاً" لالتزامات تركيا بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو "غير مقبول في دولة تخضع لسيادة القانون".
ويمكن أن تؤدي إجراءات الانتهاك إلى تعليق حقوق تصويت دولة عضو والعضوية في مجلس أوروبا الذي انضمت إليه تركيا عام 1950، بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية.
اللائحة الرمادية
تهديدات أردوغان بشأن السفراء وإن كانت ظاهرياً ترتبط بقضية كافالا، فإنها لا تقتصر عليها إذ عج الأسبوع الماضي بالتوترات بعد أن وضعت مجموعة العمل المالي (غافي)، المعنية بمراقبة المخالفات المالية الدولية، أنقرة ضمن لائحتها الرمادية بسبب قصور في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهي اللائحة التي تضم سوريا واليمن وجنوب السودان.
"اللائحة الرمادية" هي خطوة تسبق الإدراج ضمن "القائمة السوداء". وبذل أردوغان جهوداً لتجنب التصنيف، إذ اقترح تشريعاً جديداً يهدف ظاهرياً إلى محاربة الشبكات الإرهابية، لكن منتقديه قالوا إنه يستهدف في الغالب المنظمات غير الحكومية التركية التي تدعم القضايا المؤيدة للأكراد وحقوق الإنسان.
وأزالت مجموعة العمل المالي تركيا من قائمتها الرمادية في عام 2014 بعد أن أدخلت أنقرة تعديلات مختلفة على الإطار القانوني والتنظيمي لديها. مع ذلك، استمرت أوجه القصور المنهجية لأنقرة في التنفيذ، وفقاً للمجموعة.
ووفقاً لمراقبين، فإن وضع أي دولة على "اللائحة الرمادية" يمكن أن يخيف المستثمرين والدائنين ويضر بالصادرات والإنتاج والاستهلاك. ويمكن أن يجعل البنوك العالمية حذرة من التعامل مع بلد ما. وقال مسؤولون سابقون في وزارة الخزانة الأميركية لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن تصنيف مجموعة العمل المالي لتركيا "من المرجح أن يحفز على خروج الأموال من البلاد حيث تضطر البنوك والمستثمرون الأجانب الآخرون إلى إعادة تقييم عملياتهم".