كأنما تنقصنا الأزمات الداخلية والمشكلات البينية. استعرت أزمة بين الجزائر والمغرب، كانت نارها تحت الرماد منذ عقود. قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب، استدعت سفيرها، ومنعت الطيران المغربي من التحليق فوق أجوائها، وطلبت من إسبانيا أن تبني خطاً لتزويدها بالغاز عبر البحر المتوسط وليس مروراً بالأراضي المغربية التي كان يمر عبرها منذ عام 1996، وأعلنت مقاطعتها حوار الطاولة المستديرة في شأن الصحراء المغربية في جنيف. ترافق ذلك مع حشود عسكرية بين البلدين، ومع تراشق إعلامي لا يخلو من الهلوسة الكلامية التي تعكس حالة تشنج في العلاقة بين الجارين العربيين المسلمين الشقيقين.
أقول لا تنقصنا الأزمات لأن "اللي فينا كافينا"، فنحن نخرج من أزمة لندخل أخرى، والأزمة الجزائرية -المغربية في شأن الصحراء المغربية طالت وقاربت النصف قرن، وهي مشروع حرب عربية- عربية أخرى، وما أكثر حروبنا!
بداية، أنتهز هذه المقالة لأهنئ الشعب الجزائري الشقيق بذكرى اندلاع ثورته ضد الاستعمار الفرنسي الوحشي، وأجدها مناسبة لأقول له رأياً من الشرق العربي، قد لا يعجب كثيرين من الإخوة الجزائريين، لكن المثل يقول: "صديقُكَ من صَدَقَكَ لا من صدّقك".
خرجت الصحراء المغربية بعد مطالبات مغربية وموريتانية من استعمار إسبانيا لها عام 1975، وقاد الملك الراحل الحسن الثاني حينها المسيرة الخضراء التي قدر عددها بنصف مليون، كانت سلمية رمزية أكدت تحرير الصحراء كجزء من المغرب وامتداد طبيعي له، لم تكن فيه دولة لا قبل الاستعمار الإسباني ولا خلاله. تخلت موريتانيا عن مطالبتها بالصحراء، وهو تخلٍّ منطقي وعقلاني، لكن الجزائر- للأسف الشديد- لم تقبل باستعادة المغرب الصحراء. وعلى الرغم من الوساطات الدولية ومحاولات الاستفتاء التي تعثرت، وعلى الرغم من المبادرة المغربية بالحكم الذاتي للصحراء، إلا أن الجزائر رفضت تلك الحلول وتمسكت بضرورة استقلال الصحراء وخلق دولة من العدم.
تحليلنا أن الجزائر اختلقت أزمة الصحراء المغربية لأسباب عدة، بينها الحد من أي قوة مغاربية في المغرب العربي تنافس نفوذها في الإقليم وفي قارة أفريقيا برمتها، كما تطمح للوصول إلى المحيط الأطلسي عبر الصحراء - وهو وصول سيكون يسيراً عبر المغرب لو أن العلاقات بينهما كانت علاقات أخوة وجيرة وتعاون على "البر والتقوى". لذلك، زرعت الجزائر ومولت وسلّحت ودربت ورعت جبهة "البوليساريو" ومارست نفوذها الثوري وثقلها الأفريقي للحصول على اعتراف أفريقي بالجبهة، لكن القاصي والداني يعرف أن لا جبهة ولا "هم يحزنون". فـ "البوليساريو" مثل "حزب الله" في لبنان، لولا إيران لتلاشى، وكذلك "البوليساريو": لولا الدعم الرسمي الجزائري، لأصبحت أثراً بعد عين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما نرى-وقد يشاركنا آخرون هذه الرؤية- أن افتعال الأزمات مع المغرب تارة، ومع فرنسا تارة أخرى هذه الأيام هو محاولات للتهرب من الاستحقاقات الداخلية التي طالبت بها الجماهير الجزائرية بمسيراتها السلمية، وهي مطالب ترفض الفساد وتطالب بتحسين الأوضاع المعيشية ببلد ينعم بخيرات هائلة ومتنوعة.
صحيح أن السياسة الخارجية المغربية ليست ملائكية، ولها أخطاؤها ولها مثالبها، ولكن المغرب قدمت مبادرات سلمية، لعل أبرزها مبادرة الحكم الذاتي للصحراء التي أطلقها عام 2007.
كانت الجزائر تلعب دوماً دور الوسيط العاقل في حل أزمات المنطقة. ففي الكويت نستذكر بالعرفان دورها كوسيط عاقل قام بحل وإنهاء أزمة اختطاف "حزب الله" اللبناني (لبناني - إيراني) طائرة الكويتية- الجابرية عام 1987. بل إن الجزائر حاولت من دون جدوى وضع أوزار الحرب العراقية- الإيرانية مبكراً، ودفعت ثمن ذلك بمقتل وزير خارجيتها الفذ محمد بن يحيى عام 1982 وطاقم طائرته بتفجيرها من قبل استخبارات نظام صدام حسين باعتراف وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار. نتمنى أن تعود الحكمة الجزائرية والمغربية كذلك لتلافي الحرب.
إن هذه المقالة بمثابة مناشدة صادقة للإخوة في الجزائر والمغرب للجلوس إلى طاولة واحدة وجهاً لوجه، وحل مشكلة الصحراء حلاً جذرياً ينهي الأزمة ويقطع الطريق على شبح الحرب، لا قدر الله. كما أنها دعوة إلى كل مخلص بالتدخل للتوسط بإنهاء هذه المعضلة بصدق وصراحة قد لا تعجب البعض، لكن الصراحة مرة أحياناً. الوقت ليس في مصلحة المماطلة في حل مشكلاتنا ثم إلقاء اللوم على الاستعمار والإمبريالية والصهيونية والشيوعية وغيرها.