بعد مسيرة صعود حرّكها الطلب القوي في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط ومشتقاته في العالم، تراجعت أسعار النفط في تعاملات اليوم الثلاثاء، إذ انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 21 سنتاً، بما يعادل 0.3 في المئة، إلى 83.55 دولار للبرميل بعد إغلاقها في الجلسة السابقة من دون تغيّر يُذكر عقب اقترابها من مستويات مرتفعة قياسية.
ولم تكُن العقود الآجلة لخام برنت أحسن حظاً من سابقتها، إذ انخفضت هي الأخرى 20 سنتاً أو 0.2 في المئة إلى 85.79 دولار للبرميل، بعد أن ارتفعت 0.5 في المئة خلال تعاملات الاثنين. وفي حين تراجعت أسواق الفحم والطاقة في الصين بعض الشيء بعد تدخل الحكومة، فإن أسعار الطاقة لا تزال مرتفعة عالمياً مع حلول الشتاء في نصف الكرة الشمالي.
طاقة إنتاج النفط تنخفض عالمياً
في الوقت ذاته، حذّرت شركة "أرامكو"، عملاق النفط السعودي، من أن طاقة إنتاج النفط في جميع أنحاء العالم تنخفض بسرعة، وإن الشركات بحاجة إلى زيادة الاستثمار في الإنتاج. ووفق وكالات أنباء، قال الرئيس التنفيذي للشركة أمين الناصر إنه "مصدر قلق كبير، بخاصة أن القدرات الاحتياطية تتقلص".
وتأتي تعليقاته مع ارتفاع أسعار النفط الخام 70 في المئة هذا العام إلى نحو 85 دولاراً للبرميل، فيما دعا عدد من كبار المستهلكين، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان والهند، المنتجين إلى ضخ المزيد. وقال الناصر إن عجز المعروض في أسواق النفط ربما يتفاقم عام 2022 إذا خفّ تفشي كورونا، وعادت حركة السفر إلى طبيعتها.
وأضاف، "إذا حدث انتعاش في قطاع الطيران العام المقبل، فسيتم استنفاد هذه الطاقة الفائضة. لقد وصل الأمر الآن إلى وضع يكون فيه العرض محدوداً. كل ما تبقى من المخزون ينخفض بسرعة".
وانتقد الكثير من تجار النفط والغاز الحكومات ونشطاء المناخ لدعوتهم الشركات إلى التوقف عن الاستثمار في الوقود الأحفوري، قائلين إن ذلك سيؤدي إلى نقص الطاقة في العقد المقبل.
وتوقع وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن يكون هناك "ارتفاع كبير" في مخزونات الخام عام 2022. وأضاف "كورونا لا يزال موجوداً"، مبرراً رفض "أوبك+" تخفيف التخفيضات الكبيرة للإمدادات التي بدأت العام الماضي بشكل أسرع، بحيث لا يزال الطلب على وقود الطائرات محدوداً من حيث النمو. "إذا كنت تفعل المزيد الآن، فأنت تعمل على تسريع المشكلة".
البرميل سيصل إلى 100 دولار
وفي مذكرة بحثية حديثة، قال لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" إن احتمالات وصول سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل مرتفعة، وعزا الزيادة في الأسعار إلى السياسات القصيرة الأمد. ودعا فينك، الذي كان يتحدث في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية، إلى مزيد من التعاون بين القطاعين العام والخاص، لمواجهة تحديات عالمية مثل تغيّر المناخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن ثلثي اقتصاد العالم يعتمد على الأصول (المدارة)، وعلينا توظيف أشخاص لديهم القدرة على إدارة رؤوس الأموال بمسؤولية أكبر. كما دعا إلى إعادة صياغة لدور صندوق النقد والبنك الدوليين، لافتاً إلى أن العالم يمر بمشكلة أساسية، وهي سيطرة القطاع الخاص على الأعمال. وأكد ضرورة التركيز على الاستثمار المستدام.
وكان بنك "غولدمان ساكس" كشف أن انتعاشاً قوياً للطلب العالمي على النفط ربما يدفع أسعار خام برنت القياسي العالمي، لتتجاوز توقّعاته لنهاية العام البالغة 90 دولاراً للبرميل. ورجّح أن يصل الطلب على النفط قريباً إلى مستويات ما قبل الجائحة عند نحو 100 مليون برميل يومياً مع تعافي الاستهلاك في آسيا بعد موجة السلالة المتحورة "دلتا"، كما يتوقّع أيضاً أن يؤدي التحول من الغاز إلى النفط لإضافة ما لا يقل عن مليون برميل يومياً إلى الطلب على الخام.
حالة عدم اليقين تسيطر على الطلب العالمي
وتسببت أزمة الغاز الطبيعي وتسارع وتيرة إحلال النفط الخام بديلاً للغاز في دعم انتعاش الطلب العالمي على النفط بشكل واسع، مع استمرار قيود المعروض سواء من مجموعة "أوبك+" أو خارجها.
وكشفت وكالة "بلاتس" الدولية للمعلومات النفطية، في تقرير حديث، أن ارتفاع أسعار الخام يأتي عقب تباطئها في وقت سابق نسبياً بعدما خيّمت توقعات الطلب على المدى القريب بسبب تأخر نمو التصنيع في الولايات المتحدة وأوروبا.
وأوضح أن علامات تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة العالمية وعودة القيود الوبائية في روسيا أضافت حالة من عدم اليقين إلى توقعات الطلب على النفط على المدى القريب، على الرغم من أن التوقعات الطويلة الأجل لا تزال متفائلة.
ولفت التقرير إلى أن أسواق الطاقة تتعرض لضغوط، ما يعكس اضطراب توقعات الطلب، بينما يظل مقياس مخاطر إمدادات الطاقة ثابتاً، مشيراً إلى إعلان الحكومة الروسية الخميس الماضي أن قيوداً مشددة ستُفرض ضد الوباء في العاصمة موسكو، في ظل ارتفاع أعداد حالات الإصابة والوفيات هناك. وذكر أن التوقعات على المدى المتوسط لأسعار النفط جيدة ولا تزال صعودية بشكل أساسي، لكن ربما نشهد تراجعاً قليلاً خلال الأسبوع المقبل.
وتطرق التقرير إلى توقعات الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي بأن يجيء شتاء هذا العام أكثر اعتدالاً في أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة، ما يحد من استهلاك الطاقة، كما أدى تراجع أسعار الفحم والغاز إلى زيادة ضغط البيع، ما تسبب في انخفاض طفيف في أسعار النفط في التعاملات اليومية.
ولفت إلى تراجع سوق الفحم أيضاً في أعقاب إعلان الصين تدابير لمكافحة ارتفاع أسعار الطاقة، ما ربما يبطئ من تحول الوقود إلى النفط، كما أنه في الوقت ذاته من المحتمل أن يشهد إنتاج النفط الخام الأميركي دفعة في الأسابيع المقبلة، بسبب إعادة التشغيل المعلقة لمنشأة "شل" في خليج المكسيك، كما أعلنت "شل" أنها تتوقع استئناف العمليات في المنشأة في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قبل تقديرات السوق لإعادة التشغيل في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
كان "كومرتس بنك" كشف في تقرير حديث أن وضع الإمدادات النفطية "لا يزال ضيقاً ويقاوم أي انخفاض إضافي في الأسعار في سوق النفط"، موضحاً أن استمرار وتيرة سحب المخزونات السريعة وتحفّظ دول "أوبك+" بشأن زيادة الإنتاج سيجعلان أسعار خام برنت "تحافظ على مستوى 85 دولاراً للبرميل حتى نهاية العام".
وذكرت "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك) أن النفط والغاز سيستمران في لعب دور مهم في إمدادات الطاقة العالمية على المديين المتوسط والطويل، وأن تلبية متطلبات الطاقة المتزايدة ستعتمد على التدفق المستمر للاستثمار الصناعي. وأشارت "أوبك" إلى أن الاستثمار الصناعي سيكون أيضاً ضرورياً للنهوض بالابتكار والتكنولوجيا التي ستكون مفيدة في زيادة تحسين البصمة البيئية وتقليل الانبعاثات.