يشارف قطاع كان يُعتبر في مرحلة من المراحل "نفط لبنان" على الانهيار، إذ يعيش قطاع الاتصالات في البلاد خطراً جدياً، يهدد أكثر من خمسة ملايين مستخدم بالعودة إلى المرحلة السابقة لاختراع شبكة الإنترنت. حيث تجتمع مجموعة عوامل وتفاصيل لتنتج مشكلة كبرى، بدءاً بأزمة سعر الدولار المتفلت من عقاله، مروراً بشحّ المازوت، ووصولاً إلى ضعف مداخيل الشركات، وبالتالي عدم القدرة على تطوير الشبكة أو ملاقاة تقنيات الجيل الخامس.
وتضع هذه الأزمة البلاد أمام انفجار كبير بسبب مساسها بمختلف جوانب الحياة للمواطن اللبناني، فهي قبل كل شيء تؤثر في النمط التواصلي والترفيهي الذي اعتاد عليه، كما تعطّل كل النشاطات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات، إلى جانب حرمانه من الخدمات الرخيصة التي تؤمنها شبكة الإنترنت. ولم تفلح محاولات وزارة الاتصالات طمأنة المواطنين حول مستقبل شبكة الإنترنت والاتصالات في لبنان، في ظل تصاعد حجم الأزمة في كل القطاعات الاقتصادية من دون أي استثناء.
انقطاع أم غلاء
ويعيش اللبناني هاجسين أساسيين ومتكاملين، فمن جهة هناك تخوف من انقطاع الشبكة نهائياً والعودة إلى أساليب الاتصال التقليدية، أو الربط من خلال الشبكات الخارجية المجاورة. هذه التجربة بدأ باختبارها بين فترة وأخرى، سكان "مناطق الأطراف"، فخلال الأشهر الستة الماضية، تقطعت شبكة الاتصالات والإنترنت في مناطق عكار، وشمال لبنان عامة، بحجة عدم إمكانية تأمين المازوت لمحطات الإرسال في تلك المناطق، ولجوء شركات الاتصال إلى تقنين الخدمة. أما الهاجس الآخر، فهو ناتج عن توقع المواطن بحصول ارتفاع جنوني في أسعار الاتصالات، بحيث يتدحرج من تسعيرة الصرف الرسمية عند مستوى 1500 ليرة للدولار الواحد، صعوداً إلى 3900 ليرة للدولار كخطوة أولى، على أن يصل لاحقاً إلى مرحلة الدولار الحر كما حدث مع قطاع الطاقة والمحروقات، وقطاعات أخرى كالأغذية، والدواء والاستشفاء والمستلزمات الطبية.
وتستمر كلفة الاتصالات باعتبارها من الخدمات القليلة التي ما زالت تكلفتها مقبولة في لبنان، ولا تزال في متناول عامة الناس، إلا أن هذه التسعيرة توصف بالمجحفة من قبل الفاعلين في الشركات المشغلة للقطاع لأنها تحرم الموازنات من مداخيل كبيرة في ظل الواقع الحالي مع بلوغ الدولار عتبة قياسية عند مستوى 21000 ليرة للدولار.
وما إن بدأ الحديث عن رفع التسعيرة من مستوى 1500 إلى 3900 ليرة، بدأ الحديث عن احتكار الموزعين وأصحاب المحال بطاقات الشحن المدفوعة مسبقاً. في موازاة ذلك، بدأ بعض الزبائن بتخزين بطاقات التعبئة المسبقة الدفع (دولارات التشريج) تحسباً للفترة المقبلة من أجل تحقيق أرباح مضاعفة على غرار ما حصل في مجال تخزين الأغذية والسلع المدعومة، ريثما يتم رفع الدعم، وفتح الباب أمام تحرير آليات السوق بالمطلق.
القطاع في خطر
وهناك مجموعة من المخاطر الفعلية التي تعترض مسار سلامة خدمات الاتصالات الثابتة والخليوية في لبنان، بحسب مدير عام وزارة الاتصالات السابق عبد المنعم يوسف، الذي ينطلق من خبرته في القطاع ليشير إلى ثلاثة أشكال من المخاطر. فمن ناحية أولى هناك سؤال حول استمرارية الموارد البشرية الكفؤة، إذ تعاني الشركات الثلاث في لبنان أي "أوجيرو"، و"ألفا"، و"تاتش"، من هجرة وتسرب الكوادر العليا والتقنيين بسبب انخفاض الرواتب بنسب تتراوح بين 80 و90 في المئة، لافتاً إلى معاناة الشركات بسبب عدم انضباط العمال وعدم احترام ساعات العمل بسبب اضطرارهم إلى البحث عن عمل موازٍ لتأمين دخل إضافي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدث يوسف عن "إحباط لدى الكادر البشري، ينعكس انخفاضاً في الإنتاجية والجاهزية بسبب الوضع المعيشي العام وصعوبة الحياة في لبنان".
كما تطرق يوسف إلى حزمة ثانية من المخاطر، سببها فقدان قطع الغيار والمواد التقنية للبنية التحتية لشبكات الاتصالات التي يتم استيرادها من الخارج، ويجب تسديد أثمانها بالعملة الصعبة سواء بالدولار أو اليورو، مؤكداً أنه "أمر غاية في الصعوبة حالياً بسبب ندرة العملة الصعبة لدى الشركات الثلاث". وسينعكس هذا الأمر مباشرةً على الخدمات برأي يوسف، موضحاً أنه "من الصعوبة الكبيرة جداً العمل على تطوير وتوسيع رقعة تغطية الشبكات. وكذلك هناك صعوبة لإصلاح الأعطال التي تواجه شبكات الاتصالات بخلاف أنواعها".
أما الخطر الثالث فيتصل بـ"فداحة تأثير انقطاع التيار الكهربائي الذي توفره شركة كهرباء لبنان من جهة، وندرة وغلاء مادة المازوت الضرورية لتشغيل المولدات الكهربائية التي تمتلكها الشركات الثلاث، حسب المهندس عبد المنعم يوسف، الذي يعتقد أن "هذه المخاطر الحقيقية تفترض من وزير الاتصالات والمسؤولين في الشركات الثلاث التصدي لها من خلال الحلول الممكنة، ضمن الأبواب العاجلة والمتوفرة فعلياً".
الوزارة تطمئن
ومع تزايد المخاوف من انقطاع شبكة الاتصالات، وما أُثير حول توجه لرفع تسعيرة الخدمات، أصدر وزير الاتصالات جوني قرم بياناً، أكد فيه السعي إلى تأمين مخرج لموضوع المازوت، من خلال التواصل مع مصرف لبنان لتحويل المبالغ التي تُرصد من الوزارة دورياً لمنشآت النفط من الليرة إلى الدولار على سعر السوق، من أجل تفادي توقف خدمتي الإنترنت والاتصال.
وطمأن قرم إلى أن مادة المازوت أصبحت متوفرة، وأن "الوزارة لا تزال تؤمّن استمرارية القطاع، وستبقى كذلك، ضمن خطط وضعتها لتسيير شؤون القطاع من دون انقطاع، لا سيما أنه يُعدّ قطاعاً أساسياً وحيوياً وتعرضه لأي مشكلة من شأنه أن يرتد سلباً بانعكاساته على كل القطاعات في البلد".
ورداً على ما يُثار من رفع لبدل الخدمات إلى مستوى 3900 ليرة مقابل الدولار الواحد لتأمين استمرارية القطاع وتقليص الخسائر، أوضح الوزير جوني قرم أن "التسعيرات لا تزال على حالها بالليرة اللبنانية، ولا توجد أي رؤيا لتعديلها في الوقت الحاضر"، لافتاً إلى "محاولة لإيجاد طرق أخرى لتعويض الخسارة من دون تحميل المواطن أي أعباء إضافية". كما دعا وزير الاتصالات إلى عدم التهافت لتشريج الخطوط المسبقة الدفع، لأن "المخزون في السوق يكفي لأشهر، إذ يتوفر في السوق بطاقات تشريج لشركة ألفا بقيمة 60 مليون دولار، وكذلك الحال بالنسبة إلى شركة تاتش".
وجاء موقف وزير الاتصالات في أعقاب تحذيرات صدرت عن رئيس هيئة "أوجيرو" عماد كريدية، وأحدثت موجة تساؤلات حول مستقبل القطاع في البلاد، حيث قال إن "لبنان مهدد بالانقطاع التام للإنترنت وعزله عن دول العالم خلال الأيام العشرة المقبلة"، بسبب عدم توزيع المنشآت العامة للنفط مادة المازوت على شركات أوجيرو، وألفا، وتاتش. كما لفت كريدية إلى تأثيرات قرار وزير الطاقة بدفع ثمن المازوت بالدولار الأميركي، الأمر الذي خلق أعباءً إضافية، لأن "ميزانيات الشركة بالليرة اللبنانية، ولا تتعامل بالدولار، كما ليس هناك إمكانية لتأمين العملة الصعبة". وأشار كريدية في حديث صحافي إلى تأثير أزمة الكهرباء وازدياد التقنين على القطاع، ذلك أن "مولدات الشركة تعمل منذ خمسة أو ستة أشهر، لمدة 22 ساعة من أصل 24 ساعة في حين أنها يجب أن تعمل لمدة 4 أو 5 ساعات فقط يومياً".