تشهد مدن العاصمة المثلثة في السودان (الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان)، منذ إعلان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الاثنين 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء، فضلاً عن تعطيل عدد من مواد الوثيقة الدستورية، حراكاً جماهيرياً واسعاً لمناهضة هذا الإجراء، باعتباره انقلاباً عسكرياً كامل الأركان، تمثل في إغلاق الطرقات والشوارع الرئيسة والفرعية بالأحجار، بجانب تسيير مواكب ليلية بمشاركة كل فئات المجتمع، استعداداً للمسيرة المليونية التي دعت لها لجان المقاومة غداً السبت 30 أكتوبر.
فيما أدى الانتشار الكثيف لقوات الأمن السودانية، المكونة من الجيش والدعم السريع وبعض الحركات المسلحة، في معظم الطرق الرئيسة في مدن العاصمة الثلاث للتصدي للمحتجين، إلى اعتماد الثوار على عمليات الكر والفر لتقليل الخسائر في الأرواح، بالنظر لاستخدام تلك القوات الرصاص المطاط والقنابل الصوتية لتفريغ المحتجين بعيداً عن الشوارع الرئيسة، وإعاقة تجمعهم في مكان واحد.
تعطيل الحياة
وبحسب لؤي عبدالله، الناشط في لجان المقاومة بحي العباسية بأم درمان، فإن الخيار الأفضل لرفض انقلاب البرهان هو "إقامة المتاريس في الطرقات كافة، بوضع الأحجار على عرض الشارع داخل الأحياء وخارجها، وذلك لتعطيل الحياة اليومية من خلال شل حركة السير أمام السيارات، وبالفعل نجح هذا العمل مئة في المئة، وهو يهدف لإنجاح الإضراب العام والعصيان المدني الشامل، بأن لا يشارك أي فرد في دولاب العمل سواء كان حكومياً أو في القطاع الخاص، ما عدا القطاعات ذات الحاجة كمحلات بيع المواد الغذائية والصيدليات". مبيناً أن عملية إغلاق الطرقات "تعد السلاح الذي يعتمد عليه المحتجون على أرض الواقع".
وتابع، "الآن نكرس كل جهدنا لإنجاح مليونية غداً السبت معتمدين على الحشد الجماهيري لها من خلال تحريك المواكب الليلية وسط الأحياء، التي قصد منها تشجيع كل فئات الشعب للمشاركة في المليونية، وهي دعوة شفوية نظراً لتعطيل خدمة الإنترنت، إلى جانب الكتابة على جدران البنايات خاصة الواقعة على الطرقات الرئيسة، أشعار وجمل حماسية من أجل المشاركة في هذه المليونية، ونتوقع أن تكون استجابة الشارع السوداني كبيرة جداً من منطلق أن الصمت يعني القبول بالأمر الواقع، بالتالي نهاية الثورة ومكتسباتها، وعودة النظام السابق من جديد للمشهد السياسي تحت مظلة حزبية جديدة، وهو الأمر الذي يتخوف منه كثيرون من قطاعات الشعب السوداني، بأن تعود البلاد لعهد الظلام من إرهاب وعزلة خارجية وعقوبات اقتصادية، بعد أن شهدت بلادنا خلال السنتين الماضيتين مكاسب كبيرة بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإعفاء ديونه الخارجية، وعودة نظامه المصرفي للاندماج مع البنوك العالمية".
مسارات الموكب
ونوه عبدالله إلى أن تنسيقية لجان المقاومة في العاصمة المثلثة قررت اعتماد مسارات موكب 21 اكتوبر لمليونية السبت، بحيث يكون تجمع موكب الخرطوم في شارع المطار، والخرطوم بحري عند السوق الرئيس، وأم درمان أمام مبنى المجلس الوطني، لافتاً إلى أن المواكب الثلاثة ستكون سلمية، وأن شعاراتها موحدة، حيث تدعو جميعها إلى إلغاء الإجراءات التي أعلنها البرهان والعودة إلى السلطة المدنية، فضلاً عن فك قيود الإقامة الجبرية عن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي يعد رمز ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإزالة التعزيزات العسكرية من جميع الطرقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوقع الناشط في لجان المقاومة، أن تتعرض مواكب مليونية السبت إلى العنف من قبل القوات الأمنية، لأنها بدأت تتصدى لهذه الاحتجاجات بنفس أسلوب ومفهوم نظام البشير، باستخدام الرصاص المطاط وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، وإحداث الهلع والخوف وسط المتظاهرين بإطلاق رصاص في الهواء، لكن الحشود الجماهيرية اعتادت على هذا القمع وكيفية التعامل معه والاستمرار في المواكب على الرغم من محاولات قمعها.
اختطاف الثورة
في السياق، أوضحت عضو لجنة التغيير والخدمات في ضاحية بري في العاصمة الخرطوم انشراح معتصم، أن الوضع الجماهيري لمقاومة إعلان الطوارئ في البلاد واسترداد السلطة المدنية من العسكريين مطمئن، فهناك عمل كبير يجري داخل الأحياء لإعاقة دخول السيارات العسكرية داخلها، وإظهار حالة الشلل التام، والعصيان العام تعبيراً عن الرفض لهذا الإجراء الذي يعد انقلاباً عسكرياً يريد الالتفاف حول الثورة، لكن هذه الحيل لن تنطلي على أحد، حيث اكتشفت الجماهير مخطط الانقلاب في لحظته الأولى وخرجت إلى الشارع للدفاع عن الوطن ومدنيته التي حصل عليها بدماء الشهداء والجرحى، بالتالي فإن التفريط فيها يعني العودة إلى مربع الديكتاتورية ونظام حكم الفرد.
وأشارت معتصم إلى أن الأحياء تحولت إلى معسكر للمقاومة، حيث تدار داخلها كل الخطط وأشكال التصدي لمحاولات اختطاف الثورة بطريقة مكشوفة، حيث جرى إغلاق كل الشوارع التي تؤدي للدخول إليها، وكذلك الخروج منها، إلا في الحالات الحرجة، وعلى الرغم من تذمر البعض من عملية تتريس الشوارع بالأحجار بخاصة كبار السن، لكن الأغلبية متفهمة أن هذا العمل هو الطريق الوحيد الذي يقود البلاد نحو الأفضل. منوهة إلى أنه يتم خلال الفترات المسائية ليلاً إطفاء الأنوار داخل المنازل التي في الشوارع لمنع دخول السيارات العسكرية وعرقلة خططها لمنع الأنشطة الليلية التي تتنوع بين المواكب وحرق إطارات السيارات والمخاطبات الجماهيرية لإشعال حماس الشعب لمشاركته في أعمال المقاومة المختلفة بخاصة موكب السبت، الذي يمثل نقطة فاصلة في تاريخ السودان.
وأكدت عضو لجنة الخدمات والتغيير، أن معنويات الشارع السوداني بخاصة الشباب من الجنسين عالية جداً، ولديه أمل كبير بعودة الأمور إلى نصابها الطبيعي، لافتة إلى أن الشارع سيظل عصي على أي مخطط انقلابي، مهما كانت الجهة التي وراءه عسكرية أو مدنية، وأن الثوار لن يتراجعوا عن مطلبهم بمدنية السلطة، وتحقيق شعارات الثورة (سلام، حرية، عدالة)، وأنهم في سبيل الوصول إلى هدفهم مستعدون للتضحية بأرواحهم مقابل الحرية وكرامة الإنسان السوداني، حتى تصل بلادهم إلى بر الأمان، وتعتقد أن ما حدث من أزمة سياسية بخاصة أزمة الشرق، وراءها المكون العسكري الذي يريد أن تصل البلاد إلى الانسداد التام، لتكون الطوارئ ذريعة يتعلل بها حفاظاً على أمن واستقرار البلد.
تشويه للمظهر
في المقابل، انتقد أحد المواطنين في منطقة شرق النيل في الخرطوم بحري يدعى عبد اللطيف عثمان، طرق المقاومة التي يتبعها المحتجون في الشوارع وداخل الأحياء، باعتبار أنها تمثل تشويهاً وتخريباً لمكتسبات المواطن، حيث لا يعقل عرقلة حركة سير السيارات في ظل المسافات البعيدة بين الأحياء والأسواق، فضلاً عن المستشفيات وغيرها من احتياجات المواطن اليومية، إضافة إلى أن إزالة الطوب والبلاط من أمام المنازل الواقعة على الشوارع الرئيسة لوضعها على عرض هذه الشوارع من أجل عرقلة مسار حركة السيارات فيه تشويه للمظهر العام، كما أن حرق إطارات السيارات مضر بالبيئة، ويسبب اختناقات لكثير من المصابين بالحساسية والأزمة.
ولفت إلى أن الاحتجاج أمر مشروع لكل مواطن، وأن ما حدث من إجراء بإعلان حالة الطوارئ أدخل البلاد في حالة احتقان كبير قد تؤدي إلى أعمال عنف مفرط، وهو أمر غير مستحب، لذلك لا بد من تحكيم صوت العقل والحكمة من الطرفين، فلا سبيل من الحوار لمعالجة قضايا الوطن السياسية، وإلا سيدخل السودان في مفترق طرق يصعب السيطرة عليه، في ظل انتشار السلاح والميليشيات الحزبية وقوات الحركات المسلحة، داعياً المحتجين للابتعاد عن أي عمل من شأنه تعطيل حركة المواطن، باتباع الوقفات الاحتجاجية، وهو أسلوب حضاري يجد القبول من الجميع، فضلاً عن أنه يوقف أعمال العنف من قبل العسكريين، وقد يجعل استجابتهم سريعة لمطالب المحتجين.
ضغوط دولية
ويعول كثير من السودانيين، إلى جانب الحراك الجماهيري الذي بدأ ينتظم في معظم أحياء العاصمة المثلثة، ومدن البلاد الأخرى، على الضغوط الدولية التي تمارسها بعض الدول الكبرى والمنظمات الدولية لإفشال الخطوة التي اتخذها عبد الفتاح البرهان بإعلان حالة الطوارئ، بخاصة واشنطن التي هددت خارجيتها بأن أي تغيير للحكومة المدنية السودانية بالقوة يعرض مساعداتنا وعلاقاتنا الثنائية للخطر، مؤكدة أنها ترى في خطوة البرهان انقلاباً عسكرياً، منوهاً إلى أنها تراقب من كثب كل التطورات في السودان، وأن ما جرى يتعارض مع تطلعات الشعب.
وكان أن دعت واشنطن لإطلاق سراح رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وجميع المعتقلين السياسيين، محملة الجيش السوداني مسؤولية سلامتهم.
وكان البرهان قد أعلن عن حل مجلسي السيادة والوزراء، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، مؤكداً مضي القوات المسلحة في الانتقال الديمقراطي لحين تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة في يوليو (تموز) 2023، فضلاً عن تعهده بتشكيل المجلس التشريعي، والتزامه اتفاقية السلام المبرمة في جوبا مع الحركات المسلحة.