أفصحت الحكومة التونسية، التي تقودها نجلاء بودن، في نهاية الأسبوع الماضي، عن المسودة الأولية لمشروع قانون المالية للعام المقبل، والذي سيكون بمثابة خريطة طريق لتعبئة الموارد المالية عام 2022، ويتضمن إجراءات ضريبية من شأنها تمكين أجهزة الضرائب من تحصيل موارد الدولة.
وكشفت النسخة الأولية عن اعتزام الحكومة التونسية رفع أسعار المشروبات الكحولية والخمور وسن إجراءات تساعد الشركات الاقتصادية على تخطي تداعيات جائحة فيروس كورونا، فضلاً عن تطويق ظاهرة التعامل النقدي (الكاش) في مختلف التعاملات التجارية اليومية.
ومن ضمن ما ورد في المشروع، سن إجراءات يرى المشروع التونسي أنها ستساعد على التحكم في المقدرة الشرائية للتونسيين من خلال الضغط على كلفة توريد الأدوية والمعدات الطبية والتحكم أكثر في مجال تخزين المنتجات الزراعية الطازجة.
ظرف اقتصادي عصيب
وأعدت حكومة بودن مشروع قانون المالية المقبل في ظرف اقتصادي ومالي عصيب جداً، اتسم بتدهور جل المؤشرات ما جعل البلاد تتدحرج في مستويات دنيا لوكالات التصنيف الدولية، الأمر الذي عسر عليها الخروج إلى الأسواق المالية الدولية للاقتراض.
وتطرح هذه الوضعية جملة من الاستفهامات بشأن كيفية تعبئة الموارد المالية، بخاصة منها الخارجية، لتمويل موازنة العام المقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة التونسية لم تفصح حتى اليوم عن قيمة الموازنة الجديدة واحتياجاتها من التمويل الخارجي وقيمة الضرائب المزمع تحصيلها من الشركات والموظفين.
ومن الملاحظ أنه ولأول مرة في تونس لن يناقش مشروع قانون المالية أو الموازنة الجديدة في البرلمان، باعتبار أن أشغاله معلقة من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ 25 يوليو (تموز) 2021.
وسيتم بموجب التدابير الانتقالية، التي أقرها سعيد في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي، التوقيع على أوامر رئاسية للمصادقة على مشروعي الموازنة وقانون المالية.
الترفيع في سعر المشروبات الكحولية
ومن ضمن الإجراءات البارزة التي جلبت إليها الأنظار منذ خروج المسودة الأولية للمشروع، الوارد في 70 فصلاً، اعتزام الحكومة رفع أسعار المشروبات الكحولية بإخضاعها للضريبة على القيمة المضافة على مستوى تجارة التفصيل، وذلك في إطار مواصلة توسيع ميدان تطبيق الضريبة والحد من الرواسب الجبائية.
تطويق ظاهرة "الكاش"
ونص الفصلان 30 و31 على إجراء يهم ترشيد التعامل بالأموال النقدية في المعاملات التجارية والإدارية اليومية بتحديد التداول النقدي بألف دولار فقط بدلاً من حوالى 1785 دولاراً المعمول بها حالياً، وذلك في إطار دعم جهود الدولة في مكافحة غسيل الأموال الذي تكرسه الاتفاقيات الدولية.
وفي سياق متصل، اقترح المشروع إعفاء العمولة الراجعة للبنوك بعنوان عمليات الدفع الإلكتروني بواسطة المصارف والإنترنت والهاتف الجوال من الضريبة على القيمة المضافة.
ويوضح هذا الإجراء طارق بن جازية، الكاتب العام للمرصد التونسي للخدمات المالية (مستقل)، بالقول إنه، عند قيام أحد عملاء البنوك بالشراء أو الدفع عن طريق البطاقة البنكية توظف عمولة للبنوك تفرض عليها ضريبة بنسبة 19 في المئة، لكن بموجب ما اقترحه المشروع ستلغى.
وعلى الرغم من اعتباره إجراء بسيطاً فإنه يمكن أن يسهم في تقليص التداول اليدوي للنقود.
تخطي أزمة كورونا
وأقر مشروع القانون إجراء يتعلق بالسماح للمؤسسات المصدرة كلياً بالترفيع خلال عام 2022 في نسبة التسويق المحلي من رقم معاملاتها المحقق من التصدير، ما يعني أنه سيكون لهذه المؤسسات حق ترويج منتوجاتها كلياً في السوق المحلية بعد أن تطورت النسبة من 20 إلى 30 ثم 50 في المئة في السنوات الماضية.
كما يخول المؤسسات المصدرة كلياً الترفيع خلال عام 2022 في نسبة التسويق المحلي لمنتجاتها أو خدماتها حسب الحالة إلى 50 في المئة من رقم معاملاتها للتصدير المحقق خلال سنة 2019.
وبالنسبة إلى المؤسسات الجديدة، تحتسب نسبة 50 أو 100 في المئة على أساس رقم معاملاتها للتصدير المحقق منذ دخولها حيز النشاط الفعلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلل معدو مشروع قانون المالية هذا الإجراء بأنه يأتي في إطار الحد من تداعيات انتشار فيروس كورونا على الشركات بشكل عام، وعلى حركة البضائع عند التوريد والتصدير.
غير أن عدداً من الشركات لم يتمكن من ترويج كامل الحصة المرخصة خلال عامي 2020 و2021 جراء التوقف الكلي عن العمل في فترة الحجر الصحي التي مرت بها البلاد وركود المعاملات التجارية.
كما نص المشروع على مراجعة الرسوم والضرائب الموظفة على المواد والمستلزمات الطبية والفردية للوقاية من فيروس كورونا. ويتضمن ذلك خفض الضريبة على القيمة المضافة إلى 7 في المئة على هذه المنتجات، والإعفاء من الرسوم الجمركية عند التوريد.
وبالنسبة إلى وزارة الصحة والمؤسسات العامة للقطاع، أقر مشروع القانون توقف العمل بالرسوم والضرائب على المشتريات المحلية والمستوردة من التجهيزات والمواد والمستلزمات الطبية المتعلقة بالتوقي من انتشار كورونا.
تحفيز التونسيين المغتربين
لم يغفل مشروع القانون المغتربين التونسيين، لا سيما في مجال المقاولات والسيارات من خلال منحهم امتياز التسجيل بالمعلوم القار لاقتناءاتهم بالعملة الأجنبية القابلة للتحويل وللعقارات المعدة لممارسة نشاط اقتصادي وللأراضي، علاوة على مراجعة طريقة احتساب رسوم التجوال بالنسبة إلى السيارات المسجلة في الخارج.
يشار إلى أن تحويلات المغتربين بلغت حتى أغسطس (آب) الماضي، 1785 مليون دولار، وهو رقم يتفوق على عائدات القطاع السياحي المنكوب.
إجراءات عادية لمرحلة غير عادية
وتعليقاً على أهم هذه الإجراءات، قال عبد الرحمن اللاحقة، أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية لـ"اندبندنت عربية"، إن المشروع تضمن إجراءات عادية في فترة غير عادية تمر فيها البلاد.
وأبرز أن المسودة الأولية تضمنت إعادة إجراءات قديمة أطاح بها البرلمان المجمدة أعماله ضمن لجانه المتخصصة، ما يعني غياب أي رؤية إصلاحية، لا سيما الإصلاحات الضريبية العميقة، وتحديداً تطويق ظاهرة التهرب الضريبي الذي قد يكون أحد الحلول لتأمين الموارد المالية للدولة.
وتابع أن "المشروع اقتصر على بضعة إجراءات بسيطة تهم رسوم تسجيل الشقق والمنازل وتقليص رسوم الاستهلاك على مدخلات البناء مع تقليص رسوم تسجيل الشركات بنحو 53 دولاراً في سياق تشجيع الاستثمار".
وأضاف "الإجراءات الترقيعية لن يكون لها انعكاس مالي كبير على موازنة الدولة".
إثقال الشركات
أما أنيس الوهابي، الخبير المحاسب المتخصص في مسائل الموازنة، فقد أعرب عن خيبة أمله من هذا المشروع في نسخته الأولية، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أنه لم يحصل تغيير جذري أو هيكلي في التعاطي مع قانون المالية بل اعتمدت طرق الإعداد نفسها، فيما وصفه بأنه "غرف مغلقة" من دون مشاركة المتخصصين والمنظمات المهنية الوطنية.
وانتقد كثرة الإجراءات الضريبية، التي قال إنها أنهكت الشركات التونسية، مشيراً إلى أنه تم خلال العقد الأخير سن حوالى 800 إجراء ضريبي لم ينفذ جلها.
ودعا إلى تخفيف الأعباء الضريبية حتى تتمكن الشركات من استعادة أنفاسها وتدارك تأثيرات جائحة كورونا.