تعيش الولايات المتحدة واحدة من الفترات الاقتصادية هي الأكثر انتعاشاً منذ بداية أزمة فيروس كورونا في مارس (آذار) 2020. وتعكس هذه الحالة ما يجري في "وول ستريت" من ارتفاعات قياسية في المؤشرات وقفزات في أسعار الأسهم. ففي نهاية هذا الأسبوع، سجلت البورصات الأميركية إغلاقات قياسية ومكاسب أسبوعية للأسبوع الخامس على التوالي، كما تعكسها أرقام التوظيف التي تُعتبر واحدة من أهم المؤشرات لقياس النمو في الاقتصاد الأميركي.
وزادت فرص العمل في الولايات المتحدة أكثر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحسب أحدث تقرير لوزارة العمل، إذ ترتفع الوظائف منذ بداية العام بمتوسط 582 ألف وظيفة، أي ما يعني أن الاقتصاد يخلق كل شهر أكثر من نصف مليون وظيفة.
طلب على العمالة
وهناك طلب عالٍ على العمالة لدرجة أن أعمالاً تتعثر أو تتباطأ خدماتها بسبب عدم وجود موظفين، ويمكن ملاحظة حجم الطلب من خلال اللافتات المعلقة على واجهات المحال التي تطلب عمالاً وموظفين في كل مكان. وكانت شركة الخطوط الجوية الأميركية "أميركان إيرلاينز" ألغت الأسبوع الماضي نحو ألف رحلة طيران بسبب النقص لديها في إيجاد الموظفين وطواقم الطيران وطيارين، وسبقتها إلى ذلك شركة "ساوث ويست" التي ألغت أكثر من ألفي رحلة للأسباب ذاتها. وحتى نهاية أغسطس (آب) الماضي، كان هناك نحو 10 ملايين وظيفة مفتوحة.
تناقض سوق العمل
لكن المفارقة التي يعيشها الاقتصاد الأميركي أن ملء هذه الوظائف بطيء جداً، فقد دخل في سوق العمل الشهر الماضي نحو 100 ألف شخص فقط، وما زال هناك2.3 مليون شخص عاطلين من العمل.
وتحاول تحليلات عدة قراءة هذه الظاهرة الجديدة في السوق الأميركية، حيث هناك ملايين الوظائف المعروضة في ظل استمرار أعداد العاطلين من العمل. والأسباب التي تسوّقها هذه التحليلات متعددة على رأسها برامج الإعانات الحكومية التي قُدّمت للعاطلين من العمل أثناء الوباء التي انتهت أخيراً، إضافة الى مغادرة كثيرين المدن أثناء كورونا، ما يعني عدم القدرة على المطابقة بين الوظائف المفتوحة وأماكن الأشخاص ووجود مدخرات هائلة والتقاعد المبكر والخوف من الإصابة بمتحورات فيروس "كوفيد-19". وهناك من يلقي بعضاً من اللوم على طبيعة التغيير في الوظائف التي أصبحت أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا، وكثيرون غير مهيئين للمهمات المعقدة الجديدة. إضافة إلى ذلك، فإن مهمة فرز السير الذاتية أوكلت إلى برامج تعمل بالذكاء الاصطناعي بسبب ضخامة هذه السير، وعدم قدرة البشر على فرزها يدوياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن على الرغم من ذلك، تنخفض معدلات البطالة شهراً بعد آخر، فوصلت في آخر تقرير إلى أدنى مستوى في 19 شهراً عند 4.6 في المئة خلال أكتوبر الماضي، مقارنة بـ4.8 في المئة في سبتمبر (أيلول) الماضي.
أخبار إيجابية
وأدت أخبار إيجاد عقار جديد مضاد لفيروس كورونا من شركة "فايزر" إلى خلق حالة تفاؤل قوية بإمكانية القضاء على الوباء نهائياً قريباً، وهو أمر سينهي أيضاً حالة التجاذب السياسي حول إجبارية التلقيح في كل المؤسسات الحكومية والمتعاقدين الحكوميين والشركات التي يعمل بها 100 موظف أو أكثر.
وسيصبح القرار بإجبارية التلقيح سارياً في 4 يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو أمر آخر يضاف إلى قائمة الموانع التي يعزف من خلالها كثيرون عن العمل لرفضهم أخذ اللقاح، وكان هناك تخوف من زيادة حالات الاستقالات قبل هذا التاريخ، مما سيفاقم فجوة النقص في العمال، إضافة إلى زيادة العاطلين من العمل. وبسبب هذه الفجوة، تصعد الأجور حالياً، فارتفع متوسط الدخل في الساعة بنسبة 0.4 في المئة في أكتوبر الماضي، ورفع ذلك الزيادة السنوية للأجور بنحو 5 في المئة.
التضخم وأسعار الفائدة
وفي ظل هذا الواقع الجديد، تجاهلت الأسواق قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع ببدء تخفيض برنامجه لشراء السندات الذي اعتمده مع بداية أزمة كورونا لطمأنة الأسواق، واستمرت في حالة زخم وصلت مع نهاية الأسبوع إلى مستويات قياسية.
فعلى مدار الأسبوع، ارتفع مؤشر "ستاندرد أند بورز" بنسبة 2 في المئة إلى 4697.53 نقطة، وزاد مؤشر "داو جونز" بنسبة 1.42 في المئة إلى 36327.95 نقطة، بينما صعد مؤشر "ناسداك" بنسبة 3.05 في المئة إلى 15971.59 نقطة.
وكانت العودة السريعة للاقتصاد أشعلت الأسعار وزادت معدلات التضخم، وظهر تخوف في الاقتصاد من أن يرفع "الاحتياطي" الفائدة من مستواها المتدني حالياً، إذ إن انخفاض سعر الفائدة أحد أسباب صعود البورصات، وأي زيادة في الفائدة ستبطئ "رالي" الأسهم. وتحفز الفائدة المنخفضة حالياً على الاقتراض وشراء المنازل وزيادة معدلات الإنفاق والاستهلاك، وقد أبقاها "الفيدرالي" من دون تغيير في نطاق من صفر إلى 0.25 في المئة.
وكان "الاحتياطي" كرر هذا الأسبوع أن معدل التضخم المرتفع في السوق الأميركية مؤقت وأنه ناتج من أزمة في سلاسل التوريد، التي تعطلت بسبب كورونا والقرارات التي اتّخذتها الدول في ما يتعلّق بحركة الأشخاص والتنقل والبضائع وغيرها. لكن الاقتصاديين يتوقعون أن يبدأ "الفيدرالي" برفع الفائدة العام المقبل.