اتفقت الجزائر وموريتانيا على رفع درجة التنسيق بين أجهزتهما الأمنية والاستخباراتية في المناطق الحدودية المشتركة، في خطوة ترمي إلى حماية مواطنيهما أثناء تنقلاتهم في إطار المبادلات التجارية بين البلدين عبر المعبر البري الذي افتُتح منتصف عام 2018.
ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من حادثة القصف الذي تعرضت له شاحنات جزائرية كانت تنقل سلعاً وبضائع إلى موريتانيا، في منطقة بئر لحلو من المنطقة المحررة التي تقع ضمن سيطرة عناصر جبهة "بوليساريو" في الصحراء الغربية، واستنكرته الجزائر بشدة وقالت إن مقتل ثلاثة من مواطنيها، "لن يمر من دون عقاب".
استحداث لجنة أمنية مشتركة
وقال وزير الداخلية الجزائري كمال بلجود، بحضور نظيره الموريتاني محمد سالم ولد مرزوق، الثلاثاء 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، للصحافيين، إن "التعاون الأمني مع نواكشوط "نال حيّزاً مهماً" من أشغال الدورة الأولى للجنة الثنائية الحدودية بين البلدين، بالنظر إلى "التحديات الأمنية الراهنة في المنطقة والمسؤولية المشتركة للتصدي لها".
وأوضح أن لجنة العمل المشتركة توصلت إلى توصيات عدة أهمها "تكثيف التنسيق الأمني على مستوى الشريط الحدودي المشترك من خلال استحداث لجنة أمنية مشتركة تضم المصالح الأمنية للبلدين، التي أوصت بضرورة تأمين المواطنين من البلدين خلال تنقلهم في إطار التبادلات التجارية من الاعتداءات الإجرامية على مستوى المناطق الحدودية المشتركة".
كما تشمل التوصيات "تكثيف الدوريات على مستوى الشريط الحدودي المشترك وتعزيز التعاون في مجال مكافحة المخدرات التي استفحلت في المنطقة، إلى جانب العمل على مكافحة التنقيب غير الشرعي عن الذهب".
ومن أهم القرارات التي خرجت بها أعمال الدورة الأولى للجنة الثنائية الحدودية الجزائرية-الموريتانية، إنجاز الطريق الرابط بين تندوف والزويرات، وإنشاء منطقة للتبادل الحر بين البلدين على مستوى المنطقة الحدودية وتنظيم معارض اقتصادية وتجارية في نواكشوط بصفة دائمة وتحفيز المتعاملين الاقتصاديين من البلدين على السوق الجزائرية والموريتانية لبيع منتجاتهم"، فضلاً عن "تسهيل دخول المتعاملين الاقتصاديين إلى سوق البلدين لبيع منتجاتهم".
وجاء في تصريح لوزير الداخلية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوق أن "العلاقات بين الجزائر وموريتانيا عميقة جداً ويحكمها حسن الجوار وتسيير مشترك للمصالح بين البلدين، ونشدد على نهج البحث الدائم عن السلم وحسن الجوار واحترام القانون الدولي". وذكر أن "اللجنة الحدودية تمثل لبنةً في صرح التعاون الثنائي بين موريتانيا والجزائر"، وأن "إنشاء مركز حدودي بري على مستوى الشريط الحدودي بين البلدين في أغسطس (آب) 2018 منح علاقات التعاون الثنائي دفعة قوية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصل ولد مرزوق إلى العاصمة الجزائرية الأحد (7 نوفمبر) في زيارة رسمية، للمشاركة في الدورة الأولى للجنة الثنائية الحدودية المشتركة بين البلدين التي اختتمت أعمالها الثلاثاء (9 نوفمبر).
دفع نحو علاقات مميزة
تعقيباً على انعقاد اللجنة الثنائية بين الجزائر وموريتانيا، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إدريس عطية إن "البلدين يدفعان باتجاه علاقات اقتصادية وأمنية مميزة"، مبرزاً أن "القرارات المتفق عليها ستعطي دفعاً أكثر للمبادلات التجارية، لا سيما مع تأمين المناطق الحدودية التي تُعدّ جسراً للتواصل والتبادل بين الشعبين، خصوصاً مع دعوة الجزائر إلى إشراك المؤسسات المالية الأفريقية أو الدولية قصد تسهيل وتكثيف المبادلات التجارية".
وتدرك الجزائر وموريتانيا، وفق إدريس عطية أن "تطوير التبادل التجاري لا يتحقق إلا بتعزيز البنية التحتية وتوفير الشروط الأمنية اللازمة التي تجعل المتعاملين الاقتصاديين يعملون في أريحية وطمأنينة تامة على الحدود، ومسالك محروسة ومضمونة الوصول".
وأوضح أن "هذا التقارب والانفتاح بين الجانبين ليس جديداً والأكيد أنه ليس ظرفياً وإنما يعود إلى عقود، ويحمل في طياته انعكاساً حقيقياً للروابط الثنائية والعمق الاستراتيجي لغرب أفريقيا الذي تسعى الجزائر إلى تجسيده"، إذ تحتل موريتانيا موقعاً مهماً في غرب القارة السمراء، ويمكن أن تشكّل ممراً ومنفذاً محورياً للجزائر للإطلالة على المحيط الأطلسي، بخاصة بعد ما حدث في معبر الكركرات في الصحراء الغربية وتوتر العلاقة مع المغرب.
من جانب آخر، وصف الباحث الموريتاني بون باهي استحداث لجنة أمنية مشتركة بين بلاده والجزائر بـ"الخطوة الإيجابية في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، خصوصاً على صعيد مواجهة التهديدات الأمنية للجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة"، مبرزاً أن "هذا التنسيق يجب أن يشمل بلدان المنطقة، إذ لن تكون هناك تنمية أو استقرار من دون ذلك، لأن خطر الإرهاب يبدد كل الجهود المبذولة".
وتربط بين البلدين حدود برية يناهز طولها 460 كيلومتراً، وتنشط فيها شبكات التهريب والتجارة غير المشروعة. ومكّن أول معبر حدودي بري عند مدينتَي تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، الذي كلّف الجزائر 8.5 مليون يورو، التجار الجزائريين من الشروع في عمليات التصدير مباشرةً ونقل السلع والبضائع بواسطة شاحنات إلى موريتانيا. وتشير آخر الأرقام الرسمية إلى أن حجم الصادرات عبر المعبر البري منذ إنشائه وبدء العمل به حتى سبتمبر (أيلول) الماضي، بلغ 15 مليون دولار، على أن تشهد هذه الحركة ارتفاعاً أكبر في المستقبل القريب، وفق توقعات جزائرية وموريتانية.
وتصدّر الجزائر إلى موريتانيا منتجات غذائية زراعية ومنتجات صناعية مثل المنتجات البلاستيكية والإسمنت، وكذلك مواد التغليف والنظافة، في وقت تعتزم شركات ومصارف جزائرية عدة فتح فروع لها في موريتانيا، وفق تصريحات مسؤولين حكوميين.