لم تعد الكوارث الطبيعية والأوبئة وغيرها من الظواهر المهددة لحياة البشر، حبيسة دولة أو إقليم، فجائحة فيروس كورونا التي عرقلت اقتصادات العالم وهددت حياة الشعوب ليست سوى صورة مصغرة لما يمكن أن يواجهه العالم في ظل تهديد وجودي أكبر يطارد البشرية جميعها. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية سعى قادة العالم لاتخاذ خطوات حاسمة في مواجهة تغير المناخ وسط ظواهر وتقلبات غير مسبوقة تثير أجراس الإنذار.
وبينما تتجه أنظار العالم نحو مدينة "غلاسكو" في اسكتلندا خلال الأيام المقبلة حيث افتتاح "مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ" (كوب 26)، تتعلق الآمال بشأن اتخاذ قرارات جادة لحل الخلافات العميقة بشأن كيفية خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للحد من ارتفاع درجة الحرارة عالمياً عن 1.5 درجة مئوية، في محاولة لتجنب ارتفاع الظواهر الجوية المتطرفة والأعاصير والجفاف وحرائق الغابات وفقدان التنوع البيولوجي وندرة الغذاء والمياه.
غياب الثقة
وفي حين تسعى القمة لرأب الانقسام بين دول العالم المتقدمة والنامية بشأن معالجة الظاهرة، تتراجع التوقعات وسط غيابات لقادة بعض الدول الأكثر مساهمة في الظاهرة بما في ذلك قادة روسيا والصين واليابان والبرازيل، فضلاً عن خلافات أخرى.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، عن قلقه بشأن قمة غلاسكو، مشيراً إلى غياب التحرك والطموح الضروريين للوصول إلى أهداف متوافقة مع الهدف المنشود. وأضاف أن "هناك مستوى مقلقاً من عدم الثقة. انعدام الثقة بين الدول المتقدمة الكبرى والاقتصادات الناشئة الكبيرة، وانعدام الثقة بشكل عام بين العالمين المتقدم والنامي. لم تكن البلدان المتقدمة حتى الآن قادرة على تنفيذ أو حتى تقديم مجموعة من الالتزامات التي تضمن الوفاء بـ100 مليار دولار لدعم البلدان النامية سنوياً".
وأضاف غوتيرش، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الثلاثاء، أن الناس في البلدان المتقدمة يقولون "حسناً، لقد قمنا بواجبنا. نحن ملتزمون الآن بتحقيق صفر انبعاثات كربونية في عام 2050.. حان الوقت الآن لكي تفعل الاقتصادات الناشئة الشيء نفسه"، حتى لو كان هناك شكوك بشأن مصداقية العديد من تلك الالتزامات. واستناداً إلى مبدأ المسؤوليات المشتركة والمتباينة في اتفاقية باريس للمناخ، يتعين على الدول المتقدمة القيام بذلك قبل عام 2050، والسماح للاقتصادات الناشئة بالقيام بذلك بعد عام 2050.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أن هذه الأمور إذا لم تتغير حتى انعقاد لقاءات غلاسكو، ستصبح القمة "فرصة ضائعة.. ونحن ليس لدينا وقت للفرص الضائعة". ومع ذلك أعرب عن أمله للوعي المتنامي بشأن خطورة الوضع حيث "نقف عند حافة الهاوية" بحسب وصفه.
ويقول مراقبون، إن الثقة بين دول الشمال والجنوب بلغت أيضاً أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد استحواذ البلدان الغنية على إمدادات لقاحات كورونا خلال عام 2021. وقد أدى عدم المساواة في توزيع اللقاحات إلى تفاقم الغضب إزاء فشل الدول الغنية في الوفاء بالتزاماتها المالية المتعلقة بمكافحة المناخ، تجاه البلدان الأفقر. وفي هذا السياق، قد تكون البلدان النامية أقل استعداداً لتقديم تنازلات للتوصل إلى توافق في الآراء، إذ يقول ياميد داجنيت، مدير مفاوضات المناخ في معهد الموارد العالمية ومفوض سابق للمناخ لدى الاتحاد الأوروبي، إن "تقويض التضامن بين البلدان بسبب الافتقار إلى الثقة سيؤدي إلى تراجع احتمالية حدوث انفراجة". مشيراً إلى أن قمة غلاسكو تواجه تحديات أكبر من أي قمة سابقة للمناخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المساعدات المناخية
وبدأ مسؤولو الحكومات بالفعل في تقليص التوقعات بشأن نتيجة المؤتمر. فقبل أيام قال جون كيري، المبعوث الأميركي للمناخ، إنه "ستكون هناك فجوة" بين التزامات الدول بشأن الانبعاثات والتخفيضات اللازمة للوصول إلى أهداف اتفاقية باريس. وأقر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن المفاوضات ستكون "صعبة للغاية". وقال الشهر الماضي، إن هناك فقط "فرصة بمقدار ستة من عشرة" أن تفي الدول الغنية بوعودها بشأن المساعدات المناخية.
ووضعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، التي وقعها قادة العالم في قمة الأرض عام 1992، هيكلاً قانونياً عريضاً للتعاون العالمي بشأن مكافحته، وينص على أن الدول المتقدمة ستوفر الدعم المالي وغيره، إضافة إلى أشكال المساعدة الإنمائية الأخرى من خلال ثلاثة مبادئ؛ المبدأ الوقائي، مبدأ الحق في التنمية، ومبدأ الاشتراك في المسؤولية المتباينة وفقاً لقدرات كل بلد.
خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019، تم استضافة قمة المناخ حيث شهد جدول الأعمال عدداً من القضايا الأساسية المتعلقة بمعالجة ظاهرة التغير المناخي، بينها استراتيجية "التكيف وبناء المناعة" لتعزيز قدرات الدول النامية، كما لا يقتصر على أساس تعويض الضرر بل منع حدوثه، بمعنى مساعدة الدول في بناء قدراتها وبناء منظومة تقيها عواقب تغير المناخ، وهو ما يحتاج تمويل وبناء قدرات تكنولوجية، وبالتالي تقع المسؤولية على الدول المتقدمة في هذا الصدد.
وفى حين شهدت المؤتمرات السابقة التي أجريت في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، اتفاقات على تخصيص موارد مالية بقيمة 100 مليار دولار بحلول عام 2020 لدعم الدول النامية في مواجهة الظاهرة، لكن بحسب مصدر دبلوماسي تحدث لـ"اندبندنت عربية"، لم يتم الإيفاء بهذا المبلغ، لأن الدول الصناعية تتبنى وجهة نظر أخرى تقوم على مبدأ المسؤولية الجماعية، إضافة إلى السعي لتأجيل التعامل مع جانب التمويل وإحالته على القطاع الخاص.
صراعات الكبار
تلعب التوترات الجيوسياسية الكبيرة بين القادة الغربيين وخصومهم الرئيسيين مثل روسيا والصين، دوراً جاداً في التفاهم بشأن أزمة المناخ. فضلاً عن أزمة الطاقة التي شهدها العالم في الأسابيع الأخيرة الماضية، منحت فرصة للمدافعين عن الوقود الأحفوري، لبث الشكوك حول سرعة التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة والاعتماد بشكل كامل عليها.
وكان المبعوث الأميركي للمناخ قد حذر الرئيس جو بايدن، قبل أشهر، من عدم قدرته على إنجاز مهامه ما لم تتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وهما ضمن أكثر خمس دول صناعية في العالم تساهم في ظاهرة الاحترار العالمي. ووفقاً لوسائل إعلام أميركية فإن محادثات كيري مع نظيره الصيني شيه تشن هوا، كانت توقفت بعد أن أصرت بكين على أن التعاون بشأن المناخ لن يبدأ وسط توتر العلاقات حول حقوق الإنسان وهونغ كونغ وتايوان والتجارة ومجموعة من القضايا الأخرى.
وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" أن الرغبة في إحراز تقدم بشأن تغير المناخ أدت إلى توترات بين كبار مساعدي بايدن حول كيفية إدارة أولويات واشنطن لتوتراتها مع بكين. ففي حين ضغط كيري مراراً وتكراراً من أجل الدبلوماسية المباشرة بين بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ، معتقداً أن العلاقات الثنائية يمكن أن تؤدي إلى نتائج أفضل في اسكتلندا. لكن يشكك مساعدو البيت الأبيض، بمن فيهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، في أن الولايات المتحدة وحدها تستطيع إقناع الصين بخفض الانبعاثات.
وتعد الصين أكبر مصدر في العالم للانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، بنحو الربع على مستوى العالم، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي عام 2018. وهي أكبر مستهلك للفحم في العالم، وهو أكثر مصادر الطاقة تلوثاً، ولكنها في المقابل أكبر مستثمر في مصادر الطاقة البديلة. ومع ذلك فوفقاً لاتفاق باريس، فإنها ليست ملزمة بخفض الانبعاثات حتى عام 2030، وهي النقطة التي استند عليها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في انتقاداته لاتفاق باريس والانسحاب منه، قبل أن تعود واشنطن للاتفاق مجدداً في عهد بايدن.
وشكلت المواجهة مع الصين، تحدياً كبيراً لإدارة بايدن، التي حددت تغير المناخ باعتباره "تهديداً وجودياً" والصين باعتبارها "أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الحادي والعشرين". وتضغط الولايات المتحدة على الصين لوضع التزامات أكثر طموحاً بشأن انبعاثات الكربون وتقديم تفاصيل حول وعد الرئيس الصيني بالتوقف عن تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج.
وتأتي الولايات المتحدة بعد الصين كثاني مصدر للتلوث في العالم، ووفقاً لتعهدها السابق فإنها تعتزم تخفيضه بما بين 26 و28 في المئة بحلول عام 2025 مقارنة بما كان في عام 2005، وهو هدف أعلى من المساهمات الأميركية السابقة، ولكنه أدنى من الأهداف الأوروبية. ففي مارس (آذار) 2015 تقدمت دول الاتحاد الأوروبي بخطة تقضي بتقليص الانبعاثات بما لا يقل عن 40 في المئة بحلول 2030.
وبالترتيب، تأتي الهند وروسيا واليابان والبرازيل وإيران وإندونيسيا في المراتب التالية ضمن دول العالم الأكثر مساهمة في الانبعاثات المسببة لظاهرة التغير الحراري.