خلص تقرير لمؤسسة موديز للتصنيف الائتماني إلى أن نحو نصف الشركات الكبرى في العالم، وفي قطاعات الاقتصاد المختلفة، تواجه مخاطر ائتمانية من جراء أهداف مكافحة التغير المناخي بالوصول إلى "صفر انبعاثات".
ومن بين 335 شركة كبرى تصنفها المؤسسة العالمية، وتشمل عدداً كبيراً من أكبر الشركات العالمية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، هناك "157 شركة ليست مستعدة تماماً لسيناريو التحول السريع إلى (صفر انبعاثات)، وتواجه مخاطر مالية انتقالية مرتبطة بمكافحة التغير المناخي".
يأتي صدور التقرير مع ختام مؤتمر المناخ العالمي (كوب 26) الذي استضافته بريطانيا في غلاسكو باسكتلندا، وشهد تعهدات من الدول المشاركة في "اتفاقية الأطراف" لعام 1994 بالحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري للوصول إلى أهداف الأمم المتحدة بشأن مكافحة تغير المناخ.
وتستهدف الأمم المتحدة إسراع دول العالم في الحد من الانبعاثات، بخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون، لتحجيم الزيادة في درجة حرارة الأرض بمعدل 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، إلا أن النشطاء من أنصار البيئة وعدداً من المؤسسات الدولية تشكك في التعهدات التي أعلنت في غلاسكو بشأن أهداف خفض الانبعاثات لوقف زيادة درجة حرارة الأرض.
وتميز "كوب 26" بحضور كثيف للشركات الكبرى في العالم، على الرغم من أنها ليست مشاركاً رسمياً في اتفاقات المناخ، لكن رؤساء الشركات ومستشاريهم انتهزوها فرصة إما للترويج لاستراتيجياتهم المستقبلية الصديقة للبيئة أو للضغط من أجل ألا تتضرر أعمالها من سياسات المناخ الناجمة عن تعهدات الحكومات.
ومن أهم ملامح المؤتمر العالمي للمناخ أن الشركات والأعمال والحكومات تبادلوا اللوم على عدم تحقيق أهداف خفض الانبعاثات والحد من تغيرات المناخ التي تهدد كوكب الأرض. فالحكومات تطالب القطاع الخاص بالقيام بدور أساسي في سياسات التحول البيئي نحو "صفر انبعاثات" في الفترة المحددة من قبل الأمم المتحدة، بينما الشركات تطالب الحكومات بتحمل نصيبها من الاستثمارات في عملية التحول من مشروعات الطاقة النظيفة والمستدامة ووضع التشريعات والقواعد المنظمة للإفصاح عن النشاطات الملوثة للبيئة وتحديد تكلفة تهديد المناخ على الشركات والأعمال.
تباين في قطاعات الاقتصاد
يحلل تقرير مؤسسة موديز مدى استعدادات الشركات الكبرى في القطاعات كثيفة الانبعاثات لسيناريوهين للتحول المناخي في العقود الثلاثة المقبلة، وتأثير ذلك على وضعها المالي وتصنيفها الائتماني.
ويطاول التحليل قطاعات مثل خدمات استهلاك البيوت والسيارات والمركبات والطيران والأسمنت والنقل البحري والنفط والغاز. وتلك هي القطاعات الأكثر أهمية في جهود العالم لمكافحة التغير المناخي، إذ تمثل مجتمعة 85 في المئة من إجمالي الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإجمالاً، بين أغلب الشركات في كل هذه القطاعات، يشير التقرير إلى تحسن واضح في العامين الأخيرين في الوعي العام بالضغوط التي قد تواجهها الأعمال من تعهدات الحكومات لمكافحة التغير المناخي، لكن ليست كل القطاعات، سواء في الاستعداد لسيناريو التحول المناخي السريع في غضون 10 إلى 15 سنة، لذا تزداد مخاطر المشاكل المالية والائتمانية واحتمالات الإفلاس بين الشركات التي تضع استراتيجياتها على أساس سيناريو التحول البطيء، أي في غضون 30 سنة أو أكثر، كما أن الأخيرة تخسر فرصة الاستفادة من الفرص التي يتيحها التحول المناخي السريع وتوفر إمكانات للنشاط والربح منها.
ويخلص التقرير إلى أن أغلب الشركات الأكثر استعداداً لسيناريو التحول المناخي السريع هي في قطاع خدمات استهلاك المنازل وقطاع السيارات والنقل. ويشير التقرير إلى أن نحو 80 في المئة من الشركات في القطاعين أفضل استعداداً الآن لتلبية أهداف مكافحة التغير المناخي مما كانت عليه في 2019، مع ذلك تظل هناك مخاطر في التنفيذ، إلا أن سياسات الحكومات وضغوط السوق وابتكارات الشركات يمكن أن تؤدي مجتمعة إلى التحول السريع.
أما القطاعان الأقل استعداداً لسيناريو التحول السريع، وتشير استراتيجيات الشركات فيهما إلى استعدادها للتحول البطيء، فهما النفط والغاز والطيران. وإجمالاً، في كل القطاعات، يقدر تقرير مؤسسة موديز أن الخطط المعلنة حتى الآن للشركات الكبرى لخفض الانبعاثات تتسق مع معدلات زيادة في درجة حرارة الأرض، بما لا يقل عن 2.6 درجة مئوية بحلول عام 2100.
تقديرات متشائمة
ويعد تقدير تقرير مؤسسة موديز أقل من تقديرات بعض النشطاء والمنظمات غير الحكومية التي شاركت في قمة المناخ العالمية في غلاسكو، إذ بدت تقديرات هؤلاء أكثر تشاؤماً، وتوقعت أن يكون معدل ارتفاع درجة حرارة الأرض ضعف المستهدف من قبل الأمم المتحدة، أي عند 3 درجات مئوية.
ويشير تقرير موديز إلى أنه في القطاعين الأكثر استعداداً للتحول المناخي السريع زاد التزام الشركات بالإفصاح عن سياساتها المناخية ضمن إعلاناتها المالية الربع السنوية إلى نسبة 21 في المئة هذا العام مقابل 14 في المئة فقط العام الماضي 2020.
أما إجمالاً، في كل القطاعات التي استعرضها التقرير، فإن نسبة 13 في المئة فقط من الشركات في كل قطاعات الاقتصاد تفصح عن بيانات وأرقام محددة توضح تأثير سيناريوهات مكافحة التغير المناخي على أعمالها. ويقول التقرير إن تلك الإفصاحات ضرورية لتحديد مدى تأثير التهديدات المرتبطة بالمناخ على الوضع المالي للشركات وآفاق تصنيفها الائتماني.
ويقدر التقرير أن نسبة احتمالات إفلاس الشركات نتيجة مخاطر مرتبطة بمكافحة التغيرات المناخية تزيد 10 في المئة بين الشركات الأقل استعداداً لسيناريو التغير السريع بنهاية العقد الحالي (أي بما بين 2030 – 2035)، بينما تقل تلك النسبة بين الشركات التي يتسق استعدادها للتحول المناخي مع السيناريو البطيء والأطول.