تتخلف أسهم الأسواق الناشئة عن نظيرتها في الاقتصادات المتقدمة بأكبر قدر منذ 2013، وهو العام الذي شهد ما يُعرف بتتابع الأزمات مع استمرار البنك الأميركي في تخفيف إجراءات الدعم الاقتصادي، مما قاد إلى عمليات بيع مكثفة في أصول الأسواق الناشئة.
ويخشى المستثمرون من أن التشديد العالمي في السياسة النقدية سيؤدي إلى الابتعاد عن فئة الأصول. وكانت نوبة من البيع قد تفشت مع بدء انتشار جائحة كورونا في مارس (آذار) من العام الماضي، وتسببت في سحب المستثمرين الأجانب 90 مليار دولار من ديون الأسواق الناشئة وأسهمها. ومنذ ذلك الحين، كان صافي تدفقات المحافظ إلى أصول الأسواق الناشئة إيجابياً في جميع الأشهر الـ19 باستثناء شهر واحد. ووفقاً لمعهد التمويل الدولي، وهو اتحاد صناعي، "تدفق ما يقرب من 790 مليار دولار مرة أخرى على الأسواق الناشئة، بما في ذلك 25 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول)".
وكان مؤشر "إم إس سي آي" للأسواق الناشئة ثابتاً بشكل أساس لعام 2021 بالدولار الأميركي، بما في ذلك مدفوعات الأرباح. كما تناقض الأداء الباهت بشكل صارخ مع المقياس العالمي لمزود المؤشر لأسهم "دي إم"، التي حققت عوائد بأكثر من 20 في المئة حتى الآن هذا العام، مدعومة بمكاسب في الأسهم الأميركية والأوروبية.
وكان أداء سندات الأسواق الناشئة ضعيفاً أيضاً مع انخفاض الأسعار أكثر من التعويض عن مدفوعات الفائدة المثيرة نسبياً التي يكسبها المستثمرون من حيازة الديون، فانخفض مؤشر "جيه بي مورغان" لتتبّع الديون الصادرة بالعملة المحلية بنسبة 8.1 في المئة منذ بداية العام وحتى تاريخه بالدولار الأميركي. وكان المقياس المماثل للسندات الصادرة بعملات الأسواق المتقدمة الرئيسة أقل من 1.5 في المئة.
تكدس المستثمرين الأجانب
وحذر المحللون من أن ظروف السوق ربما تتدهور أكثر بعد أن أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي خططاً هذا الأسبوع للبدء بكبح إجراءات التحفيز الخاصة بأزمة فيروس كورونا، مما يجعل العالم يتجه نحو سيناريو تباطؤ النمو العالمي وارتفاع التضخم، مع إجبار البنوك المركزية على التحرك.
وقالت مينا كوسيستو، رئيسة أبحاث الماكرو العالمية في بنك دانسكي في هلسنكي لـ"فاينانشال تايمز"، "يجب أن يكون ذلك سلبياً للغاية بالنسبة إلى الأسواق الناشئة بشكل عام".
وتشمل المخاطر الأخرى تباطؤاً أكثر حدة من المتوقع في الاقتصاد الصيني، المحرك الرئيس للنمو عبر الأسواق الناشئة على مدى العقدين الماضيين، وبالنسبة إلى عدد من البلدان الفقيرة، هناك تأخيرات كبيرة في التطعيم ضد فيروس كورونا، مما يعرّض التعافي من الوباء للخطر.
وعلى الرغم من العوائد الضعيفة لهذا العام والمخاطر المقبلة، استمر المستثمرون في توظيف أموالهم بأصول الأسواق الناشئة. ويشمل أحد الأسباب لذلك ضخ تريليونات الدولارات في الأسواق المالية العالمية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية ذات الاقتصاد المتقدم خلال الوباء. كما انتهز عدد من الحكومات في الأسواق الناشئة الفرصة لإصدار ديون جديدة بأسعار فائدة أقل من تلك المعروضة عادة. وبسبب حرمانهم من العائدات في أماكن أخرى، ومع التقييمات الجذابة مقارنة بالأصول في الاقتصادات المتقدمة، تكدس المستثمرون الأجانب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن هذا لم يكُن كافياً لرفع الأسعار. ويقول المحللون إن "أحد العوامل التي تثقل كاهل المستثمرين هو خطر ارتفاع التضخم في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي دفع عائدات السندات إلى الأعلى في الأسواق المتقدمة".
وقال ديفيد هونر، استراتيجي الأسواق الناشئة والخبير الاقتصادي في بنك أوف أميركا، "تعكس الأسعار توقعات المستقبل". ويضيف، "ارتفعت المعدلات العالمية بشكل كبير، ما أدى إلى ضعف الأسعار على الرغم من أن المستثمرين حاولوا مراراً وتكراراً شراء الانخفاض".
الأسواق الناشئة تتضرر من ارتفاع أسعار الوقود
في الوقت ذاته، بدأ صناع السياسة في عدد من الأسواق الناشئة بتشديد سياساتهم في وقت سابق من هذا العام. وكان البعض يرفع أسعار الفائدة بقوة في مواجهة تضخم أسعار المستهلكين المتسارع. وهذا في حد ذاته سوف يحدّ من النمو. لكن الاقتصادات الناشئة في مأزق لأن أحد العوامل التي تدفع التضخم هو ارتفاع أسعار الطاقة الناجم جزئياً عن الاضطرابات المرتبطة بالوباء. وربما يستفيد بعض البلدان مثل روسيا، لكن عدداً من الأسواق الناشئة سيتضرر من ارتفاع أسعار الوقود في عالم يتباطأ فيه النمو.
وأوضحت كوسيستو أن الهند وتركيا ومصر معرّضة للخطر بشكل خاص. لكن "حذرت من أن معظم الدول الناشئة في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية سيعاني خلال الأشهر المقبلة، بحيث تضع الطاقة عبئاً إضافياً على النمو".
وقالت، "الأسواق تركز على التضخم ولكن ليس على ركود النمو. لست متأكدة مما إذا كانت قد أولت اهتماماً حقيقياً لارتفاع أسعار الطاقة والآثار المترتبة على الأسواق الناشئة".
وهذا يترك الأسهم والسندات في الأسواق الناشئة معرّضة بشكل خاص لخطر ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى، مما يقلل من جاذبية الأصول الخطيرة.
وأشار محللون إلى أن عدداً من الاقتصادات الناشئة أقامت احتياطات قوية في شكل نظيرتها من النقد الأجنبي وخصائص ديون أكثر مرونة، مع اعتماد أقل على ديون العملات الأجنبية أو الاقتراض قصير الأجل، لكن الوباء تحدى بعض تلك الدفاعات. وتضررت الموازين التجارية جراء ارتفاع أسعار السلع الأساسية، في حين تراكمت الديون لفترة قصيرة في كثير من الأحيان مع زيادة حصة المستثمرين الأجانب، مما جعل عدداً من البلدان عرضة لعمليات السحب. وتخشى كوسيستو من أن "التدفقات على أصول الأسواق الناشئة قد لا تصمد طويلاً، وتقول، "هناك الكثير من المخاطر".