تشغل الأزمة الدبلوماسية مع المغرب، الشارع في الجزائر والطبقة السياسية بشكل لافت، والذي تصاعد بمقتل ثلاثة مدنيين في قصف شنه الجيش المغربي على قافلة شاحنات كانت متجهة من موريتانيا إلى الجزائر، وقالت الأخيرة، إنه "لن يمر من دون عقاب". من الجهة المغربية نقلت وسائل إعلام كلاماً لمسؤول مغربي من دون الكشف عن هويته نفى فيه الرواية الجزائرية ورغم إقراره بوقوع الحادث وأبدى استغرابه من وجود جزائري على حد وصفه، في منطقة عازلة ممنوعة على المدنيين والعسكريين.
استنكار سياسي
وخيمت واقعة "قصف الشاحنات" على مجريات الحملة الدعائية للانتخابات البلدية بالجزائر التي انطلقت الخميس، وتستمر 21 يوماً، تحسباً ليوم الاقتراع الذي من المقرر إجراؤه يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، إذ شكلت مادة دسمة لرؤساء الأحزاب للخوض فيها والدعوة إلى "رص الصف الداخلي والتحلي بالفطنة أمام تعاظم التحديات الإقليمية"، في وقت راسلت الخارجية الجزائرية رؤساء المنظمات الدولية، وأبلغتهم بـ"الخطورة الشديدة التي تكتنف العدوان المغربي الذي راح ضحيته ثلاثة مدنيين جزائريين".
واستنكرت تشكيلات سياسية في تجمعات شعبية، التصعيد المغربي، إذ قال رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة (مرشح رئاسي في انتخابات 2019)، "سنقف في وجه كل من يعتدي على الجزائر، وإذا طُلب منا سنتجند للدفاع عنها". ودافع بن قرينة عن العلاقة بين الشعبين الجزائري والمغربي، مشيراً "علينا محاربة من يريد تمزيق النسيج المجتمعي ومن ارتهنوا للخارج".
من جهته وصف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم سابقاً)، أبو الفضل بعجي، مقتل 3 جزائريين بـ"الاعتداء الجبان والدنيء"، مردفاً أن "تحامل نظام المخزن على بلاده ما هو إلا نتيجة موقفها الرجولي في دفاعها المستميت عن الشعب الصحراوي والدفاع عن القضية الفلسطينية واسترجاع دورها الإقليمي في مالي وليبيا".
ويبدو أن ارتدادات الحادثة الأخيرة ستستمر، إذ دعا رئيس حزب صوت الشعب، لمين عصماني، الطبقة السياسية إلى الدفاع بقوة عن الوحدة الوطنية، مشيراً إلى أن الاعتداء على الجزائر خط أحمر، والذي يتطلب حسبه "رداً رسمياً حازماً وصارماً".
في حين يعتقد رئيس حزب المستقبل (مرشح سابق للرئاسيات) أن المغرب يتطلع لاستدراج الجزائر إلى الحياد عن الرزانة الدبلوماسية بهذه التحرشات، داعياً الجزائريين إلى الوحدة ورص الصف لردع كل مخططات التفرقة الخارجية.
من جهتها، أدانت جبهة القوى الاشتراكية (أقدم حزب معارض)، بشدة اغتيال ثلاثة مدنيين في المنطقة الحدودية التي تفصل موريتانيا عن الصحراء الغربية، وقالت: "نسجل بغضب وسخط زيادة أعمال الاستفزازات المغربية ضد بلدنا، كون هذا الاغتيال الجبان، يأتي بعد سلسلة من المناورات التي استهدفت أمننا القومي ووحدتنا".
وطالبت التشكيلة السياسية بـ"إلقاء كل الضوء على هذا الحادث الدراماتيكي الذي يهدد بتفاقم العلاقات الكارثية بين البلدين"، معتبرة أن "سيادة وسلامة أراضي الجزائر لا يمكن السماح بالمساس بها بأي حال من الأحوال". وأبرزت جبهة القوى الاشتراكية "نأمل في أن يتفوق الإحساس العالي بضبط النفس وتحكيم العقل، على كل مخاطر الانزلاق نحو المستنقع الذي لا يمكن جبره".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بناءً على هذا المعطى، يؤكد الأستاذ بجامعة الجزائر والمحلل السياسي توفيق بوقاعدة "أن السياقات الخارجية لها أثر على الحملة الانتخابية في موضوعات رؤساء الأحزاب السياسية وستنعكس أيضاً على اهتمامات المواطن، لكن أعتقد أن الأمر ظرفي، وسرعان ما ستعود التشكيلات السياسية إلى المشاكل التنموية وسوء التسيير في البلديات والنقاش السياسي، لأنه في المحصلة هدف المترشحين هو كسب ثقة الناخبين والاقتراب من مشاكله اليومية".
أمل في تحسين الأوضاع
وتكتسي الانتخابات البلدية في الجزائر أهمية مقارنة بنظيرتها البرلمانية، لاعتقاد المواطنين أن انتخاب مسؤول محلي جديد سيحسن واقعهم المعيشي ويسهم في حصولهم على سكن وإنجاز مرافق عمومية وتحسين خدمات النقل وغيرها.
وهنا يقول الصحافي الجزائري رفيق سي موهوب، إن العديد من المعايير تدخل في إنجاح الحملة الدعائية لانتخابات المجالس البلدية والولائية، بعيداً عن كفاءة المرشح، وهي العروشية والجهوية خاصة في الجزائر العميقة (المدن الداخلية) والأموال أو ما يصطلح عليه جزائرياً بـ"الشكارة"، عبر تنظيم الولائم وشراء الأصوات. ويقصد بـ"العروش" عائلات ممتدة ذات سلطة، تلعب دوراً مهماً في انتخاب رؤساء البلديات من خلال دعمهم والدعوة للتصويت لصالحهم.
ويبرز سي موهوب في إفادة لـ"اندبندنت عربية" أن "الحملة الدعائية تمثل فرصة من ذهب من أجل تعبئة الجزائريين حول البرامج بعدما أنهكتهم ارتفاع المعيشة"، إذ تعيش البلاد موجة غلاء في الأسعار، وصلت إلى حدود قياسية، وفق أصداء الشارع.
ووفق الصحافي الجزائري، فإن "الانتخابات البلدية، تمثل نهاية مسار سياسي بالنسبة للسلطة بدأ بإصلاح وثيقة الدستور ثم الانتخابات التشريعية، وأخيراً المحلية، بالنظر إلى تعهدات الرئيس عبد المجيد تبون، بإحداث تغيير يستجيب لتطلعات الشعب وتحقيق طموحه بعد حراك أسقط رموز النظام السابق".
الأحزاب الكلاسيكية وحظوظ المستقلين
وتشارك في الانتخابات 1158 قائمة في المجالس الولائية عبر 58 ولاية، منها 877 قائمة حزبية و281 لمستقلين. أما في سباق البلديات، وهي 1541 بلدية، فتقدمت 5848 قائمة، بينها 4860 قائمة تمثل 40 حزباً سياسياً و988 قائمة لمستقلين.
وهذه الانتخابات هي ثاني استحقاق في عهد الرئيس تبون، الذي جاء للحكم بعد موجة احتجاجية عارمة انطلقت في 22 فبراير (شباط) 2019، وأجبرت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) على الاستقالة، في 2 أبريل (نيسان) من ذلك العام.
في هذا الإطار، يقول المرشح عبد القادر بغلي، عن حزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان) لـ"اندبندنت عربية"، إن "الأحزاب الكلاسيكية تبقى هي المسيطرة على المشهد السياسي في البلاد بحكم القاعدة الشعبية وأعداد المناضلين التي تمتلكها"، مبرزاً أن "الانتخابات البلدية تسمح بخروج شخص من لدن المجتمع يتولى مسؤولية منوطة بالرقعة الجغرافية التي يسكن فيها، وغالبية الأشخاص الذين يقطنون تلك البلدية يعرفون المترشح حق المعرفة، ويولونه المسؤولية لأنه الوحيد القادر على حمل الوزر الذي يوزرونه إياه، أي العبء والثقل".
ومن هذا المنطلق، يرى الشعب وفق بغلي "أن الانتخابات البلدية هي الوحيدة التي فيها بصيص أمل للنزاهة والقناعة الشخصية للمواطنين بأن المنتخب قادر على إيصال انشغالاتهم إلى السلطة التنفيذية، لأن البرلمانيين هم مشرعون لكنهم في إطار المركزية، أي موجودين في العاصمة، لكن رئيس البلدية هو محيط علماً بجميع المشاكل، ويمكنه إيصالها إلى كل الهيئات الرسمية، لا سيما إذا كانت له تشعبات وعلاقات داخل السلطة. وبذلك هو قادر على فك كل الضغوطات التي يعاني منها الشعب على مستواه المحلي، إضافة إلى المساهمة في خلق الثروة وجلب مستثمرين، وعقد اتفاقيات توأمة مع بلديات من داخل وخارج الوطن لجلب مشاريع استثمارية".
ويضع المرشحون لهذه الاستحقاقات البلدية ومن ورائهم الكتلة الناخبة، نزاهة الانتخابات كرهان رئيس في مسار التغيير المطالبين به على مستوى التسيير المحلي، وذلك انطلاقاً من خلفية أن مجموع المحطات الانتخابية التي شهدتها البلاد قبل الحراك الشعبي (22 فبراير 2019)، كان مطعوناً في نتائجها وفي مصداقية المؤسسات المنبثقة عنها، ما جعلها محل انتقادات شعبية، أثرت على الثقة بين الناخب الجزائري والصندوق.