اتهمت المملكة المتحدة والولايات المتحدة بيلاروس بأنها تعمدت افتعال أزمة مهاجرين على الحدود مع بولندا بهدف زعزعة استقرار جارتها، على وجه الخصوص، والاتحاد الأوروبي عموماً. وجاء في القرار الذي وافقت عليه القوى الغربية في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، أن حكومة ألكسندر لوكاشينكو الاستبدادية مسؤولة عن "الاستغلال المنظم للبشر الذين تم تعريض حياتهم وسلامتهم للخطر من قبل بيلاروس لأغراض سياسية، وبهدف زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة والحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وحرف الانتباه عن انتهاكاتها المتزايدة لحقوق الإنسان".
وهذه القوى على حق تماماً، فالاستراتيجية [التي يتبعها لوكاشينكو] بأكملها قاسية وفجة تماماً كما تبدو. لقد نقل اللاجئون، في الأساس، إلى مينسك، أو تمت مساعدتهم بطرق أخرى للسفر إلى بيلاروس، ثم جرى نقلهم إلى منطقة الحدود التي تغطيها الغابات مع بولندا، وتركوا هناك لمصيرهم كي يتدبروا أمورهم أثناء محاولتهم ليجدوا طريقاً يفضي بهم إلى الاتحاد الأوروبي. وهم في الغالب من أكراد العراق، وضحايا التغيير في سياسة الولايات المتحدة ممن فقدوا أوطانهم [إمكانية العيش في ديارهم]. وقد قوبلوا بالعداء من جانب حرس الحدود البولنديين، غير أن البيلاروسيين يمنعونهم من مغادرة المنطقة الحدودية. هكذا، فهم محاصرون، يشعرون بالبرد، والجوع، واليأس، كما أصابهم البلل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسبب الوضع في كثير من الضيق الداخلي في بولندا، وليتوانيا، وإستونيا، وهي الدول الأعضاء الثلاثة في حلف الناتو، وفي الاتحاد الأوروبي، التي تعد الأكثر تضرراً بشكل مباشر من الأزمة. وشهدت بولندا خصوصاً تظاهرات قام بها مواطنون من ذوي الميول القومية في هذه البلاد التي أظهرت سلفاً ممانعتها بشكل واضح للخوض في موضوع أخذ حصة يحددها الاتحاد الأوروبي من اللاجئين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط. وتمخض ذلك، في حد ذاته، عن حصول بعض التوتر مع بروكسل، كما أضاف، بدوره، كذلك إلى التوترات بين الاتحاد الأوروبي ودوله الجنوبية، إيطاليا ومالطا واليونان التي يصل إليها لاجئون بأعداد أكبر ممن يذهبون إلى دول أخرى.
وإذ يعثر المهاجرون الموجودون على حدود بيلاروس على طريق يأخذهم عبر الأسلاك الشائكة والحراس (إلى بولندا)، بالتالي يصلون إلى ألمانيا والموانئ الفرنسية، فإن من المحتمل جداً أن يعبروا بعد ذلك، القناة الإنجليزية إلى المملكة المتحدة. وهكذا، من شأن ذلك أن يؤدي إلى إذكاء مزيد من الخلافات الداخلية والدولية. ومن بين أمور أخرى، ربما يفاقم هذا الوضع، على سبيل المثال، مستويات عدم الثقة والاستياء المتعاظمة بين بريطانيا وفرنسا.
وتناسب هذه الانقسامات بين حلفاء غربيين مفترضين روسيا أيضاً، التي تؤيد ضمناً حكومة بيلاروس وسياساتها اللا إنسانية. وقد تحدثت مينسك سلفاً عن تصعيد في الأزمة من خلال قطع الغاز عن بولندا وألمانيا إذا تجرأ الاتحاد الأوروبي على فرض مزيد من العقوبات على بيلاروس. وبالفعل، لن ينهي لوكاشينكو ألاعيبه المميتة حتى يرفع الاتحاد الأوروبي عقوبات السفر والعقوبات الاقتصادية التي جرى فرضها عليه وعلى بيلاروس العام الماضي في أعقاب قيامه بسرقة [تزوير] الانتخابات.
لكن، أين ستنتهي الأزمة؟ هناك سابقة جزئية حين استغلت تركيا أزمة اللاجئين السوريين قبل خمس سنوات كأداة للضغط بهدف حمل الاتحاد الأوروبي على تقديم المساعدة والمزايا الأخرى، لقاء كبح أنقرة تدفق المهاجرين في اتجاه اليونان وبلغاريا، ومنهما إلى ألمانيا، ولكن جل ما حدث حينذاك هو تغيير المهربين طرق سيرهم باتجاه ليبيا وأماكن أخرى في شمال أفريقيا، مستهدفين إيطاليا أو مالطا، لكن ونظراً إلى أن كثيراً من جوانب الأزمة البيلاروسية فبركها لوكاشينكو [هي صنيعته]، فقد يكون لصفقة معه تأثير عملي ودائم. ومع هذا، فإنها ستمثل فشلاً كبيراً لدبلوماسية الاتحاد الأوروبي والغرب.
الأمر الوحيد المؤكد في الأشهر المقبلة هو أن الطقس سيزداد سوءاً، وسيهلك مزيد من اللاجئين في رحلتهم الطويلة والخطيرة من الشرق الأوسط إلى أفريقيا، ومن ثم أوروبا. وسيؤدي ذلك إلى إثبات وحشية لوكاشينكو وقسوته، ودوام [كر سبحة] أزمة اللاجئين، وكذلك تأكيد عجز الغرب.
© The Independent